أثير- المكرم د. اسماعيل الأغبري
شاء الله تعالى أن يجعل للقلوب تعلقا وصلة بالمادي والمعنوي العزيز إلى النفس المقرب إلى القلب
وقد يميل الإنسان إلى من يعجب به فلا يرى فراقه إلا نكالا ولا يرى وداعه إلا عذابا ولا البعد عنه إلا عقابا وهذا حال من كان مختارا في ذلك فكيف إن كان تفريقا بقوة الحق والقانون أو فصلا بقوة حكم الشريعة أو كان التفريق بقوة البطش والعدوان
الشعراء يتغزلون بالمحبوب وهم في ذلك درجات الحب والغرام والوله والعشق والهيام والذوبان ولذلك نرى عند مطالعة كتب الأدب قصصا من هذا ليست بالهذيان أو محض خيال
ويتعلق الإنسان بما ألفه من شجر أو حجر أو حارات أو قرى أو حتى قمة جبل أو قعر وادٍ لذلك يرى الإنسان أناسا قد تبني لهم الدولة خير المنازل في السهل بدل الوعر مع تجهيزات للبيوت بوسائل الراحة لكن بعضا يرفض انتقاله من مكان سكناه الخشن الوعر الصلب ولو كان إلى شبه جنة مورقة خضراء
الوطن ما استوطنته النفس وسكنت إليه الروح واطمأن إليه القلب وعقد عليه عزما ألا يغادره ابدا ما لم تدفعه قوة قاهرة من فاقة صيرته إلى المسغبة أو المتربة أو دفعته قوة غازية للخروج من وطنه نفيا عنها وطردا وهو يدين لله ومع نفسه بأنه عائد إلى وطنه متى ما تيسر الأمر ولو بحيلة وخديعة
حب الوطن فطرة وغريزة في النفس السليمة لذلك يتثاقل الإنسان إذا ما دنا وقت الرحيل وحان وقت السفر ولو لمدة يسيرة بل ينهي عمله في سفره قبل أوانه ويعدل وقت عودة رحلته لموعد سريع جديد
حب الوطن فطرة فهو وإن كان جدبا صعبا لكنه لا يمكن التفريط فيه لأنه مهوى الفؤاد فكيف إن كان واحة أمن ومظلة استقرار ومن هنا فإن الشريعة الإسلامية جعلت للمسافر أحكاما وخففت عنه عبادات كوجوب القصر في الصلاة وعدم وجوب صلاة الجمعة إلى غير ذلك من أحكام المسافرين
حب الوطن فطرة وجبلة ولذلك كان المستعمر يعلم الآلام النفسية والعذابات التي تحل بمن حيل بينه وبين وطنه فيعمد إلى إبعاده عنها ونفيه منها
وفي الشرع الإسلامي هناك عقوبة النفي والإبعاد والطرد من البلاد،أو الوطن لمن هدد سلامة الناس وآذاهم في أموالهم وأنفسهم فجعل للحاكم خيار عقوبة من يبغي الحرابة ويبالغ في العدوان أن يقتل أو يصلب أو يقطع من خلاف أو ينفى من الأرض نكالا
وفي الشرع الإسلامي ما ورد في الحديث من عقوبة الزاني غير المحصن ومنها تغريب عام كامل عن الوطن كعذاب نفسي بعد أن يذوق العذاب الحسي
الوطن يدفع عنه بنوه غوائل الدهر وعوادي الزمن ولا خروج منه حتى لو كان صخرة صماء لا تثمر فكيف إذا كان أمنا عز مثيله واستقرارا لا شبيه له وطمأنينة لا يساويها طمأنينة
النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج من موطنه مكة إلا بشق النفس خرج وهو ينظر إلى مكة ويقول ( والله انت أحب البلاد إلي ولولا أهلك أخرجوني ما خرجت منك)
ومن هنا فإن بعض الحكومات والدول تلجأ إلى هذه العقوبة المؤذية نفسيا المميتة للإنسان في اليوم مئة مرة فتصادر وطنيته وتنزع عنه جنسيته وتبعده من أرضه فيفقد كل الميزات فيغدو غريبا طريدا شريدا كالريشة في مهب الريح إذا قيل له ما وطنك ? قال كذا ? قيل له هات جوازك أو ما يدل عليك تعسر عليه لأنه لا يملك ذلك بسبب نزع الجنسية عنه لموقف منه سياسي أو لقيامه بحركة عصيان أو بسبب انضمامه لجماعة مسلحة أو تخابره مع دولة،معادية لبلاده أو تجسسه على دولته بانضمامه إلى خلية تعبث بمقدرات بلاده وتدمر الوطن
إنها قطعا جريمة كبرى وخيانة عظمى،تمثل موت الضمير وانعدام روح الوطنية ونكران الجميل والتنكب عن الصراط المستقيم وتمثل أسوأ مراحل الانحطاط الخلقي إذ كيف يصير الإنسان عينا على بلاده ودليلا عليها لأعدائها فيستحق نزع جنسيته عنها لأنه في الحقيقة ليس له من الانتماء،إليها إلا ما ظهر منه من ملبس وهندام ولهجة أما الحقيقة فبينه وبين الوطن طلاق بائن بينونة كبرى أو هو أشبه بفراق اللعان
عموما هناك بلدان قد يكون عليها قادة عظام يرون الشعب كله أبناء لكنهم لا ينزعون جنسية ولا يشردون بمن يستحق أكثر من ذلك ولا يطردون من أساء وكشف عن وجهه الكالح اتجاه الوطن الذي عاش فيه وهذا العفو من باب عسى ولعل ندما يعتري من فرط في وطن
يقتضي حب الوطن التفاني في خدمته بإنجاز المسند إلى الموظف من أعمال والمسارعة في البث فيها وإيجاد الحلول للمعضلات
حب الوطن عمان يوجب أن يتحول جميع سكانه حراسا ورجالات أمن وشرطة ودفاع وخدمات أمن وسلامة يرقبون كل باغ عليه ويدفعون عنه عوادي الزمن ونوائب الدهر
حب الوطن عمان يوجب أن يصير كل أبناء عمان العين الساهرة والجنود والشرطة ورجال الأمن تبلغ عن كل من يريد أذى بعمان فيمنع من يرغب دخولها تسللا ويكشف عن كل متسلل أو مقيم إقامة غير قانونية ولا يؤوي في منزله أو حارته أو قريته أو منزله الخرب من دخل بطرق غير شرعية
حب عمان يوجب حفظ مكتسباتها بعدم التعرض لأي منشأة أو مصنع أو معمل أو متنزه أو ملصق على شارع أو حديقة فتلك لعمان
حب الوطن عمان كل عمان متلازمة وضرورة وهذا يقتضي البراءة ممن يتعرض لها من غيرها أو ممن يلبس زيها لكنه فرط فيها فحاول بيعها بأبخس ثمن
حب عمان لازم وهذا يقتضي تسجيل موقف البراءة ولو بالقلب ممن يعبث بمقدراتها ممن صار جنديا لغيرها عليها
هذا الأمن وقد ساد عمان فمن ذا يفرط فيه وقد لبست أكثر الدول العربية ثوبا أسود ?
هذا الاستقرار في السلطنة من ذا ينال منه وقد عز مثيله في العالم الإسلامي إذ استحالت دول إلى برك دم أحمر نازف?
هذه الطمأنينة في السلطنة من ذا يكفرها بينما عالم العرب يتنفس بنوه رصاص البنادق والقاذفات ودخان الحروب الأهلية التي تؤججها للأسف دول عربية عربية عربية ?
هذا الأمن والتميز بفضل شعب واعٍ وفكر في عمان معتدل وقيادة عمانية ناضجة محبة للسلام ملتزمة بالعهود والمواثيق العالمية وفوق هذا فهي قيادة خلصت عمان من أتون فتن وانشقاقات كانت سائدة قبل الثالث والعشرين من يوليو
إنه نظام حكم سياسي انضمت السلطنة في سلكه فكان أمنا وسلاما واستقرارا لعمان وغيرها
إذا غرد غير عماني معجب بما عليه السلطنة حكما سياسيا وسلما اجتماعيا فذلك ليس مجاملة لأن واقع الحال يصدق ذلك
كلنا عمان عمان عمان ولعمان وحفظ الله جلالة السلطان فكم عفا وأصلح وسار بالرعية رفقا لا قهرا ولا استبدادا ولا بطشا ولا جبرية.