محمد الهادي الجزيري
أوّل ما يشدّك لمجموعة خليل قطاطة ” أوراق التاروت ” الصادرة عن دار زينب النشر والتوزيع، الإهداء الصادق والنابع عن الوفاء ..فقد ورد لروح فقيد الساحة الشعرية محمد شكري ميعادي الذي لبّى دعوة المنادي ورحل في مقتبل العمر إثر حادث مريع في طريق توزر، وقد حرّضني هذا الفعل النبيل على تصفّح أوراق المجموعة القصصية…..
نقرأ في الصفحات الأولى لهذه المجموعة ما يشبه الفاتحة وقد تمّ اختيار ” مثل تقديم ” لنصّ لمخلص بن عون يحاول فيه تتبع القاصّ في رحلته وبحثه عن الحكاية:
” بين اللّوحة والركح والواجهات البلورية ومحطة الحافلة وهدير البحر وحبّ الطفولة وحفلات الختان الجماعي وشعارات الثورة المهترئة والأحلام الكبيرة، يبحث خليل عن حكاية تسدّ رمقه وتشبع لهفة القصّ الجامحة لديه منذ سنّي الصّبا “، ويكون بذلك فتح الباب للقارئ ليطلع على خفايا وأسرار وخبايا ” أوراق التاروت “…
ثمّة عدّة أصوات مختلفة في ذات خليل قطاطة ، فهو في بحثه عن صوته الخاص يحدث أن يقع في المسعدي ذاك الكبير الذي علمنا السحر، ففي قصص مثل ” عيون ” و ” تفاصيل” و” السقوط ” نجد تهويمات المسعدي وشطحاته لكن دون التماهي معه في أسلوبه ونبرته الخاصة ، ونجد الشاعر المهووس باللحظة واللقطة الخاطفة في قصص مثل ” أفريقيا “
و” إطار ” ودون أن ننسى الكاتب كان وما يزال شاعرا ، على كلّ التجربة التي خاضها تبقى شيقة بعد فترة فقدنا فيها الأمل في عودته للكتابة وصداعها وآلامها…..
في ” أوراق التاروت ” القصة التي أهدت عنوانها للمجموعة نرى العرافة تقرأ الورق الذي تستعمله في التنجيم وهذا هو الاسم المتفق عليه، ويوغل حدسها وتنجيمها في حالة من السواد والإحباط واليأس فتنتهي إلى أنّ الثورة التي شاهدها الوطن لم يجن منها سوى التعب والإفلاس وتهافت الحشرات واللصوص على هدية عزيزة اسمها الحرية ، أصيخوا السمع إليها وهي تقول:
” قال ورق التاروت :
أرملة العنكبوت وحدها تلبس الأسود قبل الترمل…
الغربان سوداء في كلّ مكان..
امرأة فوق علامة العدل في التاروت خرابا في السلطة…
………………
العابرون الآن بوابة الحرية جيئة وذهابا بلا تأشيرة…
دوّنوا أسماءهم في السجل الذهبي للحرية ..”
” مثل شهادة ” نصّ خطّه الكاتب الليبي محمد الأصفر عن تجربة خليل قطاطة وورد بمثابة خاتمة للمجموعة القصصية، وجاء فيه :
” رغم أنّ معظم القصاصين يقولون في مجموعتهم الأولى كلّ ما جعبتهم من رؤى ، فإنّ قطاطة هنا لم يقل لنا أي شيء، وتركنا ننتظر أمام نصوصه لنسمع منه، فهو يطرح أسئلة دون إجابات أو إجابات دون أسئلة، هو يمتحننا ربّما، أو يعتقد أنّ القارئ هو نصف النصّ والكاتب هو النصف النصّ الآخر، مع كلّ نصّ تشعر بمتعة، متعة تدخلك متاهة ..وهذا أمر جيّد…”.