أثير- سيف المعولي
“هل تريد أن تصبح مليونيرًا؟”، سؤال ما إن تكتبه في موقع “جوجل” حتى تنهال عليك الإجابات “من كل فج عميق”، وكأنها “عصا سحرية” تضرب بها فتتحوّل من “فقير” إلى “هامور”.
لكنّ، هناك من آمن بأنه سيصبح “مليونيرًا” من ” 100 ريال فقط” دون الحاجة إلى “نبش” الأسئلة والإجابات، وإنما الاعتقاد بشيئين اثنين هما “الإرادة” و”الثقة بالله”.
هذا المؤمن بإرادته، قصته “مُلهمة” بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وحكايته “مسلسل” من الصعود والهبوط على مستوى “المال”، لكنه كان”ثابتًا” في المبادئ والرؤى واستشراف المستقبل، والأهم أنه كان موقنًا بأن “في كل مصيبة هناك فرصة” كما قال الصينيون.
بدأت حكايته مع التجارة بـ “100 ريال”، وحتى وقت الحوار معه كانت أرقام مشاريعه تفوق الـ 40 مليون ريال عُماني، وعندما سألته عن المدى الذي وصلت إليه الـ 100 ريال ضحك وقال : “الحمد لله”، في إشارة إلى أن “ما خُفِي من المبلغ” أعظم من “المُعلن”، فاللهم لا حسد.
أكدّ بأنه “مُقِل في الظهور الإعلامي”، لكن ما إن عرف بأن القصد من النشر هو “تحفيز” الشباب، حتى كشف عن مراحل كثيرة مصحوبة بالدروس المستفادة منها، بل إنه أحضر أحد أولاده وأشخاصًا من أقربائه، ليستمعوا لحديثه لـ “أثير” بشكل مُباشر، وكأنه يريد أن يقول لهم: “ليس من رأى كمن سمع!!”.
إنه الدكتور خالد بن سالم المطاعني رئيس مجلس إدارة مجموعة “بي بي اتش” الذي تضاعف وقت الحوار معه عن قصته من نصف ساعة إلى ساعة ونصف، نقدّمها للقارئ في “مشاهد مختصرة”، رغم أن تفاصيلها “تحوي مجلدات”.

(1)
البدايات البسيطة
بدأت قصة المطاعني منذ قدومه من ولاية جعلان بني بو حسن التي سمّاها بـ “الريف” إلى العاصمة مسقط للعمل بوظيفة معلم، حيث رأى بأن راتبه الذي لا يصل إلى 500 ريال عُماني لا يكفي للالتزامات فقرر “المغامرة”.
استأجر محلا بقيمة 60 ريالًا، وأثثه بحوالي 40 ريالًا، ولأنه لم يكن يملك شيئًا حينها لم يستطع شراء “مكيّف”، لكن عزاءه أنه كان في فصل الشتاء، فقرر البدء في التسويق للأراضي والعقارات عبر المكتب من السادسة صباحًا حتى الظهر ثم يذهب إلى العمل في المدرسة إلى المساء، ليتجاوز عدد ساعات عمله يوميًا 20 ساعة تقريبًا.
طعنتان في الظهر
لم يكن الطريق مفروشًا بالورد للمطاعني منذ البداية بل إنه تلقى “طعنتين في الظهر” من شريكين في موقفين مختلفين، الأمر الذي جعله يقرر: ” لن أدخل شريكًا مع أحد”، وهو مبدأ التزم به حتى الآن. في المقابل هناك من كانت كلماته “علاجًا” جعل تعافيه من الطعنات سريعًا. يقول الدكتور: بعد الطعنة الثانية كنت حزينًا، فاتصلت بوالدي وأخبرته، فسألني: هل أنت قادر على القيام بهذه الأعمال بشكل منفرد؟ فأجبته بنعم. فقال: اذهب و” إذا احتجت أي شيء خبّرني”.
الانطلاقة إلى عالم الثراء
كانت كلمات والده بمثابة “السند” الذي تمسّك به نحو التقدّم، فـ “إذا احتجت أي شيء خبّرني” هي الوقود الذي يسري داخله نحو “اقتناص الفرص” و”تحيّن الوقت المناسب” مع “جرأة في الخطوات”؛ فبدأ بأرض، بنى فيها فلتين، وبعد بيعها اشترى أرضًا أخرى، وبنى فيها شققًا، ثم أخرى، فثلاث فأربع.. و”هلم جرّى” حتى وصلت الأرقام التي يتعامل معها بالملايين.
الانتكاسة: درسٌ آخر
لكلِ بداية نهاية، لكن الدكتور خالد أكدّ بأن النهاية لا تعني الموت، فهي قد تكون بداية لمرحلة جديدة. فبعد أن أصبح مليونيرًا من 100 ريال، جاءت شركة “سما تل” التي أسسها فـ”التهمت” كل ما بناه خلال 13 عامًا، حتى وصل به الحال إلى بيع سياراته ورهن منزله. والسبب في ذلك ليس الخسارة فقط، وإنما “الوفاء”. يقول: كنت أدفع رواتب للموظفين تتجاوز 100 ألف ريال شهريًا، ورغم توقف الشركة إلا أنني كنت أبيع ما أملكه من بنايات وسيارات من أجل تسديد رواتب الموظفين الذين كانوا لا يقومون بأي عمل؛ لكنني كنت لا أريد قطع أرزاقهم، وبعد ثلاث سنوات استنفذت كل الحلول وقررت بيع الشركة بـ “ثمن بخس” والبدء من جديد”.
الاتجاه نحو التعليم
لك أن تتخيل أيها القارئ الكريم بأن “الملايين” التي جمعتها خلال أكثر من 10 سنوات تذهب “هباءً منثورًا”، فهل تملك القدرة على الرجوع إلى خطوة الصفر والانطلاق من جديد؟ الدكتور خالد يُجيب عنك ويقول ” مستعد، فحتى لو أرجع إلى الصفر 10 مرات سأحاول من جديد”. وبالفعل، فهو بدأ خطوته الجديدة بالجمع بين التعليم والعمل العقاري، فسافر إلى بريطانيا، وأكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد، وعاد ليستفيد من الدروس السابقة والتعليم في كسب “الملايين” من جديد، بل بأكثر منها: فما خسره كان حوالي 18 مليون ريال، أما الآن فالأرقام تتعدى الـ 40 مليونًا، وهو يؤكد بأن ” المسير مستمر وهذه البدايات”.
فما هو السر؟
سألنا الدكتور عن السر في هذه الروح التي يملكها فأجاب: الثقة بالله قبل كل شيء، ورضا الوالدين، ومعهما الإرادة والإيمان بأنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله لك، والسعي دومًا، والجرأة والإقدام”.

(2)
قليلٌ باقٍ خير من كثير منقطع
يملك الدكتور خالد روحًا إنسانية تمثلت في المبادرات التي أطلقها مع مشاريعه العقارية، فالأسعار المخفضة “كسر بها السوق”، وعندما سألته عن هذه المبادرات أجاب: “قليل باقٍ خير من كثير منقطع، فالمهم أن نقدّم مشاريع إسكانية متكاملة تحقق لنا العائد المعقول، ويستطيع أي أحد السكن فيها نظرًا لأسعارها المناسبة”.
مبادرة لطلبة الجامعات
كشف المطاعني عن مبادرة تعمل عليها الشركة حاليا عبر مشروع سكني سيكون قريبًا من جامعة السلطان قابوس، وتتمثل في شيئين: الأسعار المخفضة للشقق التي تبدأ من 17 ألف ريال، وكذلك تخصيص شقق ضمن المشروع يسكنها طلبة من ذوي الدخل المحدود أو الضمان الاجتماعي بالمجان بعد الاتفاق على المعايير مع إدارة الجامعة.
الشخصيات العمانية حاضرة
مجمع “المهلب” في الأنصب ومشروع “الخليل بن أحمد الفراهيدي” في الخوض، وأبراج “بي بي اتش”- التي تعني جعلان بني بو حسن”- في غلا، كلها مشاريع لشركة المطاعني تأتي بأسماء لشخصيات وأماكن عمانية معروفة، يقول الدكتور: نحاول أن نعطي الصبغة العمانية على مشاريعنا لتكون درسًا للأجيال، فمن يمر مثلا أمام مجمع المهلب سيسأل عن الاسم وسيعرف بأنه شخصية عمانية قيادية ضاربة في عمق التاريخ، وبذلك حققنا البعد المعرفي من هذه المشاريع.
أراد..فكان
قصة المطاعني التي سردها لـ “أثير” لم تنتهِ، فالسطور الماضية هي “غيض من فيض” لطموح شخص “أراد أن يكون فكان” بعد توفيق من الله. فماذا عنك أيها القارئ الكريم؟
كلام الصور:
1- أحد مشاريع المطاعني الجديدة في مسقط
2- المطاعني خلال حديثه لـ “أثير”