الأولى

“الإعداد لأقدس مهنة”: قصة أول معهد للمعلمين في سلطنة عمان

أول معهد للمعلمين

مسقط-أثير

إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

في صباح يوم السبت 16 أكتوبر 1976م، شهدت سلطنة عُمان حدثًا تربويًا مهمًا تمثل في افتتاح أول معهد للمعلمين، ليكون أحد الصروح البارزة في مسيرة التعليم الحديثة، وقد قام بافتتاحه معالي أحمد بن عبدالله الغزالي، وزير التربية والتعليم آنذاك، واتخذ المعهد من مدرسة جابر بن زيد الثانوية بالوطية مقرًا مؤقتًا له، إلى حين الانتهاء من إنشاء مبناه الدائم.

قصة أول معهد للمعلمين في سلطنة عمان

أهداف إنشاء المعهد

جاء إنشاء المعهد استجابةً للحاجة الملحّة إلى إعداد المعلم العُماني المؤهل القادر على أداء رسالته التعليمية في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، وتنمية ثقافته المهنية والعامة بصورة مستمرة. كما هدف إلى تزويد المعلمين بالمعلومات والمهارات والاتجاهات التي تمكّنهم من استيعاب المتطلبات الأساسية للتعليم، والمساهمة في تنمية البيئة والمجتمع العُماني.

خبر عن افتتاح المعهد. جريدة عمان، 19 أكتوبر 1976م

المقر المؤقت والتنظيم الإداري

نظرًا لضيق الوقت وعدم توفر مبنى خاص بالمعهد عند التأسيس، تقرر أن يكون مقره المؤقت في مدرسة جابر بن زيد الثانوية، لما تتوفر فيها من قاعات مناسبة، مع إجراء بعض الإضافات في الطابق العلوي لتلبية احتياجات المعهد.

كما تم الاستعانة بالهيئة التدريسية في المدرسة لتدريس المواد العامة، في حين تم إعارة معلمين متخصصين لتدريس مواد التربية وعلم النفس والتطبيقات التربوية.

وكان المعهد يتبع قسم إعداد وتدريب المعلمين بدائرة المناهج والتأهيل التربوي في وزارة التربية والتعليم.

تحقيق أجرته جريدة عمان عن المعهد في عدد 26 أكتوبر 1976م

الدفعة الأولى

بلغ عدد طلاب الدفعة الأولى ثلاثين طالبًا، جميعهم من خارج منطقة العاصمة، وأقيم لهم سكن داخلي ملحق بمدرسة جابر بن زيد، وضمهم في فصل دراسي واحد، ليكونوا النواة الأولى لجيل من المعلمين العُمانيين الذين أسهموا لاحقًا في نشر التعليم في مختلف أنحاء السلطنة.

مجلة النهضة، أكتوبر 1977

افتتاح أول معهد للمعلمات في سلطنة عُمان

في صباح يوم السبت 5 نوفمبر 1977م، شهدت سلطنة عُمان خطوة رائدة في مسيرة التعليم النسوي، حيث افتتح معالي أحمد بن عبدالله الغزالي، وزير التربية والتعليم آنذاك، أول معهد للمعلمات في السلطنة.

وجاء إنشاء هذا المعهد بهدف إعداد وتأهيل الطالبات الحاصلات على شهادة الإعدادية العامة لمهنة التدريس، ليكنّ نواة الكادر النسائي العامل في التعليم، وليسهمن في سدّ النقص في المعلمات المؤهلات لتدريس الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية.

وقد أُنشئ المعهد تحت إشراف دائرة المناهج والتأهيل التربوي بوزارة التربية والتعليم، التي تولّت تنظيم خطط الدراسة وبرامج التدريب فيه بما ينسجم مع أهداف الوزارة في تطوير العملية التعليمية وتأهيل الكوادر الوطنية من الجنسين.

وبافتتاح هذا المعهد، اكتمل في تلك المرحلة الأساس الأول لإعداد المعلمين والمعلمات العُمانيين داخل سلطنة عمان، مما شكّل نقلة نوعية في بناء المنظومة التعليمية الوطنية.

جريدة عمان، عدد 8 نوفمبر 1977

أهمية إنشاء معاهد إعداد المعلمين والمعلمات

يُعدّ إنشاء أول معهد للمعلمين عام 1976م ثم معهد المعلمات عام 1977م من التحولات المفصلية في تاريخ التعليم العُماني الحديث، فقد مثّل هذان الصرحان نقطة البداية لتكوين كوادر تربوية وطنية مؤهلة تتولى مهمة بناء الأجيال ونشر التعليم في مختلف ربوع المحافظات، في وقت كانت البلاد فيه تشهد توسعًا سريعًا في افتتاح المدارس عقب انطلاق النهضة المباركة.

أتاح المعهدان الفرصة لأبناء وبنات الوطن للحصول على تأهيل علمي وتربوي متخصص داخل السلطنة دون الحاجة إلى الدراسة في الخارج، وأسهما في ترسيخ مفهوم المعلم العُماني المؤهل علميًا ومهنيًا القادر على أداء رسالته التربوية بكفاءة.

كما أسهما في دعم خطط وزارة التربية والتعليم لتوطين الكوادر التعليمية وتقليل الاعتماد على المعلمين الوافدين، وتعزيز روح الانتماء والمسؤولية لدى المعلمين تجاه مجتمعهم وبيئتهم.

ومن خلال برامجهما الدراسية ومعاملهما الحديثة وورش التدريب التربوي، أسهما في نشر ثقافة التعليم النظامي، وفتحا الطريق أمام تطوير كليات التربية لاحقًا؛ ما جعل منهما نواةً أساسية للنظام التربوي العُماني الذي استمر في التطور خلال العقود اللاحقة.

الانتقال إلى المقر الدائم في القرم

تم إنشاء مبنى معهد المعلمين في منطقة القرم ضمن الخطة الخمسية الأولى (1976-1981)، التي تضمنت مشروع إنشاء دار للمعلمين بهدف توفير بيئة تعليمية متكاملة لإعداد الكوادر الوطنية في مجال التربية والتعليم، وقد تقرر افتتاح المبنى في العام الدراسي 1978/1979م، غير أن العمل في المشروع لم يكن قد اكتمل بعد، إذ لم تنتهِ الوزارة من تنفيذ جميع أعمال الإنشاء والتجهيز.

ونظرًا لذلك، تم افتتاح أول فصل لمعهد المعلمين كملحق مؤقت في مدرسة جابر بن زيد الثانوية بالوطية، حيث بدأت الدراسة فيه إلى أن تم الانتهاء من المبنى الدائم.

وفي العام الدراسي 1979/1980م، وبعد الانتهاء من تصميم وتشـييد مبنى المعهد في القرم، نُقلت الفصول الدراسية التي كانت ملحقة بمدرسة جابر بن زيد إلى المقر الجديد المستقل، لتبدأ مرحلة جديدة في مسيرة إعداد المعلمين العُمانيين، وليصبح المعهد منارة علمية وتربوية بارزة في تلك المرحلة من النهضة التعليمية في سلطنة عمان.

سياسة القبول والامتيازات الطلابية

كان معهد المعلمين يقبل الطلبة الحاصلين على الشهادة الإعدادية، وذلك بهدف تأهيلهم تربويًا وتعليميًا ليصبحوا معلمين قادرين على التدريس في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، وكانت مدة الدراسة سنتين تتلوها سنة واحدة للتدريب حيث يتخرج الطالب بعدها حاملًا شهادة أهلية التعليم الأولي التي تؤهله للتدريس في الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية.

وللتيسير على الطلبة من مختلف المحافظات، قامت وزارة التربية والتعليم بافتتاح فصول فرعية للمعهد في بعض المناطق التعليمية، ففي عام 1980م تم افتتاح فصلين للمعهد في المدرسة الثانوية الجديدة آنذاك في نزوى، لتسهيل التحاق الطلبة من المنطقة الداخلية والمنطقة الوسطى دون الحاجة إلى الانتقال للعاصمة.

كما حرص المعهد على توفير امتيازات خاصة للطلبة القادمين من المناطق البعيدة، شملت الإقامة المجانية والمعيشة في القسم الداخلي، إلى جانب صرف مكافآت شهرية تشجيعية بلغت (80 ريالًا عمانيًا) للطلبة المقيمين في القسم الداخلي، و (120 ريالًا عمانيًا) للطلبة الخارجيين.

وقد أسهمت هذه الحوافز في تشجيع الشباب العُماني على الالتحاق بالمعهد والانخراط في سلك التعليم، الذي كان يشهد آنذاك توسعًا سريعًا مع بداية النهضة الحديثة.

الأستاذة سميرة بنت سيف المعمرية وحديث عن معهد المعلمين. جريدة عمان، 16 يوليو 1977م

مرافق معهد المعلمين وتجهيزاته التعليمية

عند افتتاح معهد المعلمين في القرم، ضم المبنى عددًا من المرافق الحيوية التي وفّرت بيئة تعليمية متكاملة للطلبة والمعلمين، وجعلت منه مؤسسة متقدمة بمقاييس تلك المرحلة.

ومن أبرز هذه المرافق مكتبة المعهد، وهي مبنى واسع يضم قاعة كبيرة للمطالعة مزودة بالطاولات والدواليب التي احتوت عند الافتتاح على نحو (3000) كتاب في مختلف التخصصات، إضافة إلى الدوريات والمجلات والصحف. وقد قُسمت المكتبة إلى قسمين رئيسيين:

مكتبة تربوية متخصصة تضم كتبًا في التربية وعلم النفس وطرائق التدريس، تساعد الطلبة على إعداد الدروس وتنمية مهاراتهم التربوية، ومكتبة للثقافة العامة تحتوي على كتب منوعة في مجالات الأدب والعلوم والمعرفة العامة.

كما اشتمل المعهد على عدد من المعامل الحديثة في ذلك الوقت، من أبرزها:معمل اللغات، الذي خُصص لتعليم اللغة الإنجليزية باستخدام أحدث الوسائل التربوية، من تسجيلات صوتية وسماعات تفاعلية، ومعمل العلوم، الذي صُمم لتطبيق التجارب المعملية، وزُوّد بالأجهزة الحديثة والمواد الكيميائية اللازمة للتجارب.

وضم المبنى كذلك ورشة للفنون والصناعات والوسائل التعليمية، أُقيمت على مساحة كبيرة وجهّزت بآلات حديثة في مجالي النجارة والمعادن، وكان الطلبة يدرسون من خلالها مقررًا دراسيًا متكاملًا في أعمال النجارة والزخرفة الخشبية وصناعة الوسائل التعليمية، وينتجون نماذج وأدوات توضيحية تُستخدم في التدريس. كما أُلحق بالورشة مدرب فني متخصص يشرف على استخدام الأدوات الكهربائية الحديثة في تقطيع المعادن وتشكيلها.

وقد عُدّ هذا التنوع في المرافق والمعامل خطوة رائدة في تطوير العملية التعليمية وإعداد المعلمين إعدادًا علميًا وعمليًا متكاملًا.

جريدة عمان، الأحد 14 ديسمبر 1980

تعديل مسمى معاهد المعلمين

في الرابع عشر من مارس عام 1984م صدر القرار الوزاري رقم (23/84) من قبل وزير التربية والتعليم وشؤون الشباب بتعديل مسمى معاهد إعداد المعلمين / المعلمات نظام السنتين بعد الثانوية العامة الوارد في القرار الوزاري رقم (67/83) إلى “الكليات المتوسطة للمعلمين، و”الكليات المتوسطة للمعلمات“.

قصة أول معهد للمعلمين في سلطنة عمان
بوابة المعهد في الوقت الحالي بعد انتقال المبنى

المراجع

  • موقع قانون الإلكتروني. https://qanoon.om/
  • جريدة عمان. أعداد مختلفة من الجريدة أعوام 1976،1977، 1980
  • مجلة النهضة، أكتوبر 1977.
Your Page Title