أثير-جميلة العبرية
أن تكون واحدًا من قلة قليلة امتهنت حرفة وصنعة الأجداد وتواصل المشوار بالحفاظ على سرها ومميزتها فهو التحدي الأكبر، كما أن الشغف يكون ملازما لك دائمًا في صناعتها والعمل عليها لأنه هو الإيجابية الكامنة التي تدعوك إلى أن تقبل على عمل الشيء الذي تحبه بلهفة وولع تام.
يعقوب بن يوسف بن سعيد العامري حلاو عماني امتهن مهنة الأجداد عن جده بملازمته له في الصغر، بعيدا عن والده الذي لم يمتهن هذه المهنة، ولكن كان له نصيب منها، “أثير” اقتربت منه ودار هذا الحوار.

عن البدايات المولعة بالهوايات يقول الحلاو :” بدأت ممارسة مهنة صناعة الحلوى منذ الصغر، كنت أذهب مع عمي إلى المصنع وأنا في سن صغيرة جدا لا أتجاوز الخامسة ولكن كنت فقط أحاول فعل أي شيء في المصنع كحال الأطفال المولعين بالهوايات” .
ويضيف : “هذه المهنة هي إرث لعائلتي بداية من جدي سعيد بن سالم بن سيف العامري الذي بدأ مزوالة هذه المهنة منذ عشرينات القرن الماضي في البحرين تحديدا في مدينة المحرق وقد كان متميزا فيها بل وكان أشهر صناع الحلوى في البحرين في فترة الثلاثينات وإلى بزوغ فجر النهضة المباركة حيث إنه رجع إلى عمان وقد نقل الصنعة إلى أعمامي إلى أن انتقلت إلينا ، حيث إن هذه المهنة أصبحت مطبوعة على جبين العائلة أي إننا لا يمكن أن نتركها مهما كلف الثمن فهي كما ذكرت سابقا إرث للعائلة” .
ويوضح الحلاو ما يميز الحلوى العمانية قائلا :” المميز في الحلوى العمانية أنها سيدة الموائد العمانية لا تكون هناك مناسبة إلا والحلوى حاضرة فيها ويكاد لا تخلو البيوت من الحلوى وكذلك ضيوف عمان فإن أول ما يلقونه من الضيافة الحلوى العمانية وكذلك الهدايا التي تبعث إلى خارج السلطنة . مشيرا إلى أن هناك عناصر رئيسية مهمة جدا لا يمكن الاستغناء عنها في عمل الحلوى العمانية ،فبدونها لا تستقيم الحلوى كصناعة وكمنتج وهي :
1. السكر .
2. النشأ .
3. الماء.
4.السمن .
5. النار .
كما أن هناك عناصر ثانوية لا يتأثر بدونها قوام المنتج ولكن مهمة من ناحية الطعم وهي المطيبات كالزعفران وماء الورد والهيل .

وقسم الحلاو الحلوى العمانية إلى ثلاثة أنواع وهي ” البيضاء ذات السكر الأبيض وتتكون من الماء والسكر والنشأ والسمن، وكذلك المطيبات كالهيل وماء الورد، والصفراء وهي بنفس مكونات الحلوى البيضاء ويضاف إليها الزعفران ليعطيها اللون والطعم المتميز، والداكنة وتختلف بأن نوع السكر فيها إما أن يكون بكمية بسيطة من السكر الأحمر والآخر الأكثر نسبة وهو الأبيض، وبعضهم يستخدم السكر الأحمر بشكل كامل”
وبالرجوع إلى تاريخ الصنعة قال العامري: إن الحلوى أصلها في عمان ثم انتشرت إلى الدول المجاورة والبعيدة كالإمارات والبحرين وقطر والكويت والمملكة العربية السعودية وكذلك البصرة وإيران والهند ويقال في بلوشستان واليمن وكذلك ماليزيا وفي زنجبار، وأعتقد أن العامل الرئيسي حول انتشارها الرحلات البحرية الاستكشافية العمانية وكذلك رحلات الدعوة الإسلامية والتجارية حيث نجد أن الوجود العماني خلد أثرا كبيرا في تلكم البلدان ، أما من ناحية الاختلاف فالحلوى العمانية لقت اهتماما بالغا جدا حفظت مكنونها وسرها وعراقتها إلى أن أشرقت شمس النهضة الغراء المباركة فقد اسهمت بشكل كبير في الحفاظ عليها، فقد حظت بعناية من قبل مولانا المعظم بتوجيهاته السديدة بالحفاظ على كل ما يتعلق بالصناعات التقليدية والصناعات الحرفية وعلى مكوناتها التقليدية، وإلى عصرنا هذا فإن صناعة الحلوى انتعشت في عمان وفي بلدان دول مجلس التعاون ولقت ترويجا عالميا فأصبحت احد اشهر الحلوى العالمية .

وذكر الحلاو الاختلاف بين حلوى عمان وحلوى الدول الأخرى مثل الحلوى في البحرين وزنجبار حيث قال “هم استبدلوا البر بالذرة هذا في البحرين أما في زنجبار فاستبدلوه بمادتين بالذرة وبمادة شهيرة لديهم.
وعن أكثر نوع يقع عليه الطلب قال ” العمانيون لهم أذواق مختلفة، فمنهم من يرغب في الداكنة (السوداء ) ومنهم من يرغب في الصفراء ومنهم من يرغب في البيضاء، والأكثر طلبا للسوداء حسب تقديري، أما في دول مجلس التعاون فهم يرغبون في الحلوى العمانية الصفراء بنسبة كبيرة جدا”.
وأضاف “أن أكثر فترة الطلب مواسم الأعياد فهذه المواسم تعد الفرصة الذهبية لمصانع الحلوى لرفد أكبر كمية ممكنة في الأسواق وكذلك موسم الأعراس “

وعن المردود المادي لهذه الوظيفة قال “المردود الحمد لله على كل حال ولكن نحن كصناع حلوى نعاني من صعوبة من ارتفاع الأسعار فلو قامت الجهات المعنية بدعم مواد تصنيع للحلوى للمصانع لقل الضرر عنا حيث تشهد الأسواق خاصة في المواسم طفرة في ارتفاع الأسعار يؤدي إلى انخفاض في الأرباح”
وختم يعقوب حديثه لـ “أثير” بتوجيه رسالة قائلا ” أتمنى من كل صانع حلوى عمانية أو أي صانع حرفي التمسك بمهنته ففيها شرف وفخر واعتزاز له فأسلافنا ماتوا وهم متمسكون بها. ولقد لاحظت أن الكثير من عوائل صناع الحلوى قد تركوا مهنة أجدادهم وأسالفهم وكم أسفت لذلك كثيرا وأتمنى أن يلقى هؤلاء الصناع التقليديون كل الدعم والتشجيع للمحافظة على صناعاتهم ومهنهم التقليدية”