تاريخ عمان

أحداث رحلة أول حاكم عربي -عماني يزور واشنطن و دول أخرى

أحداث رحلة أول حاكم عربي -عماني يزور واشنطن و دول أخرى
أحداث رحلة أول حاكم عربي -عماني يزور واشنطن و دول أخرى أحداث رحلة أول حاكم عربي -عماني يزور واشنطن و دول أخرى

أثير – تاريخ عمان:

تعتبر رحلة السلطان سعيد بن تيمور في الفترة من 9 نوفمبر 1937م إلى 13 يوليو 1938م من أهم الرحلات التاريخية على مستوى العلاقات بين حكومة مسقط وحكومات الدول التي زارها، إذ بدأ رحلته إلى الهند مرورا بسنغافورة، وهونج كونغ، ومن ثم اليابان، ومنها توجّه إلى الولايات المتحدة الأمريكية في أول زيارة يقوم بها حاكم عربي إلى واشنطن، ومن ثم ارتحل إلى إنجلترا، ومنها غادر إلى فرنسا .

رحلة السلطان سعيد بن تيمور إلى الهند

وصل السيد سعيد ميناء كراتشي في الهند سنة 1937 على متن السفينة البريطانية إنتربريس، ومنها غادر إلى نيودلهي برفقة أخيه غير الشقيق طارق بن تيمور وسكرتيره هلال بن بدر، ومسؤول المراسم أحمد الشبلي، ومساعده الخاص عبد المنعم الزواوي واثنين من الخدم.

وفي 12 نوفمبر عام 1937م وصل السلطان إلى نيودلهي ،إذ أستقبل استقبالا رسميا إشارة إلى استقلال سلطنة مسقط وعمان.

وتأتي أهمية زيارة السلطان سعيد بن تيمور للهند كون أن حكومة الهند الإنجليزية هي المشرف الرئيسي على سياسات البريطانيين في منطقة الخليج من حيث الإشراف الإداري، وبالتالي، فإن التعامل مباشرة مع مصدر السلطة في نيودلهي يمكن أن يطوّر علاقات السلطان أكثر فأكثر بالبريطانيين بصورة كاملة دون أن يكون هناك تدخل من الوكيل السياسي في مسقط، أو في بوشهر بعد أن ساءت العلاقة بين الطرفين في تلك الفترة، وخاصة محاولة السلطان لإعادة استمرارية معونة السلاح المقطوعة عنه من قبل الإنجليز.

ولذلك التقى السلطان فور وصوله للهند بنائب الملك وجرت محادثات رسمية بين الطرفين طالب فيها السلطان  إعادة معونة الأسلحة التي قطعتها بريطانيا عنه، وقد وعدته الحكومة الهندية بدراسة هذا الموضوع لاحقا، وبعد ذلك غادر السلطان نيودلهي بعدما شكر نائب الملك لحسن الاستقبال في 22 نوفمبر 1937م عائدا إلى بومباي، ومنها إلى سنغافورة التي غادرها في 14 ديسمبر 1937م متوجها إلى هونج كونغ، ومنها إلى اليابان.

رحلة السلطان إلى اليابان

وصل السلطان إلى اليابان بتاريخ 23 ديسمبر 1937م على الباخرة هانكون مارو، ولم تكن زيارة السلطان لليابان رسمية، بل كانت خاصة للقاء والده السلطان السابق تيمور بن فيصل الذي استقر في مدينة كوبي اليابانية، وتزوج من سيدة يابانية. ولم يقم السلطان بأي مقابلة أو محادثات رسمية مع الحكومة اليابانية، ويبدو أن السلطان تجنّب ذلك بضغط من الحكومة البريطانية لعدم إثارة موضوع الأسلحة اليابانية بسبب تدهور العلاقات البريطانية اليابانية قبيل الحرب العالمية الثانية.

ولذلك اكتفى السلطان في اليابان بجولتين استطلاعيتين إلى السفارة البريطانية والأمريكية في طوكيو لترتيب إجراءات سفره إلى الولايات المتحدة وبريطانيا لاحقا.

وقد واجه السلطان صعوبات مع المراسلين والصحفيين اليابانيين الذي حاولوا جاهدين تغطية زيارته التاريخية، حتى غادر ميناء كوبي الياباني في 27 يناير عام 1938م متوجها إلى سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية على متن الباخرة تاتسوتا مارو، وقبل مغادرته ودّع أخاه طارق بن تيمور الذي عاد إلى مسقط، ورافقه إلى الولايات المتحدة والده تيمور بن فيصل ليصبح مستشاره السياسي بهذه الرحلة.

رحلة السلطان إلى الولايات المتحدة الأمريكية كأول سلطان عربي يصل إلى واشنطن

في 15 فبراير عام 1938م وصل السلطان سعيد بن تيمور إلى سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية برفقة والده، وسكرتيره الخاص هلال بن بدر، ومساعده عبد المنعم الزواوي، وقد قام السلطان فور وصوله برحلة داخلية إلى هوليود، وشيكاغو، وديترويت.

وفي 10 مارس من عام 1938م وصل السلطان إلى واشنطن ،إذ استقبلهم كورديل هل زير الخارجية الأمريكية.

وفي اليوم الثاني استقبل الرئيس الأمريكي روزفلت السلطان سعيد بن تيمور في البيت الأبيض، ودارت المباحثات بين الجانبين حول احتمال وجود النفط في السلطنة، وإمكانية تعديل بنود المعاهدة بين الطرفين التي وقّعت في مسقط عام 1833م، حيث كان السيد سعيد يرغب في تعديل البند الخاص بنسبة الرسوم الجمركية على البضائع والتجار الأمريكيين في الموانئ العمانية، من جانبها حرصت الحكومة الأمريكية على أن ترافق السلطان سعيد في زيارته لواشنطن حفيدة أول قنصل أمريكي لدى السيد سعيد بن سلطان الذي وقّع أول اتفاقية بين حكومة مسقط والولايات المتحدة الأمريكية، رغبة من الحكومة الأمريكية لتجديد المعاهدة السابقة بالكامل.

ولكن لم يتم توقيع أيّ اتفاقية جديدة بين الطرفين رغم كل ذلك، نتيجة رفض السلطان الشروط الأمريكية الجديدة في المعاهدة برغم تضمنها موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على رفع الرسوم الجمركية على البضائع الأمريكية في الموانئ العمانية.

ويبدو أن هذه الرحلة التاريخية التي قام بها السلطان سعيد بن تيمور إلى الولايات المتحدة قد كتب لها الفشل منذ البداية، فهي لم تكن سوى التزام من الطرفين بالطلب الذي تقدم به السلطان لزيارة الولايات المتحدة ردّا على زيارة السفير الأمريكي في بغداد إلى مسقط عام 1934م.

ويعزى سبب فشل هذه الزيارة في الشعور الذي لازم السلطان بالإحباط نتيجة عدم مقدرته استمالة الطرف الأمريكي لدعمه، ومساندته في ظروفه الداخلية، والتعاقد مع شركات أمريكية للتنقيب عن النفط بعيدا عن سيطرة الإنجليز على المنطقة، ولكن العلاقات الودية بين الإنجليز والأمريكان كانت سببا رئيسيا لفشل مطالب السلطان وأمله في فتح علاقات أكثر متانة مع الجانب الأمريكي الذي كان يُطلع البريطانيين عن كل خطوة في المنطقة للتنسيق فيما بينهم.

رحلة السلطان إلى بريطانيا وباقي الدول الأوربية

غادر السلطان نيويورك على ظهر الباخرة كوين ماري متوجها إلى إنجلترا التي وصلها في 28 مارس 1938م، بينما عاد والده إلى اليابان الذي كانت علاقته بالإنجليز متوترة وسيئة على خلفية تنازله عن الحكم ومحاولته بيع الأسلحة اليابانية.

وحينما وصل السلطان سعيد بن تيمور لإنجلترا تم استقباله استقبال رسميا حافلا من قبل الحكومة البريطانية، إذ التقى السلطان بالملك جورج السادس في القصر الملكي، وأجرى محادثات رسمية حول تعديل معاهدة الصداقة، والتجارة، والملاحة الموقعة بين السلطنة وبريطانيا عام 1891م.

ويمكن القول بأن هذه الزيارة قد فتحت حقبة جديدة وتاريخية بين سلطنة مسقط وعمان والمملكة المتحدة، واعادة العلاقات التاريخية بين الطرفين بعد مرحلة سوء فهم لم تستمر طويلا نتيجة هذه الزيارة التي توّجها الطرفان بتوقيع معاهدة جديدة بين السلطنة وبريطانيا عام 1939م، مع تأكيد بريطانيا على دعم سياسة السلطان سعيد بن تيمور الداخلية وخصوصا فيما يتعلق بمشاكله مع الإمامة ومحاولته توحيد عمان تحت نظام حكم واحد.

السلطان يستخدم (السيد أزدي) كـ اسم مستعار في زيارته لفرنسا

في حركة غير مسبوقة قام السلطان سعيد بن تيمور بزيارة فرنسا باسم مستعار وهو (السيد أزدي) من 12إلى 19 إبريل في سنة 1938م، واستقبله الرئيس الفرنسي أنداك في قصر الإليزيه بباريس، ولا يعلم الباحثون سبب تخفي السلطان بهذا الاسم في زيارته غير الرسمية لفرنسا، و عاد بعدها إلى بريطانيا التي غادرها في 22إبريل من نفس العام، ولكن نجزم تماما بأن هناك أسبابا كثيرة دفعت السلطان لذلك حينها.

وفي الأول من مايو من عام 1938م وصل السلطان سعيد في زيارة خاصة إلى إيطاليا ولم يمكث فيها طويلا ليتوجه بعدها إلى مصر ويعود إلى مسقط في 13يوليو من عام 1938م ليختتم جولته حول العالم التي اكتشف فيها الكثير من الحقائق والمتغيرات السياسية ومنها تأكده من أن بريطانيا ستبقى حليفا قويا دائما لعمان، كما تأكد له جليا بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقف بجانبه إلا من خلال الخارجية البريطانية وهي رسالة واضحة جدا استوعبها السلطان خلال رحلته.

المرجع: الأوضاع السياسية العمانية في عهد السلطان سعيد بن تيمور (1932-1954م) ، ناصر بن سعيد العتيقي ، الطبعة الأولى – 2015م – دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع – دمشق سوريه

Your Page Title