أبجد

مثل من فوّت موعدا فتحي النصري ذاك المبدع الصامت

مثل من فوّت موعدا فتحي النصري ذاك المبدع الصامت
مثل من فوّت موعدا فتحي النصري ذاك المبدع الصامت مثل من فوّت موعدا فتحي النصري ذاك المبدع الصامت

محمد الهادي الجزيري

” لا جدوى من الذهاب هناك

لا عزاء في البقاء هنا

ذلك هو العذاب الذي يعذّبنا دون أن يمنحنا أيّة متعة.”

إذا صادفت كاتبا يستهلّ النزف بهذه الطريقة فلن يكون إلاّ الشاعر التونسي فتحي النصري، وهو في هذه التجربة الجديدة يأخذنا معه إلى تخوم الدهشة والإرباك ..دون أن يغيّر ما بنفسه من تواضع لا يستطيعه إلاّ الكبار..، نعم هذا أحد الشعراء القليلين الذين يمكن أن نفتخر بهم وطنيا ودوليا ..، وعيبه الإيجابي انكماشه على غيمته ..وعشقه للقصيدة والكتابة والصمت في زمن الصراخ والفوضى….

في مجموعته ” مثل من فوّت موعدا ” يوغل في مجاهل قصيدة النثر متسلّحا بموهبته الشعرية العالية وبثقافته الأكاديمية حيث أنّه أستاذ جامعي مختصّ في الأدب الحديث يدرّس بكلّية العلوم الإنسانيّة والاجتماعية بتونس، ويرأس قسم العربية منذ سنة 2011 ..، وقد افتتح ديوانه بنصّ تقديميّ تعرّض فيه للأسباب التّي ورّطته في قصيدة النثر وشارحا لمن يهمّه الأمر وجهة نظره فيها ..ومن ضمن ما ورد فيه :

” من يكتب ” قصيدة النثر ” فيُفترض أنّه يغامر وحيدا في العراء وقد تحرّر من كلّ قانون أو قيد فنّي إلاّ ما يتيسّر له بجهده ومعاناته لحظة ابتداع النصّ وإنشاء الجمال، فلا وسط في ” قصيدة النثر ” ، فإمّا شِعر شِعر وإمّا إسفاف..”

انظر إليه كيف يتطرّق إلى موضوع الكتابة ..، إنّها هاجس مسعور يسكنه أبدا، يعتبرها دائما الضوء مقابل الظلام ويرى أنّ أناملنا (وهي أداتنا للكتابة) سبيلنا لبلوغ غايتنا ، ويكون هدفنا السامي أن نبلغ ما يسمّيه النور…، ذاك هو الشاعر الحالم العالم الذي يعتقد أنّه مركز الكون وسرّة العالم..فطوبى له…

” حين نستيقظ وحيدين في العتمة،

وتضيع منّا الجهات،

فنجد النافذة

حيث نتوقّع الباب،

ويلقانا الحائط

حين نفترض النافذة،

وفي متاهتنا تلك

يتمّلكنا هاجس وحيد:

أن نجد طريقنا إلى النور،

وليس أمامنا من سبيل

سوى أن نغامر بأصابعنا “

القصيدة التي أهدت عنوانها للمجموعة هي ” مثل من فوّت موعدا “، يتحدّث فيها الشاعر عن حنين دائم يربط من كان مثله بموطنه وبمكانه الذي تعوّد عليه، فمهما حصل ومهما ابتعد عن الأرض التي نشأ بها ..، ومهما كان اللقاء مستحيلا يصبح ممكنا إن كان الرفيق المهاجر مربوطا بخيط خفيّ يجذبه إلى وطنه..وإن طال الفراق….

” يحدث أحيانا

أن يختفيَ بعضهم

أو يتغرّبوا في أصقاع بعيدة،

لكنّهم مثل طيور مهاجرة،

يعودون دائما

إلى المكان نفسه،

كأنّ خيوطا خفيّة

تشدّهم إليه،

خيوطا حريريّة

أنْبتتهم هناك،

وإلى الأبد،

مثل من فوّت موعدا

ولا يريد أن يَيأس “

فتحي النصري شاعر شاعر …يكتب كلّ أصناف التحبير من شعر موزون إلى قصيدة النثر إلى دراسات علمية والمقالة والخاطرة ..، لكنّه لم يحظ بما يستحقّ من تكريم وتبجيل ككلّ مبدع متميّز وذلك لعدّة أسباب مختلفة منها اختلاط الحابل بالنابل في ساحة شعرية شبيهة ببطحاء يدخلها كلّ من يحسن كتابة اسمه وحماقات ..، لذلك يقول الشاعر في إحدى قصائد المجموعة :

” أيّتها الظلال..

كيف أخلص منك

لأعود إلى ينبوع الضوء

الشمس التي كنتُ..”

Your Page Title