عبد الرزّاق الربيعي
(السلام عليكم، مو علومكم؟ مو اخباركم؟ اليوم أنا باتحدى اوليفر ومحمد بالتحدث باللهجة العمانية القحية، وبعدين أتكلم بالداخلية ومايرومو لي)
بهذه الكلمات بدأ الألماني إبن هامبورج حديثه باللهجة العمانيّة في مقطع فيديو نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، متحدّيا بذلك المقطع: أوليفر البريطاني، ومحمد التركي، اللذين سبقاه في المباهاة باتقانهما التكلم باللهجات العمانية.
هذه المنافسات الطريفة الجميلة بدأها زميلنا البريطاني أوليفر مدير تحرير صحيفة (أثير) النسخة الإنجليزية، عندما استعرض بمقطع اتقانه للهجة العمانيّة، واستحضرت دهشتي كلّما التقيه، في اجتماعات التحرير، وهو يتكلّم المحكيّة العمانيّة، فأبدو كمن يشاهد مسلسلا مدبلجا، فالصوت كأنّه ركّب على عيون زرق، وشعر أشقر!!
ولم يمرّ أمر المقطع على (أوليفر) بسلام، فبعد انتشاره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، انبرى له (محمّد) التركي الذي زاد على (أوليفر)، وذكر إنه علّم ولده التكلّم باللهجة العمانية، وجاء (ابن هامبورج) الذي تكلّم بلهجة المنطقة الداخليّة، وزاد على زميليه بالتباهي بارتدائه الملبس العماني، وتناوله المأكل، والمشرب المحلي، وستظهر ،بالتأكيد، مقاطع أخرى لأجانب أحبّوا اللهجة العمانيّة، وتعّلموها، عند تعلّمهم اللغة العربية الفصحى، خلال اقامتهم بها، فالطلّاب الأجانب الذين يدرسون العربية في عمان لن يجدوا صعوبة، في اتقان اللهجة العمانيّة كونهم لم يجدوا فروقات كثيرة عن العربيّة الأمّ، فبعض ظواهرها الصوتية موجود لدى القبائل العربية التي أقامت في الجزيرة، كالشنشنة (قلب الكاف شين) مثل :(شبّاش)، بدلا من (شبّاك)، وقلب ضمير المخاطب (الكاف) إلى (الشين)، مثل: (السلام عليش)، والمقصود (السلام عليك)، ولم يقف اختلاف اللهجات العمانيّة حائلا بين العمانيين، بدليل أن سكّان المناطق التي تتكلم بلهجة معيّنة يفهمون لهجات المناطق العمانية الأخرى، بسهولة، وذلك لوجود اختلافات بسيطة، وتكوّن اللهجات بمجموعها إثراء للقاموس اللغوي العماني، وغالبا ما يجد الأجانب ارتياحا لدى من يتكلّم معهم بها من العمانيين، وتباسطا في الحديث، لذا لا نستغرب هذا الاقبال من قبلهم على تعلّمها، ودخول منافسات في إجادتها.
ومن هنا، ينبغي الاهتمام باللهجات العمانية كتراث غير مادي، من أجل الحفاظ عليها، وعمان غنيّة بلهجاتها، وطبعا هذا لا يكون على حساب اللغة العربية الفصحى، بل على العكس يصبّ في خدمتها، فالمؤرخ حمد الجاسر يقول”من أولى الأمور للحفاظ على اللغة العربية العناية بلهجاتها، عناية يراد منها انتقاء الصالح القريب إلى الفصحى، وتعميمه في الاستعمال في جميع الوسائل من صحافة، وإذاعة مسموعة، أو مرئيّة”
وحفاظا على اللّهجات، وتقريبها من اللغة الفصحى دعت د. عائشة الدرمكي التي قدّمت دراسة أكاديمية في (علم اللغة واللهجات) بجامعة السلطان قابوس، إلى جمع اللهجات المتفرّقة، وتدوينها في (أطلس لغوي)” يحدّد الظواهر اللغويّة في الاختلاف اللهجي ،والتنوّع اللغوي” كما قالت، ولم يلتفت أحد لهذا المشروع، الذي يندرج ضمن الحفاظ على التراث اللغوي!، لذا ينبغي إيلاء هذا الجانب أهمّيّة، فاللهجة هويّة، وكذلك توظيف اللهجات في المسرح، والدراما التلفزيونية، والأغاني التي تساهم كثيرا في نشر اللهجات، فمن أغاني المطربين المصريين، والأفلام والمسلسلات عرفنا اللهجة المصريّة، ومن أغاني ناظم الغزالي، وكاظم الساهر، وسعدون جابر، انتشر الكثير من مفردات المحكيّة العراقيّة، ولوسائل الاعلام دور في هذا الجانب الذي نلاحظ وجود قصور، ولولا وسائل التواصل الاجتماعي لما عرفنا أن اللهجات العمانيّة جميلة، وسهلة، إلى هذا الحدّ، ومحبّبة للأجانب أمثال :أوليفر البريطاني، ومحمد التركي، والألماني ابن هامبورج! .