أثير- د. محمد بن حمد العريمي
يُعَدُّ السابع عشر من نوفمبر عام 1974م محطةً تاريخيةً مهمةً في مسيرة الإعلام العُماني، إذ شهد ذلك اليوم افتتاح مدينة الإعلام في القرم برعاية السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه . كما انطلقت فيه برامج التلفزيون العُماني الملوَّن في أول بثٍّ رسمي، ليُشكّل هذا الحدث نقطة تحول بارزة في مسار الإعلام الوطني نحو التطور والحداثة.

بداية مشروع مدينة الإعلام
تعود بداية العمل في مشروع مدينة الإعلام إلى مطلع النهضة العُمانية المباركة، حين أدرك السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه – أهمية وجود جهاز إعلامي متكامل يواكب مسيرة التنمية الشاملة، ويعكس منجزات الدولة، ويكون حلقة وصل بين عُمان والعالم الخارجي، مسهمًا في تحقيق أهداف النهضة وبناء صورة مشرقة لعُمان الحديثة.
وفي اللقاء الصحفي الذي أجرته صحيفة “عمان” مع الشيخ عامر بن علي بن عمير مدير الإعلام وقتها، ونشرته في عدد 3 فبراير 1972، أكّد مدير الإعلام أن التخطيط لإنشاء مدينة الإعلام قد بدأ في عام 1971، وأن التنفيذ بدأ في مطلع عام 1972 بعد أن أقرّت الموازنة العامة، وكان أول ما تم البدء به هو بناء أستوديوهات دار الإذاعة ومكاتبها، وغرف المهندسين، وغرفة للمكتبة، ثم تم البدء في بناء مكاتب للمديرية العامة للإعلام، تضم مكتبًا للمدير العام ومكاتب لموظفي المديرية، وأقسام العلاقات العامة، التراث والآثار، الصحافة، الإدارة والقسم المالي، كما أن هناك بناية ملحقة ستخصص لقسم التصوير.
كما أشار مدير الإعلام إلى أن بناء مساكن لموظفي المديرية بمختلف درجاتها حيث وصل عددها إلى (26) منزلًا، وهناك مشروع لبناء جهاز بث إذاعي قوته 50 كيلو واط على موجة متوسطة، و50 كيلو واط على موجة قصيرة يغطي كافة عمان ومنطقة الخليج العربي.

حفل الافتتاح
في تمام الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الأحد السابع عشر من نوفمبر وصل الموكب السامي للسلطان، وكان في استقباله معالي السيد فهد بن محمود وزير الإعلام والسياحة وقتها، وعزفت فرقة موسيقى الحرس السلطاني السلام السلطاني، ثم قام جلالته بقص الشريط إيذانًا بافتتاح المدينة رسميًا، وقدّم معالي وزير الإعلام والسياحة للسلطان مفتاح المدينة. كما قدّمت طفلة باقة من الزهور له.


ثم بدأ السلطان قابوس جولةً في المدينة للتعرف إلى مرافقها وتفقدها، رافقه فيها السيد طارق بن تيمور المستشار السياسي والمشرف على السفارات العمانية في الخارج، والسيد ثويني بن شهاب المستشار الخاص ومحافظ العاصمة، وأصحاب السمو أفراد الأسرة المالكة، وأصحاب المعالي الوزراء.


وتفقد السلطان مبنى الإذاعة الجديد وأقسامه المختلفة، ومبنى التلفزيون، ثم المتحف العماني الذي افتتحه أيضًا، والذي يضم نماذج مختلفة من المكتشفات التي يعود تاريخها إلى العصر الحجري، وأواني فخارية، وفضية ونحاسية، ونماذج من السفن العمانية وغيرها من المعروضات.


بعد زيارة السلطان قابوس للمتحف، شاهد نموذجًا من مساكن العاملين بالإعلام، ثم اختتم الجولة بزيارة لمبنى وزارة الإعلام والسياحة وتناول المرطبات مع المدعوين، ثم تفضل خلال زيارته لأستوديوهات التلفزيون بتوجيه كلمة سامية إلى المواطنين.
كلمة السلطان قابوس
خلال كلمته السامية، أعلن السلطان قابوس عن رؤيته لمستقبل الإعلام في السلطنة، مؤكدًا توسيع نطاق التغطية ليشمل جميع أنحاء عمان، وربط التقدم الإعلامي بالنهضة الشاملة التي تشهدها البلاد.
وقد أكد السلطان قابوس أهمية الإعلام كأداة للنهوض بالبلاد، وأن افتتاح مدينة الإعلام يمثل خطوة أساسية في هذا الاتجاه، كما أشار إلى خطة مستقبلية لتوسيع بث التلفزيون تدريجيًا حتى يغطي جميع أنحاء السلطنة، وعبّر كذلك عن طموح عمان في تحقيق التطور والنمو في مختلف المجالات، وأن هذا الطموح لا يقف عند حد معين، كما شدّد على أن مسيرة التقدم والخير والنماء في عمان تقوم على التعاون بين القيادة والشعب.
وتعد هذه الكلمة جزءًا من تاريخ النهضة الإعلامية في سلطنة عمان، وتعكس الرؤية التنموية الشاملة التي أرساها السلطان قابوس -طيّب الله ثراه-.

أهمية افتتاح مدينة الإعلام
كان افتتاح مدينة الإعلام في سلطنة عُمان عام 1974م خطوة إستراتيجية ومفصلية في تاريخ الدولة الحديثة، وله أهمية كبيرة من عدة جوانب: فمن الناحية الإعلامية شكّل الافتتاح انطلاقة حقيقية للإعلام العُماني الحديث، حيث تم تأسيس بيئة متكاملة تضم الإذاعة والتلفزيون تحت سقف واحد. كما وفّر بنية أساسية متطورة لإنتاج البرامج والأخبار محليًا بدل الاعتماد على الخارج، وساعد على نشر الوعي الوطني والثقافي من خلال البرامج التي تبرز هوية عُمان وتاريخها وتراثها.
ومن الناحية الوطنية والتنموية جاء الافتتاح في إطار نهضة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه –، التي هدفت إلى بناء دولة حديثة بكل مقوماتها، أسهم في تعزيز التواصل بين القيادة والشعب عبر الإعلام المرئي والمسموع، كما مثّل رمزًا لانتقال عُمان من العزلة الإعلامية إلى الانفتاح على العالم الخارجي.

أما من الناحية التعليمية والثقافية فقد أصبح مركزًا لتدريب وتأهيل الكوادر الوطنية في مجالات الصحافة، الإذاعة، والتلفزيون. كما ساعد على نشر الثقافة والمعرفة بين المواطنين، خصوصا في مرحلة ما قبل انتشار التعليم والإعلام الرقمي.
ومن الناحية الإقليمية والدولية مكّن سلطنة عُمان من إيصال صوتها وصورتها إلى العالم العربي والدولي، ووضعها على خريطة الإعلام الخليجي والعربي كمؤسسة لها رسالة ورؤية واضحة.
تغطيات صحفية
حَظِي افتتاح مدينة الإعلام في 17 نوفمبر عام 1974م باهتمام واسع من قِبَل وسائل الصحافة والإعلام المحلية والعربية آنذاك، في دلالةٍ واضحةٍ على أهمية هذا الحدث وأسبقيته في مسيرة الإعلام العُماني، وعلى ما مثّله من خطوة رائدة نحو بناء مؤسسات إعلامية حديثة قادرة على نقل صوت عُمان وصورتها إلى العالم:



ويمكن القول بأن افتتاح مدينة الإعلام أسهم في إحداث نقلة نوعية في تاريخ الإعلام العُماني، إذ أصبحت مركزًا رئيسيًا لإدارة وتنسيق العمل الإذاعي والتلفزيوني في البلاد، ومن خلالها تم تأهيل الكوادر الوطنية في مختلف التخصصات الإعلامية، وتزويدهم بالخبرات التقنية والمهنية.
ومع مرور الأعوام، شهد الإعلام العُماني توسعًا في القنوات الإذاعية والتلفزيونية، وارتقاءً في مستوى الإنتاج والبرامج، وصولًا إلى مرحلة الإعلام الرقمي الذي واكب تطورات العصر، محافظًا في الوقت ذاته على رسالته الوطنية في إبراز منجزات النهضة العُمانية وتعزيز الهوية والثقافة الوطنية.
المراجع
- الإعلام تحتفي بمرور 50 عامًا على بدء بث تلفزيون سلطنة عُمان، تقرير منشور في مجلة التكوين، 16 نوفمبر 2014م.
- صحيفة عمان، عدد 3 فبراير 1973م.
- مجلة العقيدة، ديسمبر 1974م.
- نشرة عمان، سفارة سلطنة عمان في القاهرة، العدد 47، السبت 30 نوفمبر 1974م.
- جريدة الرأي العام الأردنية، الثلاثاء 19 نوفمبر 1974م.
- حساب @royalomanphotos ، ٣٠ مارس ٢٠٢٠م.

