ناصر الحارثي
تواجه الكثير من الأسر في المجتمعات المدنية في مشارق الأرض ومغاربها صعوبات كبيرة في الموازنة بين المتطلبات الأسرية والواجبات المهنية، مما يجعل بعض الأسر تعيش في ضغوطات أسرية كبيرة أو أنها ترفض فكرة الإنجاب، ولكن في اليابان فكرة وجود أطفال في الأسرة ليس بذلك العبء الكبير خاصة وأن الطفل الياباني يستطيع القيام بالعديد من الالتزامات والواجبات الأسرية.

يبدأ تعليم الأطفال قيم النظام والنظافة منذ نعومة الأظافر فيجد نفسه مسؤولا عن كل الأشياء التي يقوم بها فهو يعلم إن اتسخ المنزل أو عبث بالألعاب سيكون مسؤولا عن تنظيفها، لذا يكتسب الطفل الياباني روح الجندية منذ الصغر، ولكن الأمر لا يقف عند هذه النقطة بل يتجاوزها إلى الشعور بأهمية الالتزام والمحافظة على المرافق العامة كالحدائق المنتشرة بكثرة في مدن اليابان وأريافها، أضف إلى المدارس والتي عادة ما تستغني عن عامل النظافة لأن الطالب الياباني من أهم مسؤولياته في المدرسة هو تنظيم وتنظيف الفصل الدراسي وساحات المدرسة، لذلك ليس على المعلم سوى وضع الاشتراطات والأنظمة في بداية السنة، وبعدها تسير أمور النظافة بطريقة منظمة طوال العام الدراسي في نسق عجيب ومثير للاهتمام، الجدير بالذكر أن شعور الطفل بأهمية المحافظة على نظافة المكان الذي يستخدمه موجود في معظم دول شرق آسيا، لذلك تغير الهيئة التدريسية لا يؤثر كثيرا على سير نظام المدرسة لأن المدرسة تسير وفق نظام بديع من النظافة.
إن تعايش الطفل الياباني في بيئة تتميز بنظام أسري ومدرسي ومؤسسي رفيع المستوى يجعله طفل شديد الحرص على النظام والنظافة بالإضافة إلى مسؤوليته في العمل الجماعي والذي يتمثل في أداء الواجبات الأسرية ويقوم بما يقوم به الشخص البالغ، فالطفل منذ السن العاشرة أو حتى أصغر يستطيع الذهاب إلى المدرسة وحيدا ويستخدم أنظمة القطارات العامة، بل وحتى الذهاب للسوق وحيدا وشراء الأغراض التي تحتاجها أسرته وهذا ما يندر أن تجده الدول الغربية، وهذا نوع من التمازج بين العمل الجماعي والنظام فاليابان تعد دولة ذات مجتمع جمعي صارم.

يواجه اليابانيون الكثير من النقد على نظامهم التربوي والاجتماعي خاصة وأنه يتسم بالقيود الصارمة وضرورة الالتزام بالعمل الجماعي وهو نوع من الفكر الاشتراكي الذي يقلل من حرية الفرد والسوق، وهذه أحد الأسباب التي تجعل من المجتمع الياباني يتجه لأنواع معينة من الصناعات والابتكارات دون غيرها