الأولى

ماذا تعرف عن السيدة العمانية التي رسخت حضورها العسكري والسياسي في عهد الدولة البوسعيدية؟

السيدة العمانية

أثير-جميلة العبرية

في تاريخ الدولة البوسعيدية الحافل بالقيادات المؤثرة، برزت السيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد بوصفها واحدة من أهم الشخصيات النسائية اللاتي قلبن الموازين، ونسفن الصور النمطية عن المرأة الشرقية، فقد رسخت حضورها السياسي والعسكري في مرحلة حساسة من تاريخ سلطنة عُمان، حتى وصفتها السيدة سالمة بنت السيد سعيد بأنها نموذج للذكاء والشجاعة وقوة العزيمة، تستمع الأجيال إلى سيرتها بإنصات وإعجاب، فمن حصون الرستاق إلى قلب مسقط، صنعت السيدة موزة مسارًا استثنائيًا جعلها “الوصية” والحاكمة الفعلية، وركنًا أساسيًا في تثبيت أركان الدولة خلال واحدة من أكثر فتراتها اضطرابًا.

عن هذه الشخصية الاستثنائية، تخبرنا الدكتورة بهية العذوبية باحثة في التاريخ العماني: تصف السيدة سالمة بنت السيد سعيد بن سلطان (ت 1342هـ/1924م) شخصية عمة والدها، السيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد، بوصفها نموذجًا حيًّا يدحض التصورات السلبية عن المرأة الشرقية:

“أريد أن أذكر أيضًا شخصية من عائلتنا تُكذّب قبل كل شيء تلك الحكايات عن نقص المرأة الشرقية. اعتبرت عمة أبي حتى يومنا هذا نموذجًا لدينا، فقد كانت ذكية، شجاعة وقوية العزيمة، تُروى حياتها وأعمالها المرة بعد الأخرى فيصغي الصغار والكبار إليها بكل انتباه.”

أردفت العذوبية لـ “أثير”: وُلدت السيدة موزة في مدينة الرستاق، ويرجّح أن ذلك كان عام 1749م. وهي ابنة الإمام أحمد بن سعيد مؤسس الدولة البوسعيدية، أما والدتها فهي عُمانية من آل جبر من قرية الحرادي في بركاء، وهي والدة السيدين سلطان وسيف كذلك، وللسيدة موزة عدد من الإخوة هم: هلال، وسعيد، وقيس، وسيف، وسلطان، وطالب، ومحمد، و شقيقتان هما: عفراء وميرا، وقد أشار إليها المؤرخ العُماني المغيري (ت 1381هـ/1962م) في كتابه جهينة الأخبار باسمَي السيدة فاخرة والسيدة معاذة.

وذكرت العذوبية أن السيدة موزة نشأت في كنف والدها الإمام أحمد بن سعيد، وتزوجت من سيف بن محمد بن علي البوسعيدي دون أن تُرزق بأطفال. وقد عُرفت بلقب “السيدة بنت الإمام”، و“الوصية“، و“الحاكمة“، و“السيدة الجليلة“، كما أقامت في حصن الفليج برفقة أبناء أخيها سالم وسعيد. ويرجَّح أنها توفيت عام 1832م، وقد ورد ذكرها في مذكرات السيدة سالمة باسم “الوصية”، وجاء فيها: “… هنا أمرت الوصية…” و “كانت الوصية تستدعيهم كل يوم لتتلقى تقاريرهم وتبلغهم بالأوامر والتعليمات.”

أما المغيري فيذكرها بما يعكس حضورها وقوتها فيقول:

“… ولكن النفوذ في الإدارة والأحكام وغير ذلك من شؤون الدولة في أثناء نيابة السيد بدر بن سيف المذكور كانت تصدر من السيدة فاخرة بنت الإمام أحمد، عمة السيد سعيد بن سلطان. وفيما يظهر أن هذه السيدة الجليلة كانت ذات اقتدار وسطوة ودهاء، ورثت هذه السجايا كلها مع البسالة والخصال التي أهّلتها لتلك الإدارة من أبيها الإمام أحمد بن سعيد.”

بداية حضورها السياسي والعسكري

توضح الدكتورة بهية أن الدور السياسي والعسكري للسيدة موزة بدأ عقب وفاة السيد سلطان بن أحمد عام 1804م. ويصف ابن رزيق في الصحيفة القحطانية اللحظة التي بلغ فيها خبر وفاة السيد سلطان ذويَه، قائلاً إن خادماً نوبياً نُقل إلى الفليج ليبلغ السيدة بنت الإمام والسيد سعيد بن سلطان بالخبر قبل غيرهما؛ وما إن سمعا بالمصيبة حتى كفّا عن البكاء وانطلقا فورًا ليتوليا زمام الأمور، ويشير ابن رزيق في كتاب الفتح المبين إلى حالة الهلع التي عمّت مسقط عند انتشار الخبر، حتى كادت البلاد تضطرب من شدة الصدمة.

ممارسة السلطة باسمها وصلاحياتها

أما عن ممارسة السيدة موزة السلطة السياسية باسمها مباشرة، فتبين العذوبية أن ذلك قد وضح في الوثائق، ففي الوثائق البريطانية عُرّفت باسمها الصريح دون الإشارة إلى صلة قرابة بذكر أو إلى كونها زوجة أو أمًّا، وتشير إحدى الوثائق البريطانية إلى أنها كتبت بصفتها “الحاكم المؤقت” نيابة عن ابن أخيها السيد سعيد بن سلطان، طالبة الدعم من بريطانيا، وتُظهر الوثائق أيضًا دورها في حماية مسقط خلال مرحلة حرجة من الصراعات الداخلية في ثلاثينيات القرن التاسع عشر.

وتضيف: تولت السيدة موزة مهمة الوصاية على السيد سعيد بن سلطان أثناء صغره، وأعلنت تولّيها الحكم حتى يبلغ سن الرشد رغم اعتراض بعض الأطراف، لتصبح المرجع الأول للقرار السياسي. وكانت تستدعي المسؤولين يومياً لتلقي التقارير وإصدار التعليمات، ما أسهم في تهيئة سعيد بن سلطان لتولّي الحكم لاحقًا، وتورد السيدة سالمة وصفاً مؤثرًا لتلك المرحلة بقولها إن الوزراء الذين توقعوا إدارة البلاد بأنفسهم اضطروا للرضوخ لقرارها الحاسم، وإنها كانت تشرف على شؤون الحكم بشكل يومي.

صلابتها وشجاعتها العسكرية

أما عما تميّزت به، فتسرد الدكتورة بهية لـ “أثير” ذلك قائلة: تميزت السيدة موزة بالشجاعة وقوة الشخصية. وتروي السيدة سالمة حادثة تدل على جرأتها، إذ خرجت ليلاً متنكرة بزيّ الرجال خلال إحدى الفترات الحساسة لاختبار ولاء الجنود بعد أن بلغها أنهم ربما تلقوا رشوة من خصومها للانقلاب عليها، وقد واجهت أحد الجند وحاولت امتحان إخلاصه بالمال، فرفض بشدة وأكد وفاءه لها، مما بثّ في نفسها الطمأنينة ورفع معنوياتها.

دعمها المستمر للسلطان سعيد بن سلطان

أما عن دعمها المستمر لأخيها، تؤكد العذوبية أن السيدة موزة واصلت مساندة ابن أخيها السلطان سعيد بن سلطان في إدارة شؤون الدولة، ويرجّح المؤرخ ابن زريق أنها توفيت عام 1832م خلال سفره الثاني إلى زنجبار، وتكشف الوثائق البريطانية وتقارير شركة الهند الشرقية حجم تأثيرها السياسي، ففي عام 1831، وأثناء غياب السلطان سعيد في زنجبار، حدثت محاولة للاستيلاء على السلطة حين احتجز الشيخ سعود بن علي (شيخ بركاء) أبناء عمومته داخل حصنه؛ وعندما أدركت السيدة موزة خطورة الموقف، سارعت بمراسلة حاكم بومباي والمقيم البريطاني في الخليج طالبة دعمًا عاجلاً، وقد استجاب البريطانيون لرسالتها، فأُرسلت سفن حربية من بومباي إلى مسقط لردع أي تهديد محتمل ولطمأنة السكان، مما ساعد في استعادة الاستقرار وإحباط المحاولة الانقلابية

Your Page Title