التاجر العماني الذي خُلِّد اسمه في تاريخ الصين العظيم

التاجر العماني الذي خُلِّد اسمه في تاريخ الصين العظيم
التاجر العماني الذي خُلِّد اسمه في تاريخ الصين العظيم التاجر العماني الذي خُلِّد اسمه في تاريخ الصين العظيم

أثير-تاريخ عمان

أثير-تاريخ عمان

إعداد: نصر البوسعيدي

إعداد: نصر البوسعيدي

لا شكّ أنّ أهل عمان، بتجارتهم عبر التاريخ، كانوا همزة الوصل الحقيقية بين الشرق، والغرب في القارة الآسيوية، وتحديدا بين العرب، ودول شرق آسيا، فقد كانوا بمهارتهم البحرية المعروفة، يجوبون البحار والمحيطات ناقلين معهم أخلاقهم ومختلف البضائع التي كانت رائجة وبشكل كبير بين مختلف الحضارات والدول، ولا شكّ بأن الصلات التاريخية بين عمان والكثير من هذه الحضارات كانت وثيقة منذ القدم، والكثير منها لم يدوّن، ولكن حينما نستدلّ بالآثار التي وجدت في أكثر من موقع في عمان مثلا، وتعود تاريخها إلى عصور ما قبل الميلاد، وما تحتويها من أوان، وعملات، وبضائع لا تجلب إلا من الحضارات المجاورة ومنها الصين سنعي تماما مدى عمق التواصل التجاري بين أهل عمان، وشعوب تلك الحضارات عبر التاريخ.

ولا شك بأن تجارة اللبان العماني الذي كان يتمّ تصديره، وشحنه من موانئ ظفار إلى المعابد الفرعونية، وحضارة بلاد الرافدين لأكبر شاهد على الأهمية التي كانت تمثّلها عمان لتلك الحضارات.

ولأنّ الصين كانت كذلك من بين الحضارات القديمة جدا في القارة الآسيوية، فلا شك بأن هذا الازدهار الحضاري صاحبه نشاط تجاري كبير أسهم في تنمية حركة التجارة بين أهل عمان والصين حتى أن القزويني حينما وصف ميناء من موانئ الهند قال:

“إنها بلدة بأرض الهند في منتصف الطريق بين عمان، والصين”.

وحينما نلاحظ ذكر تلك المساحات الشاسعة في المحيط الهندي ليختصرها الجغرافيون العرب وهم يكتبون وصفا بأنها مثلا بين الصين وعمان، فهذا إن دلّ فيدلّ على كثرة رحلات أهل عمان إلى الصين ودول آسيا كمركز حضاري تجاري مهم يربط بين الشقّ الآسيوي، والشقّ العربي، والأفريقي.

لقد دوّنت المصادر التاريخية الصينية بدون تفاصيل كثيرة عن رجل من عمان قدم إلى الصين في عام 920 م، وهي إشارة مهمة لوجود الجالية العمانية في الصين، واستمرار العلاقة التجارية بين البلدين رغم الاضطرابات السياسية التي كانت تعاني منها بلاد السور العظيم منذ عام 906 إلى 960 م، أي قبل أن تتوحد البلاد تحت حكم أسرة سونغ الملكية لثلاثة قرون بداية من عام 960م.

والجدير بالذكر أنّ تجّار عمان في فترة الاضطرابات الصينية هاجروا من الصين ليستقروا بنشاطهم التجاري في سنغافورة وسومطرة لتزدهر التجارة فيها نتيجة البضائع التي كان يجلبها أهل عمان، فقد كانوا يتاجرون بالبضائع بين مختلف دول آسيا كالذهب، والفضة، والحرير، والمنسوجات الصينية من جانب، والبخور، والصندل، والعاج، والعنبر، والمرجان، واللؤلؤ والآلات الموسيقية، والأبنوس والقطن وأخشاب البناء والتوابل من جانب آخر.

لذلك ولنشاط التجارة بشكل كبير بين تلك الجزر الآسيوية، والصين عن طريق التجار الأجانب ومنهم العمانيون، حاول امبراطور الصين بعد استقرار البلاد تحت حكمه في القرن العاشر الميلادي استمالة هؤلاء التجار للقدوم مرة أخرى إلى الصين، وتقديم التسهيلات لهم للاستفادة من خدماتهم الجليلة، وخاصة تجار عمان من كان لهم الفضل الكبير في ربط الشق العربي، والفارسي، والأفريقي من القارة بالشق الآسيوي، ونتيجة لاستقرار البلاد والتسهيلات من الإمبراطور عاد التجار العمانيون إلى الأراضي الصينية بالإضافة إلى الوفود الأخرى التي استقبلتها العائلة الحاكمة من أسرة سونغ الملكية بكل ترحاب.

وتذكر المصادر الصينية أن الوفود العربية التي كانت تمثّل نفسها كالسفارات في الصين وصل عددها إلى 39 وفدا منذ عام 924 إلى عام 1208م.

لقد كانت الخطوط البحرية بين الصين، وعمان عبر المحيط الهندي تتخذ نشاطا ملحوظا في تلك الفترة لا سيما، وأن العمانيين كانوا يحتكرون أغلب السلع التي ينقلونها للشق الآسيوي من القارة، والصين تحديدا كسلع اللبان، والبخور، والتوابل، والصمغ الأصفر، وغيرها، حتى أن الصينيين أنفسهم استطاعوا زيارة منطقة الخليج، ومعرفة مسالك الطرق نتيجة الخطوط التجارية التي سهلها أهل عمان لهم ، وتذكر بعض المصادر الصينية بعض التفاصيل عن ذلك في مرجع تاريخي مهم بعنوان ” سجلات البلاد الأجنبية ” في عهد أسرة سونغ وتحديدا في عام 1178م، حينما كتب مؤلف الكتاب( Chau Ju Kua):

“إذا ما سافرت برا من ( مهرة ) باتجاه الشمال الشرقي مارا بمدينة (ظفار)، ومدينة (عمان)، ومدينة (البحرين وقطعت أكثر من 130 فرسخا، فإنك تصل إلى (بغداد) وإذا سافرت باتجاه الشمال الغربي من المهرة على طريق (الشحر) (اليمن) وسرت زهاء الثمانين فرسخا، فإنك تصل إلى (مكة)”.

كما تحدث هذا المصدر عن مدينة صحار، وحدودها الجغرافية، فميناء صحار يد من أهم الموانئ العمانية عبر التاريخ، كذلك ذكر في هذا الكتاب المهم لقب بلاد البخور على مرباط وظفار، وأما عن عمان نفسها ذكر المؤرخ الصيني في كتابه كالتالي:

“أهل عمان يعيشون على لحم الضأن، والحليب، والسمك، والخضروات، كما يجري إنتاج اللؤلؤ على طول الساحل”.

في كل الأحوال، هذا المصدر يشير بشكل كبير إلى نشاط حجم التجارة بين الصين، وعمان، والعلاقات الودية التي أسهم فيها التجار بإرسائها.

ومن الشخصيات العمانية البارزة التي وثّقها التاريخ الصيني شخصية التاجر عبدالله العماني الذي كان رجلا ثريا يدير تجارته بنفسه، وأقام في الصين، وكان رئيس الجالية العربية هناك في عهد أسرة سونغ، ومندوبا معتمدا لدى الصين عن مدينة صحار عاصمة عمان قديما، وكأنّ هذا العماني مثلما أعتقد من مدينة صحار، كما أصبح سفيرا للخليفة لدى الإمبراطور الصيني عام 1072م، وعيّنه كذلك الإمبراطور ضابطا للهجرة، ولقد دوّنت بعض المصادر الصينية علاقة التاجر العماني عبدالله بالإمبراطور، حينما أرخ المؤرخ الصيني سو شي (1027 – 1101م ) حينما قال:

“توجّه الشيخ عبدالله شخصيا إلى العاصمة كاي فانغ عاصمة أسرة سونغ الشمالية لتقديم مراسيم الاحترام للإمبراطور وتقديم الهدايا”.

كما كانت له أعمال خيرية كثير في البلاد، وأحبّه الشعب الصيني كثيرا لمساهماته الخيرية في الكثير من المجالات كالبناء، والتعليم، حيث كان ينشئ المدارس لأبناء المدينة الصينية التي كان يعيش فيها، ولذلك أكرمه الإمبراطور الصيني بوسام ولقب الجنرال وبعض المصادر تقول جنرال الأخلاق.

وحينما أراد هذا التاجر العماني العودة إلى عمان أهداه الإمبراطور جوادا أبيض، وسرجا اعترافا بمكانة هذا الرجل في الصين، وتحديدا في مدينة قوانغتشوا.

لا شك بأن أهل عمان حينما يوجدون في أي بقعة من العالم يتركون الأثر الطيب في نفوس تلك البلاد التي يزورونها ليمثلوا أصالة العربي والدين الإسلامي الحنيف خير تمثيل أمام هذه المجتمعات التي لا تعلم عن الإسلام الكثير إلا من خلال هؤلاء التجار كأخلاق أهل عمان من كانت لهم القيادة، والريادة في التجارة البحرية بين الدول في القارتين الآسيوية، والأفريقية خاصة.

وما تذكره المصادر التاريخية شحيحا في بعض الأحيان، ولكن قراءة الواقع التاريخي من خلال عدة مصادر مقرونة بالآثار، تشير إلى الكثير من الوقائع التي تدلل على قوة وحجم العلاقات التجارية بين أهل عمان والحضارات المجاورة منذ آلاف السنين.

******************************

المرجع: العلاقات العمانية بجنوب شرق آسيا والصين واليابان، بقلم مجموعة من الباحثين، تحرير صالح الزهيمي وسلطان الشيباني، موضوع العلاقات العمانية الصينية 618 – 1279م ، بقلم د.جعفر كرار أحمد، مؤسسة ذاكرة عمان، الطبعة الأولى 2016م، سلطنة عمان

المرجع

Your Page Title