تاريخ عمان

بالصور: البيت العُماني الذي كان شاهدًا على رحلة (السندباد)

بالصور: البيت العُماني الذي كان شاهدًا على رحلة (السندباد)
بالصور: البيت العُماني الذي كان شاهدًا على رحلة (السندباد) بالصور: البيت العُماني الذي كان شاهدًا على رحلة (السندباد)

أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي


في كل مرة تسوقني خطاي إلى حيّ (الرشّة) أحد أحياء مدينة صور العتيقة، وفي مقابل خور صور الرئيسي كنت أقف مشدودًا متأملًا أمام بيتٍ أبيض اللون، كبير الحجم كعادة بيوت النواخذة في صور، تجاوز عمره مائةً وأربعين سنة منذ أن بناه صاحبه النوخذه المعروف وإحدى الشخصيات الصورية التي عرفت بالبر وعمل الخير وهو راشد بن سليم بن ثابت المخيني الذي كان يمتلك العديد من السفن الخشبية العابرة للمحيطات.

أما السبب الآخر والمهم لاهتمامي به؛ فلأن هذا البيت ارتبط بحدثٍ تاريخيٍ مهم؛ ألا وهو بناء السفينة (صحار) التي انطلقت في مطلع عقد الثمانينات من القرن السابق في رحلةٍ طويلةٍ إلى الصين لتعيد ذكرى رحلات العرب والعُمانيين إلى تلك البقاع البعيدة، فكان هذا البيت شاهدًا رئيسيًا على تلك الرحلة المهمة.

ولأن أجزاء مهمةٍ من البيت تأثرت بفعل هجرة أهله له وانتقالهم للسكن في أحياء أخرى، وبسبب الأنواء المناخية وأهمها (جونو) الذي بسببه تهدمت بعض جوانب هذا الأثر التاريخي المهم؛ لذا كان من الصعوبة بمكان دخوله والتعرف على أركانه وما يحتويه، فكان التواصل مع الصديق خالد بن علي بن حمدان المخيني الباحث والمهتم بالتاريخ الملاحي البحري وأحد أحفاد مؤسس البيت الذين عاشوا طفولتهم فيه، وتسلقوا سلامه مرارًا، ولعبوا بأحجاره المرجانيّة، وعرفوا طعم النوم صيفًا في حوشه الواسع، ليحدثنا عن بيت العائلة كما يعرفه ويتذكر أيامه الخوالي فيه.

البيت مربع الشكل وهو مبني من الطين والحجارة ويبلغ عرض كل جدار حوالي قدمين، ويحوي حوشًا واسعًا في منتصفه ذا أرضية من حجر المرجان الأبيض الذي كان يستخدم في بيوت صور لفرشه في ساحات المنازل، ويحوي أكثر من ٢٤ حجرة بالإضافة إلى عدة سراديب تحت الأرض على الجهة الغربية منه كانت تستخدم لتخزين البضائع المهمة التي تجلبها السفن.
للغرف العلوية الجنوبية إطلالة متميزة على خور صور، وبالغرف السفلية مساحات للاستراحة أمامها معتمدة على شكل أقواس كبيرة الحجم، كما يوجد بالبيت باب رئيسي كبير من خشب الساج الأصلي، وتم استئجار البيت في عام ١٩٧٩م من قبل وزارة التراث القومي والثقافة آنذاك لصالح فريق بناء السفينة صحار لمدة عام كامل.


ولنترك تيم سيفرن قبطان رحلة (السندباد) والمشرف على بناء السفينة صحار يصف لنا البيت كما جاء في الصفحتين 53،54 من كتابه (رحلة السندباد): ” كان منزلًا كبيرًا شيدته منذ مائتي سنة أسرة أحد تجار صور حول دهليزٍ على النمط العماني التقليدي، وكان هذا الدهليز مفروشًا بالمرجان المجروش ينسحق بصوتٍ مفرح عندما تطأه أقدام أي شخص، وعلى امتداد الدهليز عدد من الأبواب تقود إلى العديد من الحجرات تقع في حماية سورٍ داخلي. وهنا كانت توجد أنواع عديدة من الحجرات ذات أشكالٍ وأحجامٍ مختلفة، بعضها متسعٌ يصلح للنوم وأخرى صغيرة تصلح لأن تكون مطبخًا أو مخنًا لحفظ الأطعمة، وكانت هناك حجرةٌ تصلح لأن تكون حمّامًا، كذلك كانت بعض الحجرات صالحة لاستخدامها كمخزن”.

ويمضي تيم سيفرن في وصف البيت ” ويقود سلّم منعزل إلى مجموعةٍ علوية من الحجرات تنتظم على امتداد الدهليز، وقد خصصت هذا المكان لإقامتي حيث كان يعيش أصحاب البيت الأصليون، وكان ملحقًا بكل حجرة أخرى صغيرة تصلح حمامًا خاصًا أو مطبخًا مناسبًا”

أما عن سبب اختيار هذا البيت بالذات ليكون مقرًا لسكن طاقم فريق صناعة السفينة (صحار) فهو كما يرى “على أية حال؛ فكلما كنت في حاجةٍ إلى حجرةٍ لغرضٍ خاص كان الطلب جاهزًا، فكان بيتًا نموذجيًا وكأنه كان معدًا للغرض الذي كنا نسعى إلى تحقيقه؛ أي منزلٌ يصلح لإقامة فريق يستعد لصناعة سفينة”.

أما عن موقع البيت وإطلالته فيصفه هكذا: ” وكانت النوافذ تطل على بحيرةٍ تظهر على سطحها رؤوس السلاحف تستدفئ في المياه الدافئة، وكانت الرمال الناعمة تنحدر تدريجيًا نحو هضبةٍ صغيرة لا تزال تحتفظ ببقايا قلعةٍ حربيةٍ قديمة متهدمة، كنت أشاهد خلفها سلسلة من الجبال التي تفصل صور عن المناطق الصحراوية”.

وأنا أختم هذا التقرير تقودني مخيّلتي إلى أن أرى هذا البيت يومًا ما وقد طالته يد الترميم ليتحول إلى متحفٍ أو مركزٍ تاريخيّ يحكي للأجيال القادمة جانبًا من بطولات الإرادة والتصميم التي امتلكها أجدادهم الملاحون الذين نقلوا ثقافة بلدهم عمان وتسامحها جنبًا إلى جنب مع بضائعها وسلعها في رحلاتهم الطويلة من ميناءٍ لآخر كرسل محبةٍ وسلام.

 

المصادر:
1- توم سيفرن. رحلة السندباد، وزارة التراث القومي والثقافة
2- الباحث خالد بن علي بن حمدان المخيني
3- زيارة شخصية من قبل معد المادة



Your Page Title