فضاءات

صحيفة في هاتف

صحيفة في هاتف
صحيفة في هاتف صحيفة في هاتف

عبدالرزّاق الربيعي

قبل وقت قريب كانت الإذاعة، والتلفزيون، والصحف أهمّ منصات بث الأخبار الجديدة، التي تحصل في عالم اليوم، ومعرفة ما يدور هناك، فقد حدث تحوّل ،هذا التحوّل لم يحدث بين ليلة وضحاها، ومن الطريف أنّ وكالة رويترز عندما  بدأت عملها في منتصف القرن التاسع عشر كانت تعتمد على الحمام الزاجل في نقل أخبارها!!

أما اليوم فإننا غالبا ما نعرف الأخبار العاجلة بمجرد إلقاء نظرة على هواتفنا الذكيّة، وصرنا حينما نسمع بحدث جديد وقع بمكان ما ، فإننا لا نهرع إلى تلك الوسائل التي كنّا نستعين بها لمعرفة كلّ ما يستجد من أحداث، بل نكتفي بنظرة في هواتفنا الذكيّة، ونعرف كلّ ما جرى في أيّ مكان في العالم، بالتفاصيل المدعومة في الكثير من الأحايين بالصوت، والصورة، ومقاطع فيديو قد تحتاج إلى وقت حتى يتم مراجعها وتضبيطها فنيا، ومن ثم بثّها عبر الفضائيات!.

فقد مرّت  الصحافة بمراحل عديدة، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، وكان اختراع البرقية(التلغراف) في ثمانينات القرن التاسع عشر؛ قد أحدث قفزة كبيرة ليس فقط في عمل الوكالة، بل وفي العمل الصحفي الذي شهد تطورا خلال المائة وخمسين عاما الأخيرة من عمره، وفي كلّ ذلك كانت الصحافة ترتبط بنوع الوسيلة المستخدمة في عملها إلى أن وصلت ما وصلت إليه بعد ظهور الأجهزة المحمولة ونوع من الصحافة بات معروفا بـ”صحافة المحمول” التي خصّها د. جاسم محمد الشيخ بكتاب حمل اسمها صدر مؤخّرا عن مؤسسة بيت الغشّام بمسقط، كنتيجة لظهور “شبكة الإنترنيت” التي أحدثت تغييرات كبيرة في معظم مجالات الحياة، ويرى الشيخ بأنها أحدثت تغييرا جوهريا ، فنقلت الصحافة إلى مديات واسعة من حيث التغيّر، والتحول، فقد ظهرت أنواع، وأنماط صحفية جديدة مثل: الصحافة الالكترونية، والمدونات، والصحافة البديلة، وصحافة المواطن، والصحافة الشبكية ووسائل التواصل الاجتماعي، وشبكات النشر بما يطلق عليه” الإعلام الجديد”  ” فتغيرت تبعا لذلك طبيعة المحتوى ومهارات انتاجه وظروف وبيئة العمل الصحفي” فهذه الأجهزة أصبحت أدوات مهمة للعمل الصحفي، ومنصّة، ووسيلة لنشر المعلومات، والمحتوى الاخباري الذي تقدمه الصحافة التقليدية ، كما يرى الشيخ، التي خسرت الكثير ،وقد تجلّت هذه الخسارة في أكثر من مجال، فالعائدات المالية ،والإعلانات قد تراجعت الأمر الذي جعل بعض الصحف تغلق مكاتبها ،وتستغني عن الكثير من العاملين، فيما واكب بعضها التطوّرات، وتحوّل إلى صحف إلكترونيّة، رغم إنه يقر في موضع آخر أن صحافة المحمول لم تقلّل من اعتماد الفرد عليها بل شكلت مصدرا إضافيا للحصول على المحتوى ولكنّ أهم خسارة للصحف الورقيّة، كما يرى الشيخ، “إنّها لم تعد المصدر والمنتج الرئيس للأخبار، بل إنّ الجمهور بدأ يشاركها هذا الدور ” مؤكّدا” إن منصات الأجهزة المحمولة هي الحاضنة الرئيسة لمجمعي الأخبار، وتطبيقاتها، ونسبة مهمة من المحتوى الذي يعتمد عليه جامعو الأخبار ينتجه صحفيو المحمول ،الأمر الذي يمنح صحافة المحمول عناصر إضافية تعزّز حضورها وثباتها”

ويرصد الشيخ التغييرات التي أحدثتها صحافة المحمول الذي بدأ دوره يتّسع على حساب أجهزة الكمبيوتر المكتبي، فأصبح الوقت الذي يقضيه الفرد مع المحمول أكثر مما يقضيه مع الكمبيوتر المكتبي، ويخصص فصلا للحديث عن خصائص الكتابة لصحافة المحمول التي تستوجب بعض الخصوصيّات، والمهارات كالقدرة على الاختزال دون الإضرار بالمعنى لصغر شاشة العرض، والإيجاز، وتقديم الخلاصة، اختصار عدد الكلمات، وتجنب الفواصل ، السرعة على حساب التفاصيل ، النصوص تحتوي على روابط ووصلات لغرض التوسع إذا رغب المستخدم .

الكتاب الذي يتضمّن معلومات كثيرة أخرى يمثّل إضافة للمكتبة العربيّة، ليستفيد منه العاملون في مجال الإعلام، والطلبة الدارسون في كليّات الإعلام، وحتّى القاريء العادي الذي وجد نفسه قد دخل مضمار العمل الصحفي من خلال انتاج الأخبار ، ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبر هاتفه المحمول ،  دون أن يدري إنّه بعمله هذا دخل مجالا جديدا اسمه”صحافة المحمول” .

Your Page Title