سعدية مفرح
لا أعرف بالضبط كيف أصف شعوري وأنا أخذل من وضع ثقته بي رغما عني، خصوصا إذا كان هذا الخذلان يمر علي بشكل معتاد واستهلاكي، وأنا أعرف أنه ربما لا يمر بهذا الشكل العابر على من أخذلهم!
يحدث هذا كثيرا وربما بشكل يومي في عالم الصحافة حيث أعمل منذ أكثر من ربع قرن. يحدث مثلاً أن أتسبب في خذلان أربعة أشخاص خلال ربع ساعة فقط كما حدث قبل كتابتي لهذه المقالة مباشرة! أخذلهم وأكمل عملي في قراءة بريد القراء اليومي.
في بداياتي مع العمل الصحفي كنت، لفترة محدودة، أشرف على بريد القراء حيث كان هذا الباب أحد أهم أبواب الصحف اليومية، وبسبب هذا الباب كانت تصلني عبر البريد رسائل كثيرة من القراء في كل مكان. ورسائل القراء عموما هي إحدى أجمل هدايا الكتابة والصحافة لي. كانت دائما وقود الكتابة الذي لا ينضب.
قبل أن يحل البريد الإلكتروني محل البريد الورقي كنت أحتفظ بثلاث سلال تحتل مساحة لا بأس بها في زاوية من زوايا المكتب، أسمي السلة الأولى منها “سلة الانتظار”، وأضع فيها رسائل القراء التي لم أفتحها بعد، وفي الثانية التي كنت أسميها “سلة الخذلان” أضع الرسائل فتحتها وقرأتها ولم أقرر بعد ماذا أفعل بشأنها وغالبا ما ينتهي الأمر بها الى النسيان أو التناسي هربا من عجزي تجاهها، في حين أسمي الثالثة “سلة المواهب”، ومحتواها معروف بالتأكيد.
أما بقية الرسائل فتأخذ حظها مني بشكل مباشر من دون الحاجة للمرور بمرحلة السلال، إما بالنشر أو بالرد عليها باختصار أو بالاحتفاظ بها في درج المحفوظات الخاصة. ولا بأس من الإشارة إلى أن قلة قليلة جدا بل ونادرة من الرسائل قد وصلت بالفعل الى ذلك الدرج الذي كنت أسميه “درجة النخبة”، ولا يليق بالنخبة سوى أن تكون قليلة الى حد الندرة، حتى أن ذاكرتي الآن لا تحتفظ سوى برسالة واحدة من رسائل “درج النخبة” المذكور، والذي حاز هو وأهله من المرسلين على الجزء الأكبر من اهتمامي مقابل خذلاني لسكان “سلة الخذلان” من الرسائل والمرسلين على حد سواء.
سلالي المصنوعة من القش تحولت إلى مجلدات إلكترونية في جهاز الكومبيوتر منذ أن أقلع أغلب القراء عن استخدام البريد الورقي قبل عدة سنوات، أما الذين ما زالوا يفضلونه أو لا يجيدون سواه فرسائلهم قليلة جدا تصلني لتذكرني بحنين لزمن مضى وحسب غالبا.
اليوم أريد أن أعتذر لكل من أرسل لي رسالة ورقية أو إلكترونية ووضعت رسالته في سلة الخذلان من دون رد ولا إجابة. أريد أن أقول له أنني لم أضعها في تلك السلة إلا عجزا عن الرد أو تقديم المساعدة أو حل المشكلة، فأنا لا أملك عصا سحرية تساعدني في توفير وظائف مناسبة، ولا تأشيرات عمل لزيارة بلدي، ولا حلول حقيقية للمشكلات العائلية أو العاطفية، ولا بيوت حكومية، أو مقاعد دراسية في الجامعات، أو فرص للعلاج في الخارج، أو غيرها من طلبات أستشعر مدى حاجة من يطلبها مني في هذه الرسائل فعلا، وأثق تماما أنه لم يكلف نفسه عناء الكتابة إلى مجرد كاتبة صحفية ليطلبها منها إلا بعد بعد أن سدت في وجهه جميع الأبواب الأخرى التي طرقها من قبل!
قبل قليل فتحت بريدي الإلكتروني لأجد بانتظاري كالعادة عشرات من الرسائل التي تتفاوت درجة أهميتها بالنسبة للعمل ولي شخصيا، فتعاملت معها أيضا كالعادة وفقا لدرجة الأهمية والاستعجال لكل منها، لكني ومرة ثالثة كالعادة توقفت عند أربع رسائل منها، محتارة ماذا أفعل؟ وكيف أرد عليها؟ غرقت في قراءة تفاصيل المشاكل والمآسي وانتهيت الى شعوري الموجع بالعجز، ثم إلى سلة الخذلان.. فعذراً!.