فضاءات

الدكتور عبدالله باحجاج يكتب: المسؤولية الاجتماعية .. في عصر الضرائب

د/ عبدالله باحجاج يكتب: الفصل من الكليات والجامعات .. ليس حلا ، وهذه هي الأسباب
د/ عبدالله باحجاج يكتب: الفصل من الكليات والجامعات .. ليس حلا ، وهذه هي الأسباب د/ عبدالله باحجاج يكتب: الفصل من الكليات والجامعات .. ليس حلا ، وهذه هي الأسباب

أثير- د. عبدالله باحجاج

هذا المقال من وحي أحد ردود الأفعال على مقالنا السابق المعنون باسم ،، الحتمية الثنائية : دولة أقوى ، ومجتمع قوي ،، من قبل أحد رجال الأعمال البارزين الذين لهم اهتمام متقدم في الرؤية الوطنية ، وفي هاجس ملف مستقبل التنمية الاجتماعية في عصر الضرائب والرسوم المقبل ، ويسعى جاهدا إلى إقامة شركة غير ربحية للمسؤولية الاجتماعية، وهذا مؤشر على الحراك الإيجابي التلقائي والطبيعي المقابل لتراجع دور الدولة الاجتماعي والاقتصادي .

ففي ردة فعله على المقال ، تستوقفنا عبارته التالية // تمنيت أن اقرأ عن العلاقة بين الحتميتين – وهي دولة أقوى ، ومجتمع قوي ،  وشكلهما وقوتهما … // كما تمنى أن يكون المقال السابق بعنوان // التنمية الاجتماعية ودورها الغائب في مواجهة التحديات المعاصرة // .

 وتدخله سالف الذكر ، ينم عن وعي رفيع بالمرحلة المتغيرة التي تمر بها البلاد في ضوء الأزمة النفطية ، كما يعكس هاجسا وطنيا تجاه التنمية الاجتماعية ، ويتقاطع معنا في مسألة ضرورة البحث عن ادوات تمويل جديدة لهذه التنمية من قلب المجتمع، وبصورة مستدامة ، لا ترتبط بالتقلبات، كما هو حاصل للنفط ، ولا بالأهواء والأمزجة – كما هو حاصل في الأعمال الخيرية الفردية .

فليس من حل يصنع لنا الاستدامة سوى التوجه نحو مأسسة المسؤولية الاجتماعية ، كما تتجه إليه جهود مثل هذه الشخصية العمانية ، شريطة تكاملها  مع دور الحكومة ، وتناغمها ، وتحت إشراف مباشر للجهات الحكومية المختصة.

ومن هذه المقدمة ، خاصة ما اثارته هذه الشخصية تمنيات وتوضيحات ، تتحدد ملامح موضوعنا لهذا اليوم ، وسنتناوله من المنظورين التاليين :

المحور الأول : كيف نحافظ على مكوننا الديموغرافي في عصر الضرائب ؟

المحور الثاني : التنمية الاجتماعية .. صناعة مشتركة ثلاثية .

===============

المحور الاول : مكوننا الديموغرافي في عصر الضرائب .

ينبغي إثارة هذا الموضوع الآن بقوة ، خاصة واننا لا نزال في المرحلة الانتقالية التي تؤسس لبلادنا المرحلة الدائمة ، وهي مرحلة تتخذ فيها سياسات مالية واستراتيجيات اقتصادية لها انعكاسات اجتماعية كبيرة شكلا ومضمونا ، وكلها تمس المكون الديموغرافي لبلادنا .

في عدة مقالات قديمة ، أطلقنا على مكوننا الديموغرافي بالقوة النووية ، فقد رأينا نتائجها في دعم وإنجاح مسيرة نهضتنا المباركة ، وتخطيها كل العقبات التي كانت تعترض طريقها ، وكم وقفت هذه الديموغرافية في وجه الخارج كلما تمس بلادنا في رموزها أو كيانها المعنوي.

مما يظل الحفاظ على هذا المكون مسؤولية جماعية ، وفرض عين على كل من يملك اتخاذ الفعل أو الإسهام فيه ، لكي نحصن هذا المكون الاساسي للدولة من اية اختراقات في منظومة ولائه وانتمائه ، وهذا لن يتأتى لنا إلا عن طريق تأمين احتياجاته الأساسية في الحياة المعاصرة .

تساؤلات المحور  :

س: هل لدى الحكومة رؤية شاملة للتأثيرات السلبية للسياسات المالية والاقتصادية الجديدة على المجتمع ؟

س: وما هي وسائلها أو سياساتها المالية التي ستعالج بها التأثيرات أم أنها ستترك المجتمع مفتوحا دون حماية حكومية ؟

س: هل ستقف مع أو ضد الكيانات المعنوية غير الربحية التي ينبغي أن تظهر ،،وجوديا ،، الآن لمواجهة تداعيات المرحلة المقبلة ؟

من خلال استفراد الحكومة طوال العقود الماضية بصناعة السياسات المالية والاقتصادية لوحدها وحصريا ، تمكنت من صناعة مجتمع ذات شروط داخلية يغلب عليها الوطنية الخالصة ، وحيدت بالتالي اية تقاطعات خارجية مع الشأن الداخلي ، يساعدها في ذلك امتلاكها للسيولة المالية اللازمة لهذه الصناعة الوطنية ، بحيث تمكنت من إيصال قوافل التنمية الأساسية لكل التجمعات البشرية ، حتى تلك التجمعات القليلة العدد التي تقطن في اعالي الجبال أو قلب صحراء الربع الخالي .

وقد كان لها ، المواطن الذي تمسك بأرضه ، وبخيارات وطنه ، ولم يتورط أو يتقاطع مع احتقانات وتوترات وصراعات خارج حدوده ، حتى تلك الحالات التي تم اكتشافاتها في أحداث داخلية ، رغم قلتها ، ومحدوديتها ، كانت ظاهرة سطحية ، ولم يكن لها ذلك العمق المجتمعي الداعم والمساند لها .

بدليل ، قدرة السلطة السياسية في إعادة دمجها وانصهارها من جديد داخل المجتمع ببناها الفوقية والتحتية ، وكأن شيئا لم يكن ، مما تحولت الديموغرافية العمانية إلى قوة من قوى الدولة غير التقليدية ، أطلقنا عليها مصطلح القوة النووية .

من هنا يحق لنا التساؤل عن الحفاظ على هذه القوة في ظل السياسات المالية والاقتصادية خاصة تلك التي تجسدها الضرائب والرسوم المقبلة ؟ مما قد تطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل بعض ثوابت الدولة الاستراتيجية ؟ وحول الفاعلين الأساسيين في مشهدنا السياسي سواء من حيث الواقع الاجتماعي للسلطة السياسية أو من حيث علاقة الدولة – الحكومة –  بالمجتمع ؟

فالسياسات المالية والاقتصادية تؤدي كلها الى تآكل المجتمع – كما ذكرنا ذلك في المقال السابق – فما الحل ؟ هل نترك قوتنا النووية التي راهنا عليها ، وكانت دائما في مستويات الرهانات السياسية؟  من هنا نخشى من إضعاف قوة المجتمع تحت وطأة الضرائب والرسوم ورفع الدعم ،ووقف الترقيات ، والتوظيف ، وعدم مواءمة المرتبات مع الاستحقاقات الشهرية الأساسية ، وانضمام أكثر من باحث عن عمل في كل أسرة.

التساؤل الاستراتيجي :

س: هل نترك المجتمع مفتوحا ،وتحت ضغوطات الحاجة المالية خاصة في ضوء الموقع الجيوسياسي – والجيواستراتيجي لبلادنا ، وملاصقة جغرافيتنا بنظيرات ، لها ايديولوجيات تصديرية أو مطامع اقليمية ؟

هذا التساؤل ، يحتمه التذكير بالفئة العمرية الشابة التي تتميز بها الديموغرافية العمانية الآن ، فمن سن (15-29) يشكلون (30%) من إجمالي السكان العمانيين ، هذا بخلاف عددهم ما قبل (15) سنة .

 إذً ، هل تأخذ السياسة المالية للحكومة هذا البعد الديموغرافي بخاصيته الفئوية أم ترمي به عرض الحائط ؟ تساؤل يتكرر دائما معنا في كل تحليل موضوعي عن السياسات المالية والاقتصادية التي تتخذها الحكومة منذ منتصف عام 2014.

المحور الثاني : التنمية الاجتماعية .. صناعة مشتركة .

من مسلمات مرحلة التحولات والمتغيرات الراهنة ، والتي لم تصل إلى كل النخب السياسية أو الى القاعدة العريضة من المواطنين ، أن الدولة – الحكومة – لن تكون قادرة لوحدها على تلبية احتياجات التنمية الاجتماعية خاصة والتنموية عامة ، كما كانت فاعلة فيها ومحتكرة لها إبان مرحلة الاقتصاد الريعي.

ومن المسلمات كذلك ، أن المجتمع بكل بفئاته وفاعليه – الخاصين والعامين – تقع عليه مسؤولية الشراكة الحقيقية والفاعلة خلال المرحلة المقبلة ، بل اننا نراها شراكة قيادية ، وهذا انتقال طبيعي في الأدوار بحكم صيرورة التحولات ، فخلال فترة زمنية ليست طويلة ، لن ينتظر المجتمع من الحكومة توفير فرص العمل ، وانما سيبحث عنها في الداخل والخارج ، كما لن ينتظر تمويلها لمشاريعه وفئاته الاجتماعية ، وإنما سيمد يده لكل من يعرض له التمويل (…) كما فعلت مؤخرا إحدى مؤسسات المجتمع المدني التي كانت تتلقى دعما سنويا من الحكومة ، كما أنه لن يقبل أن تظل عملية انتاج السياسات المالية والاقتصادية حصريا بيد الحكومة ، وانما سيشاركها في صناعتها ، حتى يمكن قبولها ، ثم تطبيقها .

أي إن بلادنا ستودع ذلك الوضع الذي يعتمد على الحكومة في كل شيء ، ترخيصا وممارسة وتمويلا ، سيحدث العكس بصورة تدريجية ، لا يمكن التنبؤ بسرعتها ولا بإيقاعاتها ، لكن من المؤكد أنه سيخلق علاقة جديدة بين الحكومة والمجتمع وبالذات دينامياته الجديدة الحية ( القوى ) التي ستخرج  من رحم الفراغ الذي سيحصل نتيجة رفع الدولة يدها عن حماية وتمويل التنمية الاجتماعية .

وهنا منطقة وعي عميقة ، تفترض فرضا وجوبيا حتى يمكننا ادارة مرحلة مقبلة ، نعلم من الآن تحدياتها ومشاكلها، فالفراغات إن لم يشغلها عباد الرحمن ستجد عبدة الشيطان ، لها بالمرصاد لا خيار ثالث ، وتجارب بعض الدول العربية بما فيها الخليجية  – أنموذجا – فمن خلال دراساتنا العليا ، وتخصصنا في الدكتوراه في مجال حقوق الإنسان، تعرفنا ، كيف تمكن الخارج بمختلف أجندته من اختراق  البنيات الاجتماعية والثقافية وحتى الاقتصاد .. إلخ عن طريق دعمها بالمال ، بغية الضغط على أنظمتها للتأثير على قراراتها وخياراتها الوطنية .

يقتضي التذكير بمثل هذه التجارب الآن ، لدواعي إدارة المرحلة الانتقالية الراهنة التي تمر بها بلادنا ، من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الجبائي ، فهذه المرحلة الانتقالية تعد من أخطر مراحلنا الوطنية اطلاقا ، لذلك ، من واجبنا إشباعها نقاشا وتحليلا ، إسهامًا في توجيه الاهتمامات لما يجب أن يكون ، وما لا يجب أن يكون ، من وعي بالتحول بين الدورين من جهة وضرورة شغل فراغ الحكومة من قبل مؤسسات وفاعلين يكملون ويتكاملون مع دور الدولة ، ويتناغمون مع توجهاتها الوطنية ، حتى لا يظهر فجأة من يستغل الفراغ وحاجة المجتمع للمال والتنمية وفرص العمل لتحقيق أجندة خارجية .

ولنا في مبادرة تأسيس شركة للمسؤولية الاجتماعية (ش م م ) غير ربحية ، نموذجا لإدارة مشاكل وتحديات المرحلة المقبلة قبل ان تقع ، فهذا المشروع يتخصص في حماية الفئات الفقيرة كفئات الضمان الاجتماعي والشرائح ضعيفة الدخل ، في تكامل ودعم فعال لدور الحكومة لهذه الشرائح بعد تأثر دورها بنقص السيولة المالية .

وقد ظهرت لنا أهمية مثل هذه الحماية غير الحكومية في وقف عيدية العيدين من قبل وزارة التنمية الاجتماعية ، وسيتضح لنا أكثر عندما تحتدم تداعيات الضرائب والرسوم ، وتتلاقى مع تداعيات سياسات أخرى ، وتعطي القوانين التجارية الحق في تأسيس مثل هذه الشركات ، بل تشجعها الحكومات من خلال منحها إعفاءات ضريبية ، لأنها شركات غير ربحية ، رغم أنها تسعى للربح ، لكن أرباحها مخصصة كاملة للمسؤولية الاجتماعية اي لا توزع على المساهمين ولا المشاركين فيها على عكس الشركات التجارية .

 من هنا تمنح هذه الشركات ميزة الإعفاءات الضريبية ، رغم أن لها أنشطة تجارية مختلفة مثلها مثل الشركات التجارية الاأرى ، وهذا تقدير من المشرع ، وتشجيعا منه من أجل استدامة التمويل للمشاريع الاجتماعية والتنموية ، من هنا يجب الرهان على الكيانات غير الربحية .

إذًا ، الامكانية متاحة لمن أراد أن يخدم مجتمعه ، فإذا اغلق باب ، فهناك مجموعة ابواب شرعية مفتوحة ، لماذا لم يلجأ اليها الفاعلون في بلادنا حتى الان ؟ وكيف خرجت هذه الفكرة الان من عصف شخصيتين بارزتين فقط ؟ ورغم ذلك ، فإن هذا الخروج ينم عن وعي وطني رفيع من قبل هاتين الشخصيتين بتحديات المرحلة المقبلة من جهة وبدور رجال الاعمال خاصة والفاعلين المجتمعيين عامة في خدمة مجتمعهم في عصر ، ترى الحكومة فيه مضطرة إلى تقليص دعمها وحمايتها للمجتمع .

، فالشكر والتقدير الرفيعين، لمثل هذه المبادرات التي تخرج الآن تناغما مع ظرفيات التحول في دور الدولة ، وكما نقول دائما ، الفراغ اذا لم يشغله عباد الرحمن من داخل الوطن ، فلن يتركه عبدة الشيطان من الخارج وحتى من الداخل ، فلابد من الانفتاح الإيجابي على الكيانات المعنوية غير الربحية فورا .

 

Your Page Title