فضاءات

الكاتبة السعودية زينب إبراهيم تكتب عن مسقط: أيها الصمت من رآك” …!!

الكاتبة السعودية زينب إبراهيم تكتب عن مسقط: أيها الصمت من رآك” …!!
الكاتبة السعودية زينب إبراهيم تكتب عن مسقط: أيها الصمت من رآك” …!! الكاتبة السعودية زينب إبراهيم تكتب عن مسقط: أيها الصمت من رآك” …!!

خاص-أثير
د.زينب إبراهيم- أكاديمية سعودية وكاتبة

خاص-أثير


د.زينب إبراهيم- أكاديمية سعودية وكاتبة

الكاتبة السعودية زينب إبراهيم تكتب عن مسقط: أيها الصمت من رآك” …!!
الكاتبة السعودية زينب إبراهيم تكتب عن مسقط: أيها الصمت من رآك” …!! الكاتبة السعودية زينب إبراهيم تكتب عن مسقط: أيها الصمت من رآك” …!!

 

تعظنا النملة دون أن تنبس بكلمة “بينجامين فرانكلين”.

كنت اتباهي أنني لا أسمع الضجيج، وباستطاعتي أن أكتب وسط الفوضى، وكنت مغرمة في مدينتي الإسمنتية الرياض، وشوارعها الكرنفالية والتي تضج بجميع أنواع الازعاج، والعنف الحضاري ,ولكني مؤخراً بدأت أضيق قليلاً بالمدن الكبيرة لأنها لا تبقيني وفيّة لذاتي , ولا تجعلني اتماس مع حدود روحي , وأتعجب من سلوكي الذي لا أستطيع تفسيره، فأنا ثرثارة مع الاشخاص الذين أحبهم وأرتاح معهم فقط، ولكني عندما أغضب فأنا أصمت تماماً، وهذه رسالة لمن أمامي أن لدي شيئاً مهماً أريد أن أقوله. بمعنى أن الصمت وسيلة أخرى للتعبير، ولكن كيف نحظَ بروح الصمت ؟ فنحن لا نمتلك ثروة الأفكار الألمانية , ولا الحماس الفرنسي في التطبيق , ولا الروحانية العالية في تعاليم بوذا , فالنزعة المادية التي تملكتنا وبدأت تتأصل في الجذور ستسحقنا إذا لم نقاومها ونطهّر ارواحنا منها , وربما البداية تكون بممارسة فلسفة الصمت والتأمل.

والسؤال الذي ظل يلاحقني، هو على الرغم من أن الصمت فضيلة ودليل على الحكمة والعمق كما تتناقلها الأساطير والثقافة العربية.. هل نحن فعلاً نحتاج لأن نصمت؟

يرى بعض فقهاء اللغة دلالة للصمت فهي عندهم “فعل إرادي” لأنه يمثل المدخل الى وعينا بالطرق الجديدة للكينونة، فالصمت يتدارك جهلنا أقل مما يشفينا من تبجحنا، وهنا لن أضع رأيي من المنظور الافلاطوني حيث يختلط الجميل مع الحقيقي والخير مع العدل, إلا أن الصمت ينتمي دائماً الى العالم المشترك للبشر, ولو تأملنا في الفلسفة البوذية التي تجعل من الصمت رياضة للذهن ومصفاة للنفس ونافذة للتأمل سنجدها نوع من أنواع التشافي والتصالح مع الحياة , ويعتبره المتصوفون مقاما روحيا يطهر النفس و يزيد من سموها عند الخالق.

كذلك الفلاسفة كان لهم وقفة مع فلسفة الصمت حيث الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر وحواره الوجودي عن حديث الأنا للذات الصامتة وكلام الأنا مع الآخر للتعبير عن وجود الأنا الحرة الواعية. ولا نستثني فلاسفة الجمال حيث يرون أن الصمت من أرقى صور الجمال ويفسرون اللحظات الصامتة في الأعمال الموسيقية والسكتات الإيقاعية والفراغات في اللوحات التشكيلية وغيرها بأنها جميعها تعبر عن فلسفة الصمت وجمالياته. كل هذه التداعيات اكتظ بها عقلي عند زيارتي لمدينة مسقط في سلطنة عُمان, فكل معلوماتي عنها كانت من أسرة عُمانية تعرفت عليها في لندن عام 2009 وجاورتهم 4 شهور هناك , كان يثيرني الهدوء فيهم , والابتعاد عن مواطن الجدل , شخصيات مريحة تستطيع أن تتعامل معها دون الإحساس بالخوف , كنت أتساءل ربما هذه الاسرة فريدة من نوعها والاستثناء الذي خالف القاعدة , إلا أنني وبعد مضي هذه السنوات , وعند زيارتي لمسقط الشهر الماضي ثارت اسئلتي من جديد , والواقع أن زيارتي قصيرة جداً ولا استطيع تكوين صورة واضحة في عمر بلد تميز بتنوع ثقافي وديموغرافي , وتعود على الحياد والنأي بنفسه عن فوضى من حوله , والحقيقة أنني في مسقط كنت أعيش في إيقاع ابطأ من الإيقاع الذي أعيش عليه في الرياض , لكنني موجودة ومرتاحة نوعا ما ؟ ما السر في هذه المدينة النائمة على كتف الهدوء وتتماس مع روح الرقة، كلنا نعلم إن للصمت قواعده، والصامت سيد نفسه، وفي السياسة الصمت هو الأقوى وهو من يتكلم بقوة، وباعتقادي أننا نحتاج للتوغل في هذا الصمت الذي قد يرمم ما تهدم من انسانيتنا.

وفي مسقط تلك المدينة التي فتحت أزرار قميصها لتتعايش مع الزمن الثقافي وقبلها الانساني، تعلمك هذه المدينة أن تحب الحياة دون الاستعانة بأدوات كثيرة , ودون أن تتخلى عن هويتها وتاريخها , بل كل مرة تؤكد على الحفاظ على هويتها بطريقتها الجاذبة بهدوء وكأنها ترسل رسالة شبيهة بما كتب على قبر كزنتزاكيس ” لا أطمع في شيء ..لا أخاف من شيء ..أنا حُر ” .إن الثقافات الأكثر حيوية والأعظم تأثيراً، هي التي بسطت كفها لمواجهة الحياة واشكالياتها، وهي التي لم تدعي امتلاك الحقيقة، ولم تغلق نوافذ الحوار مع الآخر، بل تسعى بصمت لاحتواء مستجدات الحياة، وتتوحد مع الواقع للبحث عن إجابات لمزيد من الأسئلة , دون إحداث ضجيج أو التبجح بمعرفة كل شيء ,يقول إلدوس هكسلي : “الكلمات كأشعة إكس , أحسن استخدامها , تخترق كل شيء”.

 

مصدر الصورة البارزة : المرسال

Your Page Title