الأولى

خبراء يسلّطون الضوء على مستقبل التحكيم والتنفيذ في القطاع البحري

مؤتمر أيام مسقط للتحكيم 2025

أثير - ريما الشيخ

شهدت إحدى الجلسات المتخصصة في مؤتمر “أيام مسقط للتحكيم 2025” طرحًا معمّقًا لقضايا التنفيذ في المنازعات البحرية والتجارية، مع إبراز التحديات العملية في تتبّع الأصول، والطلبات المستعجلة، وتباين الأنظمة القانونية بين الدول.

وقدم ثلاثة من الخبراء الدوليين رؤى مشتركة تؤكد أهمية اليقين القانوني وسلاسة الإجراءات باعتبارهما حجر الأساس لبناء بيئة تحكيمية موثوقة وجاذبة للاستثمار.

وقال أليساندرو تريكولي، شريك في مكتب Fichte & Co، إن قوة التحكيم لا تقاس بصدور الأحكام فقط، بل بقدرة الأطراف على تنفيذها فعليًا.

وأوضح أن الشركات تبدأ أي نزاع بسؤال محوري: هل سيكون الحكم قابلًا للتنفيذ؟ مشيرًا إلى أن هناك بعض الدول كانت صعبة في تنفيذ الأحكام الأجنبية، إلا أنها حققت تقدمًا ملحوظًا بعد إدراك أثر ضعف التنفيذ على ثقة المستثمرين، ومع ذلك، تبقى بعض التحديات مثل ضعف القدرة على تتبّع الأصول لعدم وجود سجل يوفر معلومات واضحة عن ممتلكات الأطراف.

وتحدث عن صعوبة فهم أسباب رفض طلبات الحجز التحفظي، إذ تُرفض دون تسبيب؛ ما يجعل تحسين الطلب أو معالجة نواقصه أمرًا صعبًا، وأضاف أن المحاكم المتخصصة —أسهمت في تعزيز الدعم لإجراءات التحكيم الدولية عبر أحكام تقدّم فهمًا أعمق للمعايير الدولية.

وأكد أن الاتساق القضائي هو العامل الذي ما يزال بحاجة إلى تطوير حتى تصبح نتائج التنفيذ قابلة للتوقع بدرجة أكبر.

من جانبه اعتبر باري ستيمبسون، شريك في مكتب Squire Patton Boggs، أن قطاع الشحن البحري يُعد من أكثر القطاعات إنتاجًا للمنازعات، نظرًا لطبيعة العمليات والتعاملات الدولية، ما يجعل اليقين القانوني ضرورة لا مجرد خيار.

وأوضح أن القدرة على الحصول على ضمانات قبل صدور الحكم — عبر حجز السفن أو أصول أخرى — تمثل ميزة مهمة تعزز ثقة أطراف النزاع.

وأشار إلى أن تتبع الأصول خلال فترة التعامل التجاري يحدد في كثير من الأحيان إمكانية تنفيذ الحكم لاحقًا، فمعرفة الحسابات البنكية، وأنماط الشحن، وشروط التداول تمنح المحامين أدوات قوية عند وصول النزاع لمرحلة التحكيم.

وبين أن دولًا مثل سنغافورة وهونغ كونغ توفر أدوات تحفظية متقدمة، لكنها تتطلب شروطًا مشددة مثل إثبات وجود احتيال، وهو ما لا ينطبق على معظم القضايا التجارية، وفي المقابل، تبرز دول مثل إندونيسيا بتحديات إجرائية تجعل تنفيذ الأحكام أكثر تعقيدًا رغم انضمامها لاتفاقية نيويورك.

وأكد أن تقليل فرص الطعن على الأحكام وتقليص الدعاوى الشكلية يسهم بصورة مباشرة في خفض التكلفة وتسريع التنفيذ، مشيرًا إلى أن بعض الطعون أصبحت تستند إلى ادعاءات باطلة تتعلق بالإخلال بضمانات العدالة.

أما روبرت لورانس، شريك في مكتب HFW، فركز على أن التحكيم البحري يعد امتدادًا طبيعيًا للطبيعة الدولية للتجارة، ما يتطلب أن تتسم إجراءات التنفيذ بالحياد والوضوح، وذكر أن المنطقة ما تزال تواجه صعوبات في تتبع الأصول غير البحرية — مثل الحسابات البنكية أو العقارات التجارية — بسبب محدودية قواعد الإفصاح، رغم توفر أدوات فعّالة لتتبّع السفن عبر قواعد بيانات دولية.

وأشار إلى أن إجراءات الحجز على السفن أصبحت أكثر تعقيدًا من السابق، حيث بات تقديم الطلب مشروطًا بدخول السفينة إلى الميناء،؛ ما يقلص الوقت المتاح لتنفيذ الحجز. كما أصبح البتّ في طلبات الحجز يستغرق يومين أو ثلاثة، وهو تأخير يفقد الإجراء التحفظي فعاليته في بعض الحالات.

وأكد أن غياب محكمة بحرية متخصصة في المنطقة يمثل فجوة مؤثرة على سرعة واحترافية البتّ في المنازعات البحرية، معتبرًا أن إنشاء محكمة أميرالية — على غرار النموذج البريطاني — سيكون فرصة مهمة لدول مثل الإمارات والسعودية وسلطنة عُمان لرفع كفاءة نظام العدالة في هذا القطاع الحيوي.

وشدد على أهمية تدريب القضاة على الاتفاقيات الدولية، وتبسيط متطلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية، ومعالجة الشروط غير الضرورية التي تظهر أحيانًا لدى بعض المحاكم رغم عدم اشتراطها دوليًا.

وفي ختام الجلسة، اتفق الخبراء الثلاثة على أن تطوير إجراءات التنفيذ، وتوحيد المعايير القضائية، وتعزيز الشفافية في تتبّع الأصول، وتوسيع التعاون الإقليمي، تشكل عوامل محورية لرفع جودة منظومة التحكيم البحري والتجاري، وتعزيز جاذبية المنطقة للاستثمارات الدولية.

يذكر أن الجلسة أقيمت خلال مؤتمر أيام مسقط للتحكيم 2025، الذي اختُتمت أعماله اليوم بتنظيم مركز عُمان للتحكيم التجاري، وبمشاركة أكثر من 45 متحدثًا دوليًا و25 مركز تحكيم.

هدف المؤتمر، الذي أقيم تحت شعار “حوار، ابتكار، حل”، إلى ترسيخ موقع سلطنة عُمان كمركز إقليمي متقدم في التحكيم وتعزيز تبادل الخبرات في تطوير منظومة تسوية المنازعات.

Your Page Title