أبجد

لكي تكون شاعرا فحلا

لكي تكون شاعرا فحلا
لكي تكون شاعرا فحلا لكي تكون شاعرا فحلا

محمد الهادي الجزيري

ليس سهلا أن تكون شاعرا في هذا الزمن الصعب، زمن التعليب والتنميط والنسق الرتيب للحياة، إضافة طبعا إلى صرامة المؤسسات المهيمنة على المجتمع المدني بدء بالمؤسسة الزوجية، لذا عليك أن تثق بي وتأخذ بجملة النصائح التي سأتبرّع بها حبّا في الشعر والشعراء :

1 ــ عليك قبل كلّ شيء أن تطلّق الأهل جميعا وليس الزوجة فقط، ولابدّ من إعلام الأمّة بهذا الإنجاز التاريخيّ الذي يشمل في تفاصيله إهمال العيال وتجويعهم وتسليمهم ليد الضياع فلست مسئولا على أيّ شيء عدا العناية بالقصيدة وإسعاد قرّائك الذين سيتفاقم عددهم نصّا إثر نصّ ……

2 ــ يجب أن تقيم في إحدى مقاهي الواقعة في سرّة الساحة الشعرية وأن تستوطن الحانات المجاورة لها وأن تتسوّل السيجارة والقهوة وغيرها من السوائل، كما يجب عليك أن تتسلّح بالوقاحة والخبث والإدّعاء والصياح والزعيق في وجه كلّ من يجرأ على منعك من التطفّل على طاولته……

3 ــ لابدّ من إهمال مظهرك وعدم الاكتراث بقذارة هندامك، فأنت حليف باطن الكائن ولست من أنصار القشور، ثمّ إنّ تشعبّ ذقنك وتلبّد شعر رأسك وتجهّم حذائك من شروط الإبداع والخلق والإضافة، لست من البرجوازية الجديدة ولا من الكتّاب المرتزقة ذوي البدلات الأنيقة والعبارات المهذّبة، أين منهم ما ستكتبه يوما ما، بعد أن تنضج الفكرة فيك، ويثمر تسكّعك في الخراب العظيم …

4 ــ كن أذنا كبيرة تلتقط أدقّ ما يتفوّه به الندامى والعاطلون عن الحياة، واحفظ جيّدا عناوين أمّهات الكتب وبعض الأسطر الشعرية والجمل البلاغية والشعارات الثورية، لن يكتشف أحد أنّ ثقافتك شفويّة، في خضمّ هذه المدن المكتظّة بالراكضين والمذهولين واللامبالين بشيء، سوى فداحة موهبتك التي لم تهبّ على العالم بعد، ولكنّها حتما ستهبّ، وتغيّر وجه الأرض وشكل إقامة الإنسان فيها….

5 ــ لا بأس من تأبّط رواية ” غابريال قرنفل وقرفة ” لجورج أمادو ” مثلا، أو ديوان أحد الشعراء العظام كأبي نواس أو المتنبي أو حوّل الوجهة نحو الغرب وتأبّط “أزهار الشرّ” أو “الجريمة والعقاب”، فمثل تلك الكتب أدلّة وحجج دامغة تؤكد ضخامة مخزونك المعرفي وإن كنت لم ولن تجد الوقت لقراءتها بحكم تكريسك لحياتك المقدّسة لسكب السوائل في باطنك الخاوي، ولكن لا بأس إن عملت بنصيحتي التالية : لابدّ من تمرّنك اليوميّ على الحذلقة اللفظية وعلى السفسطة لتتمكّن من مراوغة كلّ من يحاول الإيقاع بك وتأكيد جهلك للناس وعلى رأسهم القرّاء الذين لم تصلهم منك سوى بعض الخربشات إلى حدّ الآن ولكنّهم متفهّمون لوضعك ومؤمنون بك أشدّ الإيمان، فأنت فلتة زمانك وتاج عصرك ، ثمّ إنّك الكائن الحرّ المتمرّد على القوالب الجامدة والمؤسسات جميعها، تلك التي تعمل على تشييء الإنسان المبدع ….

6 ــ لا تنس في النهاية أن تتابع إصدارات الكتّاب في الشرق والغرب وتطوّر تجاربهم سنة إثر أخرى ، وتسامق قاماتهم الإبداعية لتفقه أنّ الشعر والكتابة عموما كدّ يوميّ وجهد مضن ومتواصل وليس استرخاء في المقاهي واستمناء لغويّا في الحانات، ولكي تدرك أنّ جميع نصائحي التي (عملتَ بها قبل أن أطرحها عليك)، ليست سوى جسور للوهم والضياع والتلاشي …….، وآخر ما أهمس به لك ولأمثالك من صعاليك متشبّهين بالشعراء : لا فرق بين إبداع قصيدة جميلة وتربية طفل ناجح في حياته ومتماسك نفسيّا …. لن أهمل أسرة لأنظّر للجمال والحبّ ، فلا علاقة للشعر بمثل ما ذكرتُ من الأفعال الهدّامة المخرّبة للنفس ومن حولها من كائنات رائعة وبهيّة

Your Page Title