يونس بن مرهون البوسعيدي
في اللحظة التي يُغيّب فيها الصواب المسلم، وقبله العربي، وتضيع القدس وأمها فلسطين من أوراق الاهتمام الإعلامي ، وما هي إلا أوراق، فلا تأتي إلا تحشمًا وبحضور يكون لزجا، وفي الزمن الذي لم يَعُد للعربي فيها العتاد الأعلى والقبضة الأقوى في ميزان القوة، وفي الاحتدام الذي يتنافس فيه كل هؤلاء مكشوفين وغير مكشوفين لكسب ولاء أوروبا والولايات المتحدة لكسب ولاء تل أبيب، فإن مسقط تبرز بوجهها غير الممكيج، بالامس استقبلت محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ، ليتفاجأ العالم بعدها باستقبال بنيامين نتنياهو ، ليفيق العالم على يقينٍ أن هناك حراكا دبلوماسيا مهما في مسار القضية الأهم لدى العربي والمسلم ، هذا الحراك لا بد أن يتمخض بأمر جليل، هكذا يقول وجدان العربي والمسلم، لأنه يعرف أن مسقط لا تبوصل مساعيَها في خدمة السلام وفق أجندةِ المصالح، بل كما قال محمود عباس، إنها لأجل السلام فقط، وكذلك لأنّ ذاكرة الإنسان المعاصر يعرف أن مسقط كانت وراء مساعي دبلوماسية وإنسانية عظيمة ليس أولها غرس فكرة الاتفاق النووي الذي أقرّ العالم أجمع أنه جنّب المنطقة حربًا شرسة لا تنتهي، وليس نهاية صيت مسقط السلام مساهماتها في إطلاق الأسرى من مناطق الحروب، كل هذا ومسقط تعمل لوجه الله وتقول لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا.
ظلت علاقة مسقط بالقيادات الفلسطينية محسوبةً وفق القدس والشعب الفلسطيني ، وبالاستحقاقات الشرعية والقانونية لهما، فقد وقفت مسافةً واحدة مع جميع قيادات الفصائل الفلسطينية ، فبالأمس القريب جدًّا ، صرّح إسماعيل هنية أن الحكومة العمانية حاضرة بقوة – في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني في غزة، كما أن صُور زيارة معالي يوسف بن علوي إلى القدس ما تزال حيّة في الذاكرة ، وهي مؤشرات متصاعدة أنّ هذه المسافة مضبوطة بمصداقية العمل لأجل فلسطين أولا وآخرا، وبالثبات على المبادئ والاتفاقيات الدولية التي تضمن للشعب الفلسطيني حقوقه كاملة غير منقوصة، وأن القدس لم تقفز فجأةً إلى الإعلام العُماني لأجل أن يقال حضرتْ ثم السلام ، كمن يُعطي الصدقات رياءً أمام عدسات الكاميرا، بل إن القدس لم تنقطع ولم تخفت من الضمير العُماني السياسي والشعبي ، وهما ضمير واحد مؤتلف على كل حال بفضل قابوس الإنسان، قابوس السلطان.
زيارة نتنياهو بعد زيارة عباس ، وأنْ تُعلن السلطنة عن الزيارتين لا يدع للأراجيف حديثَ إفك، عن علاقات ومصالح تُعقد بالقفازات، بل هي نهاراتٌ تتجلّى للعالم بوجه عُمان ومساعيها، والوعي المعاصر وما مَـرَّ ويمر بالعرب من قضايا ومتاجَرات بالقضية الفلسطينية تجعله يعلم أنّ استضافة نتنياهو صار مبضعًا لا بد منه حتى تضع المتاجَرات أوزارها.
كانت القضية الفلسطينية هي القضية الأهم والأولى في العالم، لكنها لم تسدد فواتير تجارة الأسلحة العالمية ، التي قامت عليها اقتصاديات دول كبرى، وتزحزحتْ من بَعْد أمام قضايا مفتعلة في المنطقة العربية، لتصير القضية الفلسطينية في وضعنا العربي المتداعي والمأزوم كفرد العائلة المريض الذي طال مرضه وملّه العوّاد، ويستذئب عليه المرض، إلا أن عُمان القابوسية لم تلفت من بصيرتها أن فلسطين هي الأهم والأَولى لك فأَولى، وأنّ اللقاء مع كافة أطراف النزاع الفلسطيني ضرورةٌ لا بد منها ( فَإِنْ لم يكن إلا الأسنة مركبًا * فليس على المضطر إلا ركوبها) .