الشيخ حمود السيابي يكتب: “المحزم” بين خطأ السجين وخطايا السجان

الشيخ حمود السيابي يكتب: “المحزم” بين خطأ السجين وخطايا السجان
الشيخ حمود السيابي يكتب: “المحزم” بين خطأ السجين وخطايا السجان الشيخ حمود السيابي يكتب: “المحزم” بين خطأ السجين وخطايا السجان

رصد-أثير

نشر الشيخ حمود بن سالم السيابي مقالا عنونه بـ (“المحزم” بين خطأ السجين وخطايا السجان).

وترصد “أثير” المقال وتنشره بالنص التالي:

في تأهبه “للشومة” الهندية تخيَّر خلفان سحارة والده رفيقة للدرب، وقد أودع فيها مصحفه وسجادته وثيابه.

ولم يشعر خلفان وهو في غمرة شواغل السفر أن “المحزم” القديم لوالده قد علقت إحدى رمياته في قعر السحارة وهو يفرغها من محتوياتها فلم يتنبه لوجودها إلا مع اشتعال شاشات مطار بمبي وتسارع رجال الأمن حول السحارة المسكينة وكأنهم في أحد مشاهد سينما “الأكشن” في “بوليود” يصورون القبض على مهرب للأسلحة.

وفي عربة السجن التي خفرته إلى زنزانته تهادت زرقة بحر الهند أمام عيني خلفان فتذكر أساطيل العمانيين التي جعلت المحيط الهندي بحيرة عربية بينما هو بجوار نفس البحر يبحث عن قشة تقنع الهنود بأن رميته بقايا سباق قديم لضرب الشبح.

واستعاد خلفان في ظلام الزنزانات دوي مدافع اليعاربة في معركة “ديو” التي أصمت آذان شبه القارة الهندية بينما يجد نفسه عاجزا عن إيجاد أذن هندية تستمع له وتقتنع بأن الرمية التي وجدوها كانت صدئة ، وأن البارود داخلها جاوز عمره الإفتراضي بعقود ، ولم يعد يمثل تهديدا لبعوضة.

ورغم كافة إثباتاته فقد كابرت الهند وتنمرت متناسية البحر والموج والتاريخ والأئمة والسلاطين والبسر وطالب الزكواني.

وعلى جانب آخر من الجغرافيا كان نصر المفرجي قد ألهب ولاية بهلا بفروسيته وهو يهوي بفرسه كالنجم ، واقفا على الصهوة بقدم واحدة دون أن يقبض على العنان ، ليعيد للأذهان أسلافه الفرسان الذين ازدان بهم الزمان.

وحين استعد نصر المفرجي “لشومة” الإمارات كان ما زال مأخوذا بالهتافات والزغاريد والصهيل التي تتابع شوطه وفروسيته ، فتحرك بسيارته دون أن يشعر ما إذا كان المسار الذي يقطعه درباً أم مضمار سباق ، وما إذا كان المقود لسيارة أم لعنان فرس.

وعند نقطة الحدود كان محزمه المنسي في السيارة جريمته الكبرى إذْ لم يفرغ سيارته من كل “إكسسوارات” السباق ، فقادها بنشوة الفوز ومعها هذا المحزم الذي يكرر به مأساة رمية خلفان.

وقد حشد ناصرالمفرجي في مرافعته التاريخ والأخوة والجوار والأعراف ، ومع ذلك لم يجد من يناصره ولا من يفرج عنه فمشى مخفورا إلى ليل الزنزانات وكأن الجغرافيا تنتقم من الجغرافيا ، والتاريخ لا يخجل من التاريخ.

ومع التقدير لأنظمة الدول وقوانينها ، ومع الإيمان بعدم جواز التدخل في قضائها الشامخ ، إلا أن المؤسف أن منصات القضاء قد تستعين بقضاة من الدول الأخرى ممن لا يعرفون خصوصيات المكان وتقاليده ، وأن الخناجر والمحازم هي من مكملات اللباس الرسمي شأنها شأن العمائم والعقلان.

ولا يفرقون بين عدة الحرب وعدة الزهو المستخدمة في الحرب ، وبين السيوف المتعطشة للدم والسيوف المغمدة بمشغولات الحجارة الكريمة.

ولعل نصر المفرجي الذي ولد على الصهوات وتحنك بالصهيل، وذاق في طفولته لسعات نفس السياط الذي تقلب بين ظهر حصان أبيه وأضلاعه ، قد تعز عليه نفسه حين يجدها حبيسة أقفال الزنزانات بعيدة عن خيله التى اعتاد أن يوردها كل صباح ليشربا معا عصارة جبل الكور ، لمجرد أنه أغفل محزما بسيارته بينما أبناء المنطقة لا يتخلون عن التمنطق بالمحازم ليل نهار.

إلا أن على نصر المفرجي أن يتعامل مع التهمة كوسام يزينه لا كوشم يشينه ، فحمْل محزمٍ تمنطق به أسلافه يمثل أكبر مفخرة وإن جرَّمها القانون.

وأن يدرك أن بعض التُّهَمِ تقصر العمر وإن طال ، وبعضها تطيله وتطيل رقبته وتطيل قامة المكان.

وأن بعض التُّهَمِ تلحق العار بالمسجون ، وبعضها يلصق العار بالسجان.

وبعضها تسيء للمنظومة القضائية وبعضها تنقش اسم المتهم على جبين الدهر وتغزله على جدار القمر.

ولعل من المبكيات المضحكات أن يتسابقوا على شراء أسرع النوق والخيول من بلادنا لتركض في مضامير طموحاتهم ويفرغون باديتنا من النوق التي تربت على غافها وسدرها وشيحها وقيصومها فيمنحونها وشما غير وشمها واسما غير اسمها وتاريخا غير تاريخها ، وليتهم يعرفون أنه لولا نصر المفرجي وأسلافه لما ركضت النوق ولا تألقت الخيل السبوق.

وأذا كان نصر المفرجي قد ارتكب خطأ قاده للسجن لنسيانه المحزم ، فقد ارتكبوا خطيئة بسجنهم للمتنطق بالمحزم.

وتكبر الخطيئة حين تكون من مشارك ب “الحزم” ويخيفه المحزم.

*******************

*صورة الخبر من الإنترنت

Your Page Title