د.سالم الشكيلي يكتب: كل عام وأنتم على سنام المجد مولانا

د.سالم الشكيلي يكتب: كل عام وأنتم على سنام المجد مولانا
د.سالم الشكيلي يكتب: كل عام وأنتم على سنام المجد مولانا د.سالم الشكيلي يكتب: كل عام وأنتم على سنام المجد مولانا

أثير- د.سالم الشكيلي

تتسابق الكلمات ، وتتزاحم العبارات ، وتتراقص مفردات لغة الضاد ، لترسم جميعها بانوراما حقيقية ، لمشاعر صادقة للعُمانيين والمقيمين على أرض عمان الماجدة ، والأحاسيس نبيلة وافرة جياشة ، تفيض بمفردات من مشاعر مختلطة من الرضا والاطمئنان والفرح والحب ، وهي مفردات متلازمة في سلسلة ذهبية يتقلدها كل مواطن وكل مقيم على أرض سلطنة عمان الحبيبة، يتقلدها ابتهاجًا بمناسبة يوم الثامن عشر من نوفمبر المجيد . يوم مولد سيد عمان ، وأملها وقائد نهضتها المعاصرة ، سليل المجد وأصيل الحسب والنسب ، ونصير الضعفاء وملاذ الفقراء والمساكين ، قوي الشكيمة ، ثاقب البصيرة ، حكيم العرب ورجل السلام ، جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه .

مولاي ، ونحن نحتفل بهذا اليوم السعيد ، ماذا بوسعنا أن نستدعي ، من خصالك التي لا تُعد ، وعطايا يمناك التي لا تُحصى ، وشمائل عفوك التي لا تنقطع ، وإخلاصك لعمان وشعبها الذي يزداد يومًا بعد يوم ، وسنين عمرك التي أفنيتها في خدمة وسعادة أمتك ، ماذا عسى لقلمي أن يسطّر ، ولعقلي أن يتذكّر ، فكلاهما عاجزٌ وكليل ، من أن يحيط بجانب واحد من جوانب الخير التي انهلّت على عمان وشعبها ، مع تلك الإطلالة البهيّة ، كيف لا وأنا أحد العُمانيين الشهود الذين عاصروا ورأوا بأمّ أعينهم صنائع المعروف في قيادتك الحكيمة ما يسرّ النظر ويُبهج النفس ، ويُريح البال والخاطر ، وما يؤكد لحاضر مشرق ومستقبل أكثر إشراقًا وتألقًا.

لقد وحدتم أمة بعدما مزقتها الفتن ، وصنعتم دولة بعد أن خاصمها الزمن ، وأعدتم مجدًا ضيعته الإحَن وبعض رجالات الوطن ، وأنرتم مشاعل النور والعلم ؛ لقهر ظلامات الجهل والمحن ، وهزمتم المرض وارتحل الفقر والحرمان ، وزرعتم الأمل والسعادة في قلوب العمانيين ، بعدما فقدوها طوال ما يقرب من قرن ، ليس كل هذا فحسب ، بل وشيّدْتم صروح دولة عصريّة بكل مفاهيم العصرنة التي تعرفها شعوب ودول العالم في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، فكانت نهضتكم بحق تتمايز عن باقي نهضات العالم من زوايا ثلاث :
* الأولى أنها نهضة شملت كل أرجاء الوطن حواضره وبواديه ، كما يمّمَت وثبتها لتنمية لم يكن لمقوماتها سابق وجود ، فتزاحمت الأوليات والأهداف في ظل موارد محدودة ، ومع ذلك حدد مقامكم أهداف وأوليات النهضة ببراعة فائقة وحكمة بالغة ، ولأنَ هندسة تلك الأهداف لبّت تطلعات المرحلة فقد آمن بها الشعب وأمِن لها واطمأن ، سواءً مَن في الداخل أو مَن في الخارج .
* والزاوية الثانية محل التمايز ، أنّ النهضة العمانية صنعت المستحيل ، وحققت ما لم تحققه النهضات الأخرى في زمن قياسي لا يحسب في حياة الأمم والدول ، وإنما يُقاس بما تحقق من آمال وما فتح من آفاق وما صنع من منجزات .
* أما ثالثة الزوايا ، فقد كانت النهضة العمانية نهضة قائد آمن بأن الوطن للجميع ، جميعهم شركاء في الهدف والمصير ، والوطن في قاموس القائد ليس مجرد مأوى يعيش على أرضه المرء ، بل هو قبل هذا انتماء وولاء ومحبة وفداء ، وعلاقة وجدان وروح بين المواطن والأرض الذي تحتضنه، دون تحزّب لأيّ من عناصر التحزب البغيضة ، التي تجتاح العالم الحالي ، بأسباب داخلية وخارجية ، الكل تقودهم سفينة الوطن ، ربّانها واحد ، تتوافر فيه كل صفات القيادة ، بل أثبتت السنون ، وخبرات السنين ، أنه أمهرهم وأجدرهم ، يحمي حماها ويحفظ أمنها وسيادتها ، وعليهم أن يقتدوا ويهتدوا بحكمته ، ويشاركوه البناء والتنمية .



مولاي : إنّ احتفال عمان وشعبها بهذا اليوم الخالد ، إنما هو تعبير عن فرح تغشاه سحائب ومزون من الفرح ، وسعادة يغشاها سعادة أكثر وأعظم ، ذلكم أنكم أخرجتم عمان وشعبها من بحر الظلمات ، في مسافة زمنية أقصر من أن تطاول حجم الإنجاز الذي تحقق ولا يزال يتحقق ، بفضل قيادتكم المستنيرة ورعايتكم الواثقة المستمرة ، وحرصكم الشديد المسبق على تجاوز كل مسافات الزمن ، وتجاوز كل صعوبات ومعوقات الحياة مهما بلغت ضخامتها ، وتعددت ألوانها وظروفها ، فيقينكم بالله وتوفيقه كان حاضرًا منذ اليوم الأول لانطلاقة نهضتكم المباركة ، صاحَبَ ذلك اليقين والإيمان بتوفيق الله ، قوة تدفع العزائم والهمم نحو عمل خلاّق منتج ، هدفه وغايته الإنسان العماني القاطن في أي شبر من أرض عمان الغالية ، حتى ولو كان يقيم في كهف توارى عن الأنظار وبعدت مشقة الوصول إليه ، طالما بقيت سماء عمان تُظله ، وأرضها تحتضنه ، فالإنسان عندكم هو الإنسان أينما حلّ أو ارتحل ، فقد كرّمه رب العزة من فوق سبع سموات ، ” ولقد كرّمنا بني آدم … ” .

جلالة السلطان المعظم : على مدى ثمانية وأربعين عامًا من نهضتكم المباركة ، عاش شعبكم الوفي مع مقامكم قصص وروائع الإبداع في كافة الميادين ، يشاركون جلالتكم معاني الوفاء للوطن ، وشاركوكم الجهد والعمل ، وبذلوا معكم العطاء لعمان الغالية لأنكم كنتم قدوتهم ؛ فبادلتموهم الحب الخالص ، النابع من قلب مفعم بحب الوطن والمواطن ، فما كان منهم إلّا أن يردّوا الجميل بالولاء والطاعة لكم ولقيادتكم الفذة ، فالعماني على مدى التاريخ لم يُعرَف عنه نكران الجميل ، وكلما تقدموا إليكم خطوة حتى تقدمتم إليهم خطوات حبا منكم وكرما من لدنكم ضاربين بذلك أروع المثل وأجلّ التضحيات ، ولم تعد العلاقة بين المحب ومن يحبهم ويحبونه ، مجرد علاقة حاكم بمحكوميه ، ولا مجرد علاقة سلطان ورئيس دولة برعاياه ، حتى سَمَتْ هذه العلاقة إلى أعلى مراتب السمو ، وأرفع مفردات العرفان ، فتلاشت كل الحواجز المعهودة بين الحاكم والمحكومين في مثل هذا الزمان الذي كثرت فيه الحواجز بين الحكام وشعوبهم ، وبات نطقكم السامي الذي ينقله عنكم بعض المسؤولين « العماني ما يهون » يصرخ في آذان شعبكم وكأنه طلسم يزيد من وهج العلاقة والتعلق بكم ، فأي علاقة وثقى هذه ! وأي ارتباط هذا ! إنها حقّا معجزة السماء ومباركة الإله للقائد وللشعب .

وبمثل ما تزهو عمان بمكتسبات النهضة التي تحققت في الداخل ، فإنها تزهو وتفخر بما تحظى به من مكانة وسمعة دولية ، لم تأتِ بسبب كثرة مواردها وسكانها ، ولكن بما مثلته السياسة العمانية من حصافة في الرأي ، وتوازن في العلاقة مع جميع الدول ؛ فتوسعت دائرة الأصدقاء وتلاشت وانعدمت دائرة الأعداء ، وكان لسياسة الحياد الإيجابي والنأي بالنفس وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، مفاتيح سر هذه المكانة الدولية والاحترام والتقدير والثقة العالمية بالمواقف والثوابت العمانية ، حتى أصبحت عمان بمثابة بيت خبرة لكافة الدول لحل الكثير من المعضلات الإقليمية والدولية .

إن إيمان جلالتكم بالسلام كخيار استراتيجي لعموم العالم ، انطلاقًا من حكمة وبصيرة مقامكم السامي في أن تعيش الشعوب – ومن حقها – بسلام ومحبة واطمئنان ، بعيدًا عن ويلات الحروب وما تخلفه من دمار وتخلف في التنمية ، وانتهاك لثروات الأمم .

لقد شهد العالم لكم بأنكم أهلٌ وملاذٌ ورجلٌ للسلام ، في وقت كثر فيه المطبلون وزبائن الحروب ، وزاد عدد تجار وسماسرة السلاح ، حتى بات بيعها في بازار يشبه سوق النخاسة أيام الجاهلية . إن هذا النهج الذي اتبعتموه جلالتكم هو ميراث حضاري لا يعرف مركب الاستعلاء على الآخر ، ولا يقيم لاختلاف الأعراق والديانات عنصرًا للتعالي على الشعوب والأمم ؛ بل هو سرٌ أودعه الله في المجتمع . وهكذا وبفضل هذا التوجه كله أصبحت عمان قطب ومركز الدائرة ، ومقصدًا يقصدها من أراد أن يجد حلًا لمشاكل استعصى فكُّ عُقَدها ، ولمن تاقت نفسه إلى سماع نصائح جلالتكم التي تحل ولا تربط وتقرّب ولا تبعد .

مولاي : في عيد ميلادك الميمون ، تتعاظم الأمنيات وتلهج الألسن ، وتهفو الأفئدة ، وترتفع الأيادي بالدعاء إلى الخالق عز وجل ، أن يلبسك لباس الصحة والعافية ، وأن يدخل إلى قلبكم فرحًا وسرورًا وسعادة بمقدار كل خطوة خطاها جلالتكم ، وبحجم ما ينزل من السماء من غيث مدرار ، وبعدد ما وجد على الأرض من شجر أخضر ، ونبات أينع وزهر تفتح وأبدع ، وأن يؤيدكم المولى بتوفيق من عنده ، ويهبكم نصرًا مؤزرًا، دمتم ودام عزكم ، وعلا سنام مجدكم بعلو السماء عن الأرض .

قسمًا برب الأرض والسماء إننا على العهد باقون ، وعلى خطى جلالتكم سائرون ، وعلى طاعتكم ووعدنا لكم باقون ، لن ننكث عهدًا ، ولن نخلف وعدًا ، ولن نعصي أمرًا ، أرواحنا فداكم ؛ صغيرنا قبل كبيرنا ، سرْ على الدرب ونحن خلفك تكلؤك عناية الله ، وترعاك مشيئته ، وتحرسك عينه التي لا تنام ، وكل عام ، جلالتكم بألف خير .

Your Page Title