تحقيق حول مشاريع الخريف
الأدباء ..ماذا أعدّوا له
محمد الهادي الجزيري
فكّرت في فصل الخريف وكيف يتعامل معه الأدباء العرب ..هو فصل التجديد والقدوم بكلّ شيء جديد ..فماذا أعدّ لنا الأدباء ..، لقد باحوا لنا بمشاريعهم وإصداراتهم الجديدة..وكشفوا لنا عن بواطنهم وأحلامهم وكلّ ما يشغلهم …، نترككم معهم واعترافاتهم …:
الشاعر المغربي عادل لطفي كان أوّل المستجيبين وكان ردّه :
لست ممن يهتم لفصل الكتابة كثيرا، و لكن يبدو أن لوثة الخريف أصابتني أنا أيضا.
أعكف هذه الأيام باستمتاع على ترويض جموح شعري استثنائي في روحي. و قد أنتج هذا الترويض بعض المقاطع من نص شعري أتمنى أن ينتهي قريبا.
إليك مقطعين منه:
تغيبين، فأموت تحضرين، فأحيا ربما،
بسبب هذا،
تعلمت أن أتعامل مع أيامي كأنني مُوَدّعُها
و أن أعشق صوت الأبواب و هي تُغلق
و أرى في القطارات الذاهبة ابتساماتٍ ذهبيةً
ذهبيٌّ ذهابُك ذهبيٌّ حضورُك
يدايَ طائرانِ أعميَانِ يحلُمانِ أنكِ تحلُمينَ
و يَتيمانِ يشهَقان كلّما حفّتهُما السماءُ الرّؤومُ التي في يدَيْك
أمّا المبدع العراقي عارف الساعدي فأدلى بدلوه وكان هذا جوابه:
لا مشروع لي إلاّ الشعر قطعا هو مصيري وهدفي الرئيس في الحياة والمشروع القادم هو ترجمة لمختارات من شعري إلى اللغة الانكليزية على المترجم والشاعر دكتور هيثم الزبيدي وقد ابلغني قبل يومين انه أنجز الترجمة كاملة لهذه المختارات وهو بصدد إرسالها إلى احد المترجمين الأمريكان لمراجعتها ومن ثم الاتفاق على طباعة هذا العمل
وهذا مقطع من شعري مترجم :
” غرق فرعوني
على ضفة البحر كان يروي لزوجته تعب السنوات
يمدد أحلامه وينام قليلا
تُرى أين يذهب حكم البلاد؟
إذا اختصر الوقت هذا المكانْ
وراح يفكر في قصره
والبيوت التي نبتت في الرحيل
موحشٌ ذلك القصر يا سيدي
لم يكن بيننا ولدٌ يتشبث بالأغنيات
ويخضرُ في الطرقاتْ
فنحن نكرر أحزاننا مللٌ نابتٌ في القصورْ
وهوىً ذابلٌ لا يدورْ
سيدةُ القصر تغسلُ أوهامها
وتحدث فرعونها عن ضياع السنين
وعن حلُمٍ سوف ينبت تحت البذورْ…”
ثالث المتدخلين هو الشاعر المصري المتميّز حسن شهاب الدين الذي كتب:
تحية لك ولأثير القلب
أعمل حاليا على ديوان جديد أرجو أن يكون نقلة في أسلوبي الشعري وتطورا لتجربتي التي تكبر معي من ديوان لآخر وإن كنت في كل ديوان أحاول تسديد حسابي مع نفسي إلا أنني في ديواني هذا أحاول تسديد حسابي مع العالم كما أنني أنتظر صدور عملين الأول ديوان شعر أنهيته منذ عدة أشهر وأرجو أن يحمل كثيرا من نفسي الشاسعة والثاني أول أعمالي في أدب الطفل وهو تجربة رائعة ولا شك إلا إنها مقلقة إذ أنك توجه طاقتك الإبداعية كلها لمخاطبة أحباب الله هؤلاء الملائكة الخضراء كيف ستتلقى عملي وهل سيصل إلى سمائهم البعيدة / القريبة جدا.. هذا ما أرجوه
وحان الآن دور الروائية التونسية شادية قاسمي وكانت في منتهى العفوية والصدق..:
تعرف أني لا اخفي عنك شيئا طبعا
أنا بصدد كتابة رواية جديدة ..تتطلب روية…
هي في البداية و تتحدث عن الرعاة المتنقلين ..بحكم اهتمامي بالمهمشين كالعادة ..أرسل لك مقطعا منها :
” تبا لك يا سلطانة …فقأت كل العيون و جلست كصنم بلا روح …حولك كل هؤلاء الخرس …يريدون أن يغادروا جلودهم فينفجرون حين لا يفهمهم أحد ..أنجبت أبناء لا ينطقون ..لا يسمعون …فلماذا استمريت في الانجاب كأرنب ؟ …تحلمين بطفل ينطق؟ تريدين سماع ماما؟ ترغبين في شخص يكسر هذا الصمت المليء بضجّة الخرس و الخرساوات ؟ …ثمانية أطفال يا سلطانة ؟ …جحظت عيونهم من التركيز على الشفاه و تعبت أصابعهم من الاشارات و هربت أنت للصّمت و اللامبالاة …أعلم أنك لبست ثوب الحزن الأبدي الأسود ..و لم تجدي سوى حلّ صفيق أن تتخلصي من أحمال بطنك اللعين ..بعتني لنانا بيّة …أضحك الآن من عبث القدر بك فأنا لم أكن خرساء …طبعا أنت لم تعرفي لأنك فرطت فيّ و أنا قطعة لحم و لم تسألي ..لم تتحرك فيك أمومة أخرستها الأفواه الكثيرة المفتوحة …وبينك و بين نفسك أكيد كنت تحمدين الله أن خلّصك من معوق آخر سيصدّع رأسك بصراخه و همهماته … أنت كما تقول الطبيعة أمّي …و كما تقول التسميات سلطانة ..و أنا أقول لك …أنت جثة قاسية تعيش في هذا القبر الممتدّ… بيننا قدر أخرس ولغة جافة بل خرساء …لهذا أنا أكرهك .. ”
الشاعرة السورية أميمة إبراهيم فكتبت عنها وعن مشاريعها وأهدتني نصّا عن الخريف سيكون ضمن مجموعة شعرية ستصدر قريبا :
للخريف سحره وشجنه ومواويل أوراقه شقيقة الذهب وطيوره التي تملأ سماءنا بتشكيلاتها فتعيدني طفلة في شوارع حمص تترقب مواكب الطيور ورقص الغيوم,… بالنسبة لي قد يكون الخريف هو الوقت الذي أشعر فيه بمقدرتي على القراءة أكثر.. فيه وقت للشرود ووقت لقراءة قصائد الغيم والبحث في مفردات الطبيعة عن كلمات لا تشبه غيرها… عن تحولات ودهشة وشغف.
مشاعري مضطربة تنوس مابين فرح وحزن وبقايا وجع… أنتظر حفيدة تأتيني قريباً فيغمرني الفرح .. وأرى أمي المريضة فيغلبني الحزن .
كنت قد بدأت كتابة رواية بعنوان وقت للحرب وقت للحب لكني انكفأت فلم أشعر بإغواءٍ تجاهها… لكني أفكر في كتابة قصيدة لا تشبه كل ما كتبت .. وأسعى كي أقبض على الفكرة بكل ما أوتيت من عزم.
أريد أن أكتب للأطفال ما عجزت عن كتابته في سنوات الحرب… سأدعو الغيوم والنجوم والشمس والقمر كي يشاركوني حلمي بالكتابة للأطفال بما يليق بطفولتهم التي استباحتها سنوات الحرب والألم.
جديدي مجموعة شعرية بعنوان سرير الغيم ستصدر عن الهيئة السورية للكتاب .
أقتطف منها ما يخص الخريف.
إسوارةُ العروسِ
في الخريفِ
عن ذواتِنا نبحثُ
هل أضعْنا البوصلةَ
أمْ ما زالَ في استطاعتِنا
عبورُ هذه الصّحارى.
*
في الخريفِ
ثمّةَ ضوءٌ
وأوراقٌ ذهبٍ
ومهرجانٌ للّونِ
يبحثُ عن صائغٍ
يشتغلُ إسوارةَ العروسِ
بأناملِ الفجرِ.
*
في الخريف
تستعمرُنا الشُّجونُ
يغسلُ القمرٌ سوادَ ليلِنا
بصابونِ الوردِ
ونحاربُ طواحينَ الوجعِ
كي يفيضَ الشَّجنُ
شوقاً
في دنان ِالعُمرِ.
أمّا إيمان زايد من أرضنا المغتصبة المسلوبة فقد باحت لنا بالآتي:
”
يقع على عاتق خريف هذا العام أن أنتهي من المجموعة القصصية الأولى” يعدو بساق” من حيث التدقيق والمراجعة لتقديمها للنشر، وأعمل لإتمام الديوان الشعري الأول في الشعر الموزون والذي اخطط للانتهاء من شكله النهائي نهاية الشهر المقبل بالتزامن مع مشاركتي في مهرجان توزر الدولي للشعر في تونس إن شاء الله هذا كل ما لديّ وأتمنّى أن يتم على خير…”
الشاعر عبد الله بيلا ..فحدّثنا عن مشروع مجموعته الشعرية القادمة:
” أشرع هذه الأيام في جمع بعض نصوصي الشعرية، لمراجعتها وترتيبها وإلحاقها بمجموعةٍ شعريةٍ ثالثة أرجو أن تجد طريقها على النور قريباً، وستحتوي المجموعة ما يناهز العشرين نصاً، كُتبت في مرحلة زمنية تقريبية بين العام 2007 – 2015م، وقد عنونتها ابتداءً بـ ” سفرٌ إلى الجسد الآخر”، وهذا أحد النصوص الملحقة بالمجموعة: قلنا:
لنجمّل وجه الموتِ القاتمِ “قتلانا شهداءٌ في روضاتِ الجنةِ قتلاهم في النارْ”
قالوا: ليصيرَ دمُ التاريخ وساماً آخرَ “قتلانا شهداءٌ في روضاتِ الجنةِ قتلاهم في النارْ” قتلانا / قتلاهم قتلاهم / قتلانا وحدهمُ القتلى يقتحمون المعنى وحدهمُ القتلى يكتشفون الغيبَ الحاضرَ بين النارِ / الجنةِ وحدهم القتلى من كفروا بالألقابِ الناجزةِ / الأوسمةِ / التأبيناتِ دموع اللحظةِ والدعواتْ
أمّا الشاعر الأديب عبد الرزاق بوكبة فوافانا بالتّالي في حديثه عن الكتابة والفصول:
منذ 2012 اكتسبت عادة أن أكتب عملا سرديا جديدا خلال الصيف. في شهر رمضان تحديدا، وهذا ما فعلته الصائفة الفائتة. حيث شرعت في كتابة رواية سيرذاتية تداخلت فيها سيرتي الذاتية وسيرة جيلي خلال مرحلة العنف والإرهاب في الجزائر والسنوات التي أعقبتها. كان عنوان الرواية «خلوة الاموجي»، لكنني لم أكملها بسبب اكراهات كثيرة منها انكبابي على عملي بصفتي مديرا للنشر في دار «الجزائر تقرأ». ما بقي من الخريف أراه مناسبا لإتمام الرواية، لأنه فصل يلهمني على أكثر من زاوية. فأنا لا أراه فصلا مستقلا بذاته وصفاته مثل الشتاء والصيف والربيع، بل هو مزيج بين هذه الفصول الثلاثة. وهو مقام إبداعي بامتياز.
ومن الأردن وافانا خطاب شفيف لعبد الكريم أبو الشيح..
مبتدأ الكلام أنّي لا أعدّ نفسي من الطقوسيين في الكتابة ،فليس هناك زمن للكتابة ولا هيئةٌ اتخذها لأقبِلَ عليها أو أهيئَ نفسي لها ،أعني الكتابة ، ولكن ربّما أنّ القصيدة تحديدا دون سائر أشكال الكتابة ..أقول ربّما القصيدة تخلق طقسها ..تصنع زمنها ..تؤثّث فضاءَها …وتشكِّل مبدعها حسبما تقتضيه مشيئتها لتكون…
هذا بمناسبة الحديث عن الخريف وأنّ البعض ينتظرونه لإنجاز مشروع …ولكن لفت انتباهي أنني فعلياً أعمل الآن على مشروع شعري أو بصورة أدق أعمل على فكرة تتلبسني منذ فترة لتكون عملا شعرياً ..ولكن ما علاقتها بالخريف الذي أراه دوما حالة من حالات التجدُّد …تَعرَى فيه الأشجار …تعرى فيه الحياة ..ولكن لتكتسي نبضا جديدا ..يا الله ..ربما لذلك اختارت هذه الفكرة أن تولد في الخريف…
فما أعمل عليه الآن هو ديوان جديد بعنوان(نمنمات على خاصرة الريح/كتاب في العشق) وهو فعلياً ما يشغلني على صعيد الكتابة ،إذ هو تجلٍّ ــ أو هكذا أريده ــ لما يشغلني في الواقع المعيش..، فهذه الفوضى ورائحة الدم وبشاعة الجوع التي باتت تتخلل حتى فِراشنا ..كيف لنا أن نواجهها ؟؟ هل يستطيع شاعر أن يجترح الكلمات لتنبت عشقاً يواجه به ذلك الدمار ؟ هل يمكن للكلمة أن تتحول قميصا يدثّر أحلام الصغار ،أو علبة حلوى تزرع فيهم لحظة من فرح؟
أنا أؤمن بالحبّ وبأنّه طاقة خطيرة وفاعلة إن استطعنا تعميمها …وأنْ نجعلها حديث موائدنا وشموع أسمارنا …إذا ما آمنّا به نستطيع هزم الكراهية والعدوان …نستطيع أن نعلي الحياة ..أن نبعث الإنسان فينا …فنحيا.
وهذه القصيدة كانت في باب (تمهيد) للديوان الجديد.أرجو أن توصِل رؤياي…….
كن عاشقاً
سأكتبُ للعشق ،فالعشقُ ماءُ الحياةْ
وأكتبُ للعاشقينَ من المهدِ
حتّى يشبّوا عن الطوقِ
يُلقوا بأحلامهم وردةً في طريق البناتْ
وأكتبُ للعاشقاتْ
يسرّحنَ أحلامهنَّ على شرفة الوقتِ
يَنطرنَ مَنْ سيجيء على صهوة الفجر
في كفّه النايُ والأغنياتْ
سأكتبُ للعشق ..والعاشقينَ..وأكتبُ للعاشقاتْ
وأكتبُ للطيرِ حينَ يغنّي
ويغسلُ وجهَ الصباحِ ببعض الندى والزقزقاتْ
هوَ العشقُ أولُ لثغ الطّفولة حينَ ترفّ حنيناً
إلى أول الهدهداتْ
هو العشقُ
آخرُ بوحِ السنابلِ للحقلِ حينَ تميلُ..
تفيضُ بآخر حبّةِ قلبٍ إلى الأرضِ
تُومي إلى ما تراهُ مِن الشوقِ في الأعين الماطراتْ
هو العشقُ… ما تقرأ العينُ للعينِ فوق رصيفٍ
ويأتيكَ تفسيرُهُ في المنامِ
على هيئة الغمزَة البكرِ أو
قُبلةٍ من شِفاً ظامئاتْ
هو العشقُ أنت …أنا ..
والجرَى من موسيقى
على صفحة الكونِ رقراقةٍ كالندى
فكن عاشقاً
تستمرّ الحياةْ.
أمّا من ليبيا فقد اخترت برعما جميلا وواعدا وهو فاطمة الزهراء مفتاح أعموم وقد ساهمت في هذا التحقيق بهذا البوح العفويّ..:
لدي بعض المشاريع للعام القادم ، ولعلّ أهمها هو طباعة مجموعة شعرية تكون بذلك هي البكر، تحمل العديد من القصائد وأن تكون باللغتين العربية والانجليزية، وأيضا أخذ بعض الدروس في علم العروض لأكون أكثر إتقانا، وتمكننا من أدواتي الشعرية …هذا الخريف سيكون حافلا بالنسبة لي يحمل العديد من التغيرات…
نمر سعدي المبدع الفلسطيني ..يدخل بنا في متاهات الكتابة وما يجني منها ..وحرصنا على نشرها فهي الجرح الأكبر لنا جميعا …لنستمع إليه وهو يغرّد …:
والله يا صديقي سأسر لك بأمر.. عندي مشروع يشبه الحلم وهو نشر أعمال شعرية ونثرية تنتظر النشر منذ سنوات.. منها كتاب مقالات وشهادات إبداعية وكتاب نثري شذري مكون من نصوص وكتاب مقالات عن تجربتي الشعرية كتبها روائيون ونقاد عرب وفلسطينيون.. بالاضافة لديوان شعري انتظر النشر طويلا بعد أن دفعته لدار عربية في تركيا ولكن للأسف لم يكتمل برنامج النشر لدى الدار وتخلت عن مشروعها ولم تنشر ديواني لأسباب أجهلها.. ربما تكون مادية.. ولكن ها أنا أكدح من أجل أن أحافظ على هذا الحلم.. النشر متعب ومرهق بالنسبة لي ونادرا ما تجد نادي أدبي عريق مستعد لتبني عمل أدبي لك.. لذلك أنشر على نفقتي الخاصة في أحيان كثيرة.. وأحاول أن أوزع الكتاب بمفردي ونادرا ما أستفيد ماديا ولو بمقدار جدا صغير من هذا الأمر.. في الحقيقة لا أعرف ما الذي يدفعني للكتابة والنشر من غير دعم أي مؤسسة ثقافية.. أنا مسكون بالحلم أو ربما الوهم الجميل الذي نذرت حياتي من أجله..
لا لشيء ولكن لأحلم.. فأنا حالم منذ الصغر
والقصيدة في هذا الزمن ليست سوى مشروع حلم
صرنا نجد الكثير من المطابع التي تتوزّع على عرض البلادِ وطولها في فلسطين. ومنها من يقوم بطبع عدد قليل جداً من النسخ لا يتجاوز المائة نسخة ليقينه أنه لن يفلح في بيع هذا الكتاب….، أصبح الكاتب يتولّى مهمة تسويق كتابهِ، وإقامة أمسيات التوقيع على حسابه الخاص، وتوزيعه على المؤسسات الثقافية والمكتبات العامّة والقرطاسية، وأحيانًا الجامعية وكلّ ذلك على حساب وقته وجهده ….
وهذا ما جعل شاعرًا كبيرًا يطبع أيضًا كلّما نوى السفر خارج بلده، عدّة نسخ لأحد
دواوينه، لا تتجاوز العشرين نسخةً، ليهديها لأصدقائه الذين يودُّ لقاءهم في البلد المضيف، بعدما نفدت نسخ طبعات ديوانه الكثيرة من السوق، وروى لي كاتب معروف أيضًا أنه يتعامل مع دار نشر خاصّة تطبع له عددًا محدودًا جدًا من كتبه الشعرية والنثرية، لا يتجاوز في أحسن الأحوال مئتي نسخة، بينما يقوم هو باستلامها من المطبعة وتوزيعها على أصدقائه القليلين، ونادرًا ما تحظى بأمسية توقيع أو بندوة بحث أو بـ “أصبوحة” شعرية أو بالتفاتة عابرة في صحيفة أو موقع إلكتروني…..
يذكّرني هذا الشيء بالذي كان يجري في فرنسا في النصف الثاني من القرن العشرين، وفي دول الاتحاد السوفييتي السابق، وبعد انهياره تحديدًا، حينما كان الكاتب أو الشاعر يطبع على نفقته عددًا محدودًا جداً من كتابه، لأسباب كثيرة منها الفاقة وكساد سوق القراءة، وانكسار روح الأمل وسطوة المادة وتوّغلها في الإنسان…..
آخر المتدخّلين هو أحمد المسيّح الزجّال المغربي المعروف ..وقد أهداني مع جوابه قصيدة أعتزّ بها ..وإليكم ما باح به..:
” منشغل بالإعداد لكتابي القادم ” بين وبين ” الذي سيجمع نصوصاً تشتغل على رمزية الموجة والرمل ( موجة ضاوية ) مع منتخبات من ديوان ” سطر واحد يكفي ” الذي صدر بالاشتراك مع الفنان والباحث الأنثروبولوجي عبد الحي الديوري ( والنص الأول فيه مهدى لك وعنوانه ” اسقيني من خَيالك عسيلة ” ) . ومشروع الكتاب تتوزع الذات الكاتبة فيه حائرة و تعلن سعادتها بحيرتها ، في “موجة ضاوية ” دفق منساب يعاق الرمل شطحات الموجة كارتجالات راقصة لاحتضان المقبل على التواري والرمل حاضن ، هل هو قبر الموجة أم تصبح هي نبضه ، ومن الفاني فيهما ؟ حيرة في المحسوس والتحام في التجريد … وتجربة ” سطر واحد يكفي ” اشتغال على رمزية النحلة و تحدي الاكتفاء بسطر واحد مستقل وفي نفس الآن مكون أساسي داخل النص …. جنون لتمجيد الكتابة المسقية بنور العشق … والحيرة ترافق كل كاتب منشغل بالإبداع وليس بالمتلقي….
اسقيني من خيالك عسيلة
إلى صديقي الشاعر التونسي محمد الهادي الجزيري
– اختاري مفتاح باش تحْتـَلـِّيني
– سحابة ؟
– نمْـسَـح سْـمايا …
– ظل في الصحرا ؟
– نختر نذوب ونهْـبا …
– منبع ؟
– نبقى في عطشي و ….
– ضو ؟
– أحسن نعْمَى في ليلي …
– دف ء ؟
– نبقى ملحَّـف بالثلج …
– خشبة ؟
– ف وسط البحر نتُوه أو نغْبر ….
– ويلا كنتْ قصيدتك ؟
– اسقيني من خيالك عسيلة
باش تحْياي و فيك نفْـنَى