الدكتور رجب العويسي- كاتب ومؤلف وباحث في التنمية والأمن الاجتماعي والتطوير المؤسسي والفكر الشرطي والتعليم
يبدو أن البحث في آليات تضمن تغيير الصورة الذهنية النمطية السالبة حول التعليم ومجالات عمله، أصبحت إحدى الأولويات التي ينبغي أن تعمل عليها سياسات التعليم ومؤسساته، والتي تقتضي تعميق عمليات المراجعة المستمرة والقراءة المتجددة الواعية لطبيعة الممارسة التعليمية وقدرتها على تغيير واقعها وتصحيح مفرداتها ومعالجة الثقافة والعادات المتداولة بشأنها، وتعزيز أفضل الممارسة الايجابية ورصد حضورها واتساع انتشارها في المجتمع ، وكيفية وصولها إلى درجة عالية من المهنية والجدارة، بالشكل الذي يزيل عنها شبح الاتهام ويقيها عثرة المغامرات غير المحسوبة، هذه الموجهات باتت اليوم أحد المعايير التي يمكن خلالها تغيير الصورة الذهنية النمطية للتعليم، إلى صورة إيجابية مبتكرة راقية مكبرة تضع التعليم أمام خارطة طريق متجددة، تتناغم معها الأفئدة وتتعاطف معه الأفكار والاهتمامات والطموحات، فيصبح نمط الحديث في إيجابيته، واستراتيجيات العمل ومنطق التواصل في قوته، يصنع فيه الإنسان منهجه، ويبني في ظله آماله وأحلامه، وفتح صفحة التغيير في حياته، ليصبح التعليم رابطة فكرية وروحية وطنية تتناغم بشأنها المدركات الحسية والعقلية، وتتمازج فيها المشاعر النفسية وموجهات الضمير.
على أن تغيير الصورة الذهنية السالبة للتعليم، يجب أن تبدأ من الصف الدراسي ودور المعلم والطالب فيه وبيئة المدرسة، وتعاطي أولياء الامور مع البيئة التعليمية، وانموذج الشراكة المتجدد ة مع الاسرة ورجال الأعمال، ومنظومة القرار الوطني وموقع التعليم في معايير التنافسية المؤسسية، ووضوح دور الادارات التنفيذية والقيادات العليا في التعليم، وفرص التكامل والتلاحم في سبيل تحقيق الأهداف الإنمائية للتعليم، ومحتوى الخطاب التعليمي ذاته واقترابه من التوقعات، وقدرته على إحداث التغيير في سلوك المجتمع وقناعاته، وأساليب التوجيه ونمط الخطاب، وآلية التعاطي مع المورد البشري والكفاءة المجيدة، والتزام المعايير في التعيين والاختيار والترقيات وغيرها، وتأصيل ثقافة العمل المؤسسي ، والنأي بالتعليم عن مسارات الخلاف والاختلاف في الادوات وأنظمة العمل وثغرة البيروقراطيات، والتدخل الاجتماعي السلبي، وفتح المسار للابتكار وتوليده في مؤسساته، وتوظيف الموارد والثروات والاستثمار فيها، وتقدير الكادر التعليمي واحترام خصوصية عمله، وإيجاد تشريعات خاصة بالتعليم تضمن حقوق العاملين فيه( قانون التعليم) ، وتعميق دور التعليم في معالجة الاشكاليات والتحديات في مختلف مجالات العمل التنموي، وإبعاد التعليم عن كل ما يشتت بجهد العاملين فيه ، وتفعيل منظومة تقييم الأداء لأدواته وبرامجه وفق أطر وطنية مقننه وأنظمة عمل محايدة ، وتعزيز الوعي المجتمعي نحو التعليم، وبناء شراكات داخلية داعمه تضمن تغيير الصورة القاتمة التي تبرزها الاقلام في الصحف الورقية والالكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي حول التعليم عبر استقطاب الاقلام الوطنية للمشاركة في رسم خريطة التكامل التعليمي، وتمكين الرسالة الاعلامية الوطنية من تسويق برامج التعليم وحشد الدعم الاجتماعي له وتعزيز المنصات الحوارية الاعلامية ، وتعزيز وجود جمعية المعلمين والجمعيات التطوعية المهنية في التعليم العالي والمدرسي الداعمة نحو تغيير الصورة القاتمة حول التعليم.
إننا في عمان نمتلك اليوم رصيدا خبراتيا وتجربة مثرية في تغيير هذه الصورة الذهنية لمستقبل الأجيال، فالثراء الفكري للمنجز التعليمي الوطني، ومفردات النطق السامي التعليمية لباني نهضتها الحديثة ، ومساحات الحوار والشراكة المتاحة للتعليم وطنيا وعالميا؛ فرصة يمكن خلالها لمجلس التعليم، إعادة بلورة صورة التعليم من جديد، ورسم خريطته الانتاجية، وتعزيز خطوط إنتاجه ونواتجه، بما يتوافق مع طبيعة الاهداف الوطنية العليا، وينعكس على طريقة التعامل المجتمعي مع التعليم ، والتعاطف مع مستجداته، والتنوع والتكامل في مدخلاته وعملياته، لتصبح الصورة الأخرى للتعليم، ذلك الوجه المشرق في الحياة والتنمية، الذي يحمل طموح الانسان، ويمتلك أدوات تغيير واقعه النفسي والاجتماعي والاقتصادي والمعيشي، يضبط مساراتها، ويوجه بوصلة عملها، ويخلق التناغم نحوها، عبر ما يتيحه من فرص التأمل والتفكير، والاستثمار والتجديد، والثقة والاحترافية، والسعادة والأمان.