حوار مع الشاعر حسين القاصد
العراق هو والدنا الذي أسأنا تربيته
حتّى الجواهري الكبير هادن كثيرا … بل كان الأكثر تحزّبا للسلطة
محمد الهادي الجزيري
ــ هل استفاد الشاعر الكامن فيك من حسين القاصد الأكاديمي ، أم اصطدم به؟وما علاقة البحث العلمي والدكتوراه بمسيرتك الشعرية؟
*أنت تسألني عن محورين قد لا يتقاطعان في ما بينهما وقد يتقاطعان، فالشعر لا علاقة له بالدراسة الأكاديمية وحسب الأكادميين أنّهم يدرسون منجز شاعر قد لا يكون أكمل دراسته الإعدادية، لكنّهم ينالون بهذه الدراسة الشهادات العليا وقد تسهم في شهرة الباحث الذي صار دكتورا ولم يكن يعرفه أحد، وحسبك في العراق أنّهم درسوا وبحثوا كثيرا ونالوا الشهادات العليا بدراستهم لشعر الجواهري وعبد الرزاق عبد الواحد وكلا الشاعرين ليسا من حملة الشهادات العليا
ــ جميل ، لكنّك لم تجبني عن تجربتك الشخصية التي تجمع البحث العلمي والشعر
*مازلت أتحدّث في المتن نفسه وقات إنّهما محوران قد يكونان منفصلين لكنّهما قد يكونان متّصلين أيضا وأحدهما يكمل الآخر، فحسين القاصد الشاعر أسهم كثيرا في صناعة الدكتور حسين القاصد
ــ كيف ذك؟
إنّ الشاعر وعلى طريقة أهل مكّة أدرى بشعابها وأهل بغداد أدرى بخرابها ، يكون مطّلعا حتما على على كمّ لا بأس به من الآداب العربية والعالمية من مختلف الأجناس الأدبية: قصة رواية مسرح أو نقدـ والأخير يتعرّض له الشاعر كثيرا وأحيانا يستفيد من الوخزات النقدية فيصحّح مساره الشعري، لكلّ هذا يكون الشاعر دكتورا مؤجّلا ، بإمكانه أن يجتهد في جنس أدبي ما وينال الشهادة إن كان همّه الشهادة فقط، وبذلك صنع الشاعر حسين القاصد الدكتور حسين القاصد ، فدخل المجال النقدي قبل الدكتوراه وأصدر بعض الكتب، وهو مصداق لقولي أنّ الأمر منفصل إذا شاء الاثنان أن ينفصلا فيأخذ الشاعر مجال الشعر ويعتاش الباحث على منجز الشعر ، ولأنّ الشاعر تحقّق لديّ ولا أحتاج أن أعتاش على شهرته ، ولأنّ لديّ الامكانية البحثية وجدت نفسي في أمرين متّصلين هما الشاعر والدكتور ، لكن على الدكتور أن يبقى وفيّا للشاعر
ــ لنتوغّل أكثر في شهادة الدكتورا ومحور بحثك العلمي…
*درست علاقة الشاعر والسلطة في العراق من عام 1900 إلى صدام حسين، أي من الاحتلال العثماني إلى الاحتلال الأمريكي، وهي دراسة بإمكانها أن تكون مرجعا لكلّ من يشاء أن يدرس الشعر في العراق، لأنّها تجربة قرن من الشعر العراقي وكلّها مرتبطة بالسلطة ، إن كانت مع أو ضدّ السلطة
ــ يلاحظ قارىء متنك الشعري حبّك الكبير للعراق وقسوتك عليه كذلك، ما مردّ هذا؟
*هي قصة حب وعلاقة شريفة، لكنها من طرف واحد، وما كان لها أن تستمرّ لولا صمود العراق وإصراره على جعلها من طرف واحد، جبروت هذا العراق الذي لا يرحم ، لا يمنعني من الانتماء إليه بقسوة ، العراق هو والدنا الذي أسأنا تربيته فصار ابنا عاقا ، لكنه مقدّس بنخله بجبله بأهواره بعذاباته بمقابره الجماعية ، بشعرائه المجانين بزعيق مطربيه بمسلسلاته التلفزية المملّة ، بنشرات أخباره ، بكلّ ذلك هو مقدّس، لأنّه مسقط رأس الكون ولأنّه مسؤول عن كلّ شيء بعده ، لذلك له أن يفخر بالابداع لأنّه أصله، وله أن يفخر بما يبدو من بنيه من سوء ، فذلك ذنبه، ألم أقل أنّه والدنا الذي أسأنا تربيته، عراقنا عراق حكومات وهو بلد كلّما جاع يأكل أبناءه، هل لك أن تتصوّر معي أنّ بلدا مثل العراق منذ الخلافة الراشدة حتّى الآن لم يبرد له سيف أو فوهة مسدّس أو بندقيّة ،تسمّى بغداد مدينة السلام لكنها لم تعرفه أبدا ، مثلنا مثل اليمن السعيد الذي لم ير السعادة، ربّما هي من ابتداعات أهل اللغة فهم يسمّون الأعمى بصيرا والملدوغ سليما واليمن سعيدا ، لكن نعود إلى تصوّرك الذي طلبته منك وأقول لك: ربّما لم يلتفت أحد في الكون إلى تسمية غريبة لأكبر مقبرة في الشرق الأوسط ، مقبرة واد السلام ، إنّهم يخوضون الحرب كي يصلوا إلى السلام لكنّهم يصلونه ميّتا
ــ أغلب المبدعين والمثقفين ممّن عُرفوا بالمشاكسة ، يتفادون جهات معيّنة لكي يحموا مسيرتهم ، وتكون لهم مرونة لا بأس بها لضمان الشهرة والانتشار والأمن الشخصي ، لكن الدكتور الشاعر حسين القاصد يمضي في إثر المشاكسة ويكاد لا يترك جهة دون أن يتعرّض لها ، إلى أين تمضي بك المشاكسة؟
*سؤالك ذكي وهو في الصميم لكنّي لم أمرّن نفسي على هذا السلوك ولم أقلّد به أحدا، ربّما كان في الماضي القريب من يشبهني في مشاكستي وهو حسين مردان، لكنّه هادن أيضا عندما اضطرّ وفق مصلحة ما ، فكان له أن يهادن أو يتّفق، وقولي أنّ سؤالك في الصميم هو أنّي بعد ملاحظة الأصدقاء والمهتمّين بمنجزي وسلوكي وتحديدهم وتركيزهم على موضوع المشاكسة، وبعد أن تدخّل الدكتور حسين القاصد في البحث عن هذا الأمر عند الآخرين، كان من دراسته للدكتوراه أنّ حتّى الجواهري الكبير هادن كثيرا ، بل كان الأكثر تحزّبا للسلطة ، وبذلك كان الشاعر يتأرجح بين الْ مع والضدّ، لا بنزعة شخصية أو مبدأ، إنما وفق مقتضيات الحاجة المالية أو بفعل توجيهات حزبية ، ولأنني اخترت يوما أن أبقى مهمَلا بحسب قولي:
” الشعر ألبسني الرصيف وقال لي // نم هاهنا أنت النظيف المهملُ “
فانتفت حاجة الفقير إلى المال ، أمّا حاجته إلى السلطة فأنا أكبر من المناصب، أقولها نثرا لا شعرا ، كي لا ينسحب عليّ ما انسحب على الجواهري حين ثار شعرا وهادن شعرا
ــ ما هي وجهة نظرك حول الأشكال الشعرية ؟
*الشعر شعر بكلّ أشكاله على أن يكون شعرا، وأعني أنّ الخلل في الشاعر لا في الشعر، في الفاعل لا في المفعول ، فالنص مخلوق ، فإن كان سيّئا ، لك أن تشتم خالقه
ــ هل انتصر النقد لتجارب مختلفة في المدوّنة الشعرية العراقية، أم اكتفى بالاحتفاء بتجارب معيّنة لأسباب شعرية وحتّي لأسباب من خارج النصّ؟
*في العراق ولّى زمن النقد من زمان، فلا ناقد مجرّد من نزعة شخصية أو حزبية ولا ناقد اعتمد منهجا نقديا واجترمه ، دون أن يبذّر كلامه ويسرف في الإنشائيات وكي تتضّح الصورة أقول: بعد جيل علي جواد الطاهر ومحمد حسين الأعرجي وعناد غزوان، لك أن تسمّي النقد عند غيرهم نقدا مؤسساتيا ، لقد كان في العراق منظومة سياسية تثقّف للتركيز على ما يخصّ السلطة وتسمياتها وتسويقها للجمهور، فالنقد أشبه بالدعاية الاعلامية لشاعر يريد أن يبيع قصيدته، وهذا ما قاله الدكتور داوود سلوم ، حين تناول منجز مجموعة من الشعراء العراقيين ووقف عند شاعر وقال بما معناه ، أنّها أمانة وهذا الشعر رديء ، فكبف أسوّقه للجمهور ليشتريه بمبالغ باهظة ….
عودا إلى المؤسسة في بداية السبعينات من القرن الماضب، وجّهت المنظومة السياسية مجموعة من النقاد العراقيين لابتداع منهج نقدي جديد، اسمه المنهج النقدي البعثي ، من ضمنهم عزمي شفيق ومصعب حسون الراوي، ثمّة من دعا إلى منهج نقدي بعثي ومنهم من جاء وأكّده ، فكتب أطروحة دكتوراه سنة 82 وصدرت سنة 84 في كتاب بعنوان: ” ملامح المنهج البعثي في النقد العربي ، فكيف تتصوّر حالة الشعر وقتها ، الغرابة تكمن في أنّ الشعراء انساقوا للقصيدة الاعلامية التي نافست التلفزيون والراديو في عملية ترويج السلطة ، وهي عملية ” تبعيث ” شاملة لكلّ الثقافة العراقية .
ــ ختاما ما جديدك؟
*رواية ” قيامة العربان” عن ما يسمّى الربيع العربي ، تدور أحداثها في العراق ومصر وسوريا وتونس والسعودية
ــ متى سنرى هذه الرواية؟
*عندما أراها