على ناصيةٍ مشبوهة في عشوائيات المدن النامية يمكنك الحصول في صفقة واحدة على (5 شهادات جامعية) في ساعتين بسعر لا يتجاوز 3 آلاف دولار، أمّ إذا أردت الحصول على شهادتين للماجستير والدكتوراه فيمكنك أن تضغط على (زر الكرم) قليلا ليصل المبلغ ما بين (1000 – 4000 آلاف دولار) لتحصل على أوراق علمية تقول إنّك تخرجت من أعرق الجامعات والأكاديميات حول العالم والأمر لن يكلفك سوى رسالة نصيّة قصيرة، وتحويل المبلغ عبر بطاقة ائتمان إلى مؤسسات مرخصة تحت سمع وبصر جميع الأجهزة الرقابية في عواصمنا العربية وفي حقيقة الأمر هي مؤسسات وهمية افتراضية لا وجود لها في الواقع وبعضها شركات أو مؤسسات تجارية غير مسموح لها في بلدانها بتقديم أية برامج أكاديمية، وأيضا ليست معتمدة من هيئات الاعتماد الأكاديمي المعروفة عالمياً، وفي الغالب معتمدة من هيئات غير معتمدة، ويعرف هذا النوع من الجامعات بمفرخة أو طاحونة الشهادات Diploma Mill وتعرف الهيئات التي تعتمد هذه الجامعات بهيئات الاعتماد الوهمية Fake Accreditation.ومازالت الأجهزة الوطنية تكشف خباياها وأسرارها فقد نشرت وزارة العدل الأمريكية عام 2008 قائمة تتضمن 10 آلاف شخص لديهم شهادات علمية مزورة من بينهم 70 عربيا، كما كشفت نتائج اختبارات الهيئة السعودية للمهندسين عن وجود 700 شهادة مزورة صادرة من أوروبا وأمريكا وباكستان والهند. والفضائح تترى، والمصائب تتوالى، والقائمة تطول، والجريمة تنفك خيوطها يومًا بعد آخر.
فعلى صعيد (النصب والاحتيال المؤسسي، والعمل من خلال رخصة رسمية وتصريح قانوني، ومن داخل إحدى العواصم العربية) كشف تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن شركة (AXACT)” العاملة في تكنولوجيا المعلومات” تتخفى في مجال البرمجيات وتصميم التطبيقات، بينما هي في الواقع تقوم ببيع شهادات ثانوية وجامعية مزورة للطلاب حول العالم. وقال موظفوها أثناء التحقيق أنهم كانوا يبيعون جميع الشهادات فالثانوية مقابل 350 دولار والدكتوراه مقابل 4000 دولار. وأثبتت التحقيقات أنه “بين (2011 – 2015) أصدرت الشركة شهادات جامعية ودبلومات من (350 جامعة وهمية) غير موجودة في الواقع لأكثر من 200 ألف من سكان الشرق الأوسط”.
أمّا على (صعيد النصب والاحتيال الفردي والتزوير اليدوي) فقد كشفت أجهزة البحث الجنائي في يناير 2015 معيدًا بجامعة القاهرة وبحوزته 16 ألف شهادة جامعية مزورة منها 1800 شهادة مزورة منسوبة إلى جامعة القاهرة تفيد بحصول مواطنين مصريين وعرب على درجات الماجستير في إدارة الأعمال والموارد البشرية وإعداد القادة، و5 آلاف شهادة مزورة منسوبة لجامعات «كامبريدج، نوتنجهام البريطانية الدولية، نيفادا الأمريكية» تفيد بحصول الدارسين على الدكتوراه في إدارة الأعمال، و10 آلاف شهادة خالية البيانات منسوبة إلى جامعة القاهرة ومعدة للتزوير.
وفي حالة التزوير اليدوي، كشف رجال التحقيقات عن خطوات عملية التزوير كما جاءت في محاضر التحقيق مع أحد المتهمين الذي أكد أمام الادعاء العام أنه (يقوم بتصوير الشهادة على الكمبيوتر وعندما يطلب منهم شهادة جامعية مزورة أو ثانوية يخرج تلك الصورة التي احتفظ بها ويعمل على إعادة كتابة الاسم المطلوب بوساطة برنامج الفوتوشوب بعد إعدادها بالكامل على الحاسب، ثم يخرج إسفنجة موجودة ضمن المحبرة داخل الطابعة «اتش بي 61» ويقوم بغسلها جيداً وإعادة تعبئتها من جديد بالحبر الآلي لطباعتها بعد ذلك على «اسكنر» فتظهر الأختام حقيقية والحبر المخصص لها حبراً حياً وصحيحاً بخلاف الحبر الذي يكون مخصصاً للطابعات العادية الذي يمكن كشفه فوراً، ومن ثم يوقّع عليها يدوياً عن طريق الشّفّ. والشّفّ هو أن يضع شهادة خلف شهادة على زجاج ويطابق التوقيع حيث يقوم بالتوقيع رسماً على الشهادة المزورة وذلك كله مقابل مبلغ 30 دولارا عن كل شهادة يزوّرها. وبعد الانتهاء من عملية التزوير يقوم بتصديقها وإعداد صورة طبق الأصل عنها بالطريقة ذاتها ثم يرسلها إلى طالبها في أي دولة حول العالم.
وفي سياق متصل فإنّ عملية التزوير طالت أيضا الدارسين العرب من أصحاب الشهادات الحقيقية ولكن على وجه آخر، فبعض الدراسين لا يتمتع بالصبر، والدأَب، والمثابرة التي يتسلح بها طالب العلم الحقيقي فيلجأ إلى طرق خارج نطاق الأمانة العلمية للحصول على شهادته، فإمَّا أن يلجأ إلى أحد الأكاديميين والباحثين لينوب عنه في إنجاز أطروحة الدكتوراه أو الماجستير كاملةً ويقتصر دور الطالب على حضور المناقشة، وإمّا أن يلجأ بعضهم إلى أكثر من باحث فيطلب من أحدهم (خطة البحث)، ويطلب من ثانٍ (تصميم الاستبيان)، ويطلب من ثالث (التحليل الإحصائي)، ويترجى آخر لمناقشة (النتائج وكتابة التوصيات)، إمّا بمقابل (ماديّ) غالبا، أو (بسيف الحياء والوساطة) أحيانا.
وإذا ما أردت أن تكتشف حجم الكارثة التي نحن فيها ما عليك إلا أن تطلب من هذا الباحث (الذي يمشي في الأرض مرحا)، ويظن أنه سوف (يبلغ الجبال طولا) بعد عودته من بلاد الإفرنج أو المغرب أو مصر متباهيا بحصوله على (لقب دكتور) ترجمة رسالته إلى العربية، أو وضع مؤلف بالعربية في تخصصه الدقيق لتفيق من هول المفاجأة على حقيقة مؤلمة مفادها أنّ الدولة أنفقت أموالا طائلة بلا فائدة.
وللمأساة وجه آخر وأبعادًا مرتبطة بسياسات وبرامج، ورؤى مستقبلية يمكن الإشارة إلى معطياتها في النقاط التالية:
أولا – تؤكد الإحصاءات تراجعا لدى الإنسان العربي وأن الوضع كارثي بالمقارنة مع نظيره الغربي فمتوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنويا بينما لا يتعدى المتوسط العربي 6 دقائق، ولا يتجاوز متوسط القراءة الحرة للطفل العربي بضع دقائق في السنة، مقابل 12 ألف دقيقة في العالم الغربي.
ثانيا – وعلى صعيد الكتب المترجمة تؤكد التقارير أن الدول العربية مجتمعة في أدنى القائمة، وبالمقارنة مع اليابان التي تترجم حوالي 30 مليون صفحة سنوياً بينما ما يُترجمه العرب سنويا خُمس ما يترجم في اليونان. والحصيلة الكلية لما تم ترجمته إلى العربية منذ عصر المأمون إلى العصر الحالي 10.000 كتاب؛ وهي تساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة.
ثالثا – تراجع الإقبال على الكتب الأكاديمية والدراسات والبحوث الجادة في حين ترتيب الكتب الأكثر مبيعاً عربيا هي: الكتب الدينية، ثم كتب الطبخ، فكتب الأبراج وتمثل الكتب المنشورة في العلوم والمعارف المختلفة ما نسبته 15% بينما تصل نســبة الكتب المــنشورة في الآداب والأديان والإنسانيات إلى 65 %.
رابعا – تراجع حركة الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية مما ينذر بانحسار اللغة العربية وتحولها إلى لغة متحفية فعدد الكتب التي تتم ترجمتها إلى العربية لا تتجاوز 300 كتاب سنويا ومعظمها كتب أدبية. المقابل نجد إسرائيل تترجم 3000 كتاب سنوياً، وروسيا تُترجم 40 ألف كتاب سنوياً أما أمريكا فلها النصيب الأكبر فتترجم 10 آلاف كتاب ووثيقة يوميا.
خامسا – تراجع التأليف العلمي عربيا وإنفاق الدول العربية (مجتمعة) على البحث العلمي والتطوير نصف ما تنفقه إسرائيل علمًا أنّ الناتج القومي العربي يبلغ 11ضعفا للناتج القومي الإسرائيلي، والمساحة هي 649 ضعفا. وارتفاع نسبة الإنفاق على البحث العلمي في الصين إلى 3% بالمائة من إجمالي الإنفاق القومي، و ميزانيتها للبحث العلمي وصلت 145 مليار دولار، بينما باقي دول العالم لا يتجاوز إنفاقهم على البحث العلمي أكثر من 116 بليون دولار. ونصيب العرب نمن هذا المبلغ 535 مليون دولار، أما إسرائيل فقد أنفقت على البحث العلمي حوالي 9 مليار دولار سنة 2008، بما يوازي 4.7 بالمائة من إنتاجها القومي. و”تفيد المصادر بوجود حوالي 90 ألف عالم ومهندس في إسرائيل، يعملون في البحث العلمي وتصنيع التكنولوجيا المتقدمة، خاصة الإليكترونيات الدقيقة والتكنولوجيا الحيوية. وتقدر تكلفة الباحث الواحد 162 ألف دولار في السنة (أي أكثر من أربعة أضعاف تكلفة الباحث العربي).