أثير- فاطمة اللواتية
في كل حالة جوية، نتجه دائما إلى الأرصاد الجوية العُمانية لمعرفة تفاصيل تلك الحالة. وخلف كواليس الأرصاد هناك مهن متعددة ومصطلحات كثيرة، فهناك الراصد الجوي، والمتنبئ الجوي، وكلا المهنتين تختلفان عن بعضهما، فماذا تعرف عن أول امرأة عملت كراصدة جوية، لتكون الأولى على مستوى السلطنة وعلى مستوى الخليج أيضا، ومن هي أول متنبئة جوية على مستوى السلطنة والخليج؟ “أثير” اقتربت منهن والتقت بهن لمعرفة حكايتهن.
سامية بنت عبدالله الزكوانية، تخرجت من جامعة السلطان قابوس تخصص الفيزياء عام 2001م، لفتها إعلان يطلب نساء للعمل كمتنبئات جويات، فقدمت للعمل لتكون أول امرأة ليس على مستوى السلطنة فقط، بل على مستوى دول الخليج في هذا التخصص.
تقول سامية، بأن مجال الأرصاد كان يشدها بشكل كبير للدخول فيه، وأنها لم تجد صعوبة كبيرة في ممارسة العمل، إذ إن أسرتها وزوجها كانوا يساندونها ومتفهمين لنظام عملها، مما جعل أمورها تتسهل، خاصة وأن عملها كمتنبئة جوية كان بنظام الورديات.
وعن طبيعة عمل المتنبئ الجوي، أوضحت سامية بأن المتنبئ الجوي هو من يقوم بتحليل المعطيات المسجلة سواء أكانت على سطح الأرض، أو في طبقات الجو العليا، أو من الأقمار الاصطناعية، ليقوم بالتنبؤ بحالة الطقس لثلاثة أيام متتالية حسب النظام المتبع في السلطنة. وعن عملها في تلك الفترة، أفادت بأن الزملاء كانوا متعاونين كثيرا، مما جعل التحديات والصعوبات أقل بحكم التعاون والاحترام القائم.
تذكر سامية فترة تأثر السلطنة بإعصار جونو بشكل مختلف عما يذكره الآخرون، فكانت تعمل بنظام الورديات، تخرج من العمل صباحا لتعود في وقت لاحق من اليوم، لتتبع حالة الإعصار هل ضعف أم أصبح أقوى، ووصفت الوضع بأن “الأعصاب كانت مشدودة، وكنا نعمل مثل خلية النحل، ولكن التعامل معه أعطانا خبرة كبيرة”. وكان منزلها قريبا من مقر الأرصاد السابق في المطار، مما جعل حركتها من وإلى العمل سهلة، إلا أن تأثر محافظة مسقط بالإعصار يوم السادس من يونيو عام 2007م جعلها تبقى في المنزل مع طفليها ولم تذهب للعمل ذلك اليوم.
تقول سامية ” من جونو إلى فيت، كان فيت أقل قوة مما جعل عملنا أقل وطئة مما كان عليه أثنا جونو، كما أن خبرتنا السابقة وتوزيع العمل أسهم في جعل تلك الفترة تمر بسلاسة أكثر”.
في عام 2008م حصلت سامية على درجة الماجستير، وعادت لتصبح رئيسة قسم إحصائيات الأرصاد.
وإلى نعيمة بنت حمدان العجمية، التي أوضحت بأنها خلال دراستها الثانونية العامة – القسم العلمي عام 1992م لفتها إعلان بطلب راصدين جويين، فقدمت للعمل. وتوضح نعيمة بأنها كانت تحب الطقس، وكان يشدها ما تسمعه عن الأرصاد، وساندتها عائلتها مما جعل دخولها للمجال أسهل. تعينت في البداية كمبرمجة كمبيوتر، وأخذت لاحقا دورة تدريبية للعمل كراصدة جوية، لتدخل هذا المجال وتستمر فيه 24 عاما.
الراصد الجوي هو الأساس، فهو من يجمع البيانات ويرصدها ليتسلمها لاحقا المتنبئ الجوي. يقوم الراصد الجوي بالاطلاع على درجات الحرارة والرطوبة والرياح وضغط السحب وغيرها من المتغيرات ومراقبتها ساعة بساعة، وتبث البيانات التي يجمعها في كل المحطات تحت مظلة المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. توضح نعيمة بأن عمل المتنبئ يعتمد على الراصد، فالمتنبئ يأخذ بيانات الراصد ويقوم بتحليل البيانات هذه.
في فترة إعصار جونو كانت قد انتقلت إلى قسم المناخ ” الذي أصبح لاحقا قسم إحصائيات الأرصاد”، وكان عدد الراصدين الجويين كافيا، فلم تنظم إليهم في العمل. إلا أن الأرصاد الجوية قررت زيادة عدد الراصدين والمتنبئين بمركز التنبؤات، وذلك للرد على اتصالات الجمهور وإفادتهم وتطمينهم بالمعلومات والوضع. وأوضحت نعيمة بأن الاتصالات كان كثيرة جدا، وكان المتصلون قلقين، كما كانت الاتصالات من ولاية صلالة كثيرة، إذ خشي أهلها من تأثر الولاية بالإعصار.
وشاركت سامية بقولها بأن تعاملهم مع الجمهور لم يقتصر على الرد على اتصالاتهم في فترة جونو، فهي أيضا كانت تتلقى اتصالات من الصيادين، ومن الراغبين بالسفر بحرا، وذلك للاطمئنان على حالة الطقس والبحر. وشاركت سامية بذكرياتها فتقول بأنه اتصل شخص في المركز، وكان معتادا على أن من يرد عليه رجل، فلما ردت هي عليه طلب منها تحويله لمتنبئ جوي، ولما أفادته بأنها هي متنبئة جوية كرر عليها الجملة وكأنه لم يتوقع بأن تستطيع امرأة إفادته، فردت عليه باسمها ومسماها الوظيفي، حينها طرح عليها استفساره.
تقول نعيمة بأن المجتمع في فترة التسعينات كان يتفاجأ حين يعلم بأنها تعمل في الأرصاد، إذ كان البعض يظن بأن المرأة قد لا تستطيع الدخول في كافة المجالات، وكانت بعض صديقاتها يحاولن اختبارها عندما يرين السحب، فيسألنها ما هذه السحابة وهل هي ممطرة وغيرها من الاستفسارات.
وتجيب سامية عن ذات السؤال كيف رأى المجتمع عملها؟ قالت بأنها عندما يسألها أحد أين تعمل وتجيب عليه كانت ترى الإعجاب عليهم.. وكانت تشعر بالتميز. وأوضحت سامية بأن أفراد عائلتها أصبحوا يلجأون إليها كمصدر موثوق عندما يتوارد حديث عن حالة جوية قادمة لمعرفة وضعها وشدتها.
سامية التي أحبت عملها كثيرا، نقلت بعضا مما تعرفه إلى عائلتها وأولادها، وأصبح أولادها اليوم يعرفون اسم السحابة عندما يرونها، فالسحب المنخفضة تختلف عن السحب العالية والمتوسطة، والسحب لها أسماء يونانية بحسب وصفها، يعرفها أولادها، ويتفاخرون في حصص الجغرافيا بهذه المعلومات. وأشارت سامية إلى أن معلمات أولادها عندما علمن عن مجال عملها، تحدثن معها ليقوموا بترتيب زيارة لطلبة المدرسة إلى مركز الأرصاد، كما طلبن من أولادها تقديم عرض عن بعض الدروس التي تتضمن معلومات عن الطقس، مما جعل الأولاد يتفاخرون بهذه المعلومات.
وأكدت نعيمة أن المجتمع أصبح يتواصل معها بحكم خبرتها، فإدارة المدرسة التي يدرس فيها أولادها أصبحت تعتمد عليها في حالات الطقس المختلفة لمعرفة التفاصيل.
وعن وضع النساء الآن، قالت سامية بأنها كانت المرأة الوحيدة التي تمارس هذه المهنة 11 عاما، إلى أن انضمت دفعة من النساء بعد عام 2012م إليها. أما نعيمة فلا تزال هي المرأة الوحيدة التي تمارس عمل الراصد الجوي إلى الآن، إذ لم تنظم إليها ولا امرأة طيلة الـ24 عاما السابقة.
وفي ختام اللقاء، أكدت سامية الزكوانية ونعيمة العجمية على أن كافة المجالات أصبحت متاحة للنساء الآن، وأن على النساء ألا يعتمدن على الكلام المتناقل أو الخوف من التجربة، فالمرأة قادرة على العطاء والإبداع في المجال الذي تحبه.
تتقدم “أثير” بجزيل الشكر للهيئة العامة للطيران المدني على تعاونها، وعلى مشاركتها للصحيفة بتجربة غنية وثرية لاثنتين من أصحاب الخبرات والإنجازات.