أثير- د.محمد بن حمد العريمي
شهدت القاعة الملكية بولاية صور تنظيم فعاليات ندوة ( العلّامة الفقيه الشيخ سعيد الغيلاني) التي ينظمها النادي الثقافي ضمن برنامج (من أعلامنا)، وذلك من خلال جلستي عمل تضمنت سبع أوراق عمل تناولت سيرة حياة الشيخ سعيد بن مبارك بن جويد الغيلاني وجهوده العلمية والتربوية.

وافتتحت الجلسة الأولى التي تضمنت أربع أوراق عمل وأدارها الدكتور ناصر بن سعيد العتيقي؛ بورقة للباحث الشيخ حمود بن حمد الغيلاني بعنوان (قراءة تاريخية في مسيرة الشيخ العلمية والعملية)، ثم قدم الدكتور خالد بن حمد الغيلاني ورقة عمل حول الجوانب التربوية في مناهج الشيخ سعيد الغيلاني، واختتمت الجلسة بورقة حول التعريف بالمدرسة الدينية الصورية التي أسسها الشيخ قدمها الدكتور محمد بن حمد العريمي.


في السطور القادمة عبر “أثير” نسلّط الضوء على جوانب من شخصية الندوة الشيخ سعيد بن مبارك بن جويد الغيلاني، من حيث نشأته، وأسباب طلبه للعلم، وهجرتيه إلى مكة والمدينة، وتأسيسه للمدرسة الدينية الصورية، وأبرز مؤلفاته؛ وذلك من خلال تلخيص بعض ما جاء في أوراق عمل الندوة، وتحديدًا أوراق الجلسة الأولى.
التعريف بالشيخ ونشأته الأولى
هو الشيخ العالم الفقيه سعيد بن مبارك بن محمد الغيلاني الذي عُرِفَ في المدينة المنورة باسم (سعيد الصوري)، وُلد في مطلع العقد الثاني من القرن العشرين، تلقى علومه الأولى بمدرسة المعلمة سالمة بنت مسلم الكثيري الغيلانية، ومدرسة مكارم الأخلاق، وتتلمذ على يد مديرها والمعلم بها العلامة السيد عبد الله بن عبد الرحمن العيدروس، ثم عمل في سفن والده كنوخذه، وقام برحلة كراتشي إلى 1947م .
ذهابه إلى مكة
كان الشيخ سعيد أسير فكرة ترك العمل في سفن والده والتوجه إلى طلب العلم، فكان قراره التوجه إلى مكة المكرمة حيث التحق بمجرد وصوله بالمدرسة الصولتية بعد أن اجتاز المقابلات واللقاءات مع أساتذتها، وتتلمذ فيها على يد عدد من العلماء والمعلمين، وأخذ العلم عنهم، كذلك كان يحضر حلقات العلم في الحرم المكي الذي كان يتوافد إليه العديد من العلماء والفقهاء والمحدثين والمفسرين والأصوليين والأدباء واللغويين من بلاد الشام ومصر وباكستان والهند واليمن والعراق، إضافة إلى العلماء الحجازيين؛ مما مكنه من التزود بعلوم وفيرة والتعرف على المدارس الفقهية بشتى أنواعها، واستمرت فترة دراسة الشيخ سعيد في مكة المكرمة في الفترة من 1368 هـ 1948 م وحتى عام 1371 هـ 1951 م .
ذهابه إلى مكة

العودة إلى صور
التحق بعد تخرجه من المدرسة الصولتية بمكة المكرمة وعودته إلى صور بمدرسة دار الفلاح ( الغزالي) نسبة إلى مؤسسها ومديرها والمعلم فيها المغفور له بإذن الشيخ عبد الله بن أحمد الغزالي ، معلمًا للفقه الإسلامي واللغة العربية، وبعد إغلاق مدرسة دار الفلاح أنشأ معهدًا للعلوم الدينية بمدينة صور( المدرسة الدينية الصورية) في ذات المبنى الذي كانت فيه مدرسة الفلاح، وبعد هجرته إلى المدينة المنورة قام بالتدريس في الحرم النبوي، كما كان يمارس التجارة إذ افتتح دكانا جعل جزءًا منه مكتبة يبيع فيه الكتب لرواد العلم.
الهجرة إلى المدينة المنورة
في عام 1958م هاجر الشيخ سعيد إلى المدينة المنورة، حيث استقر فيها نهائيًا، مارس في بداية عمله التجارة، ثم قام بالتدريس في المسجد النبوي الشريف في الفترة من عام 1958م حتى عام 1969م، وكانت له زاوية في الحرم النبوي تقع عند باب جبريل عليه السلام، مجاورا للروضة الشريفة.

عوامل طلبه للعلم
توافرت عدة عوامل أسهمت في حرص الشيخ على طلب العلم ونبوغه فيه فيما بعد من بينها أن أسرته كانت تدرك نباهته وتعلم مدى تعلقه بالعلم؛ فكانت تسانده في ذلك، كما حرص الشيخ على اكتشاف وتنمية طاقاته ومواهبه، فوظف كل الوسائل المتاحة لطلب العلم، كما أن التنوع المعرفي أسهم في تكوين شخصية الشيخ وصقلها، وعزز لديه الدافعية لطلب العلم والمعرفة، بالإضافة إلى معاصرة الشيخ سعيد جملة من العلماء والفقهاء والأدباء في صور، واستفادته من دراسته بمكة المكرمة وتحديدا في مدرستها الصولتية، ثم رحلته إلى المدينة المنورة عام 1957 م، وقيامه بالتدريس في المسجد النبوي الشريف الذي كانت زواياه تمثل مصدرًا تعليميًا لأبناء المدينة المنورة.

المدرسة الدينية الصورية
أسسها الشيخ سعيد بن مبارك بن جويد الغيلاني بجهود فردية، وافتتحت المدرسة بعد إغلاق مدرسة دار الفلاح في عام 1955، وقد أسهم الشيخ بأمواله الخاصة، كما قام بجمع تبرعات من الأهالي وخاصة الذين يعملون في الكويت والدمام وقطر والبحرين.
وضع الشيخ سعيد عددًا من الأهداف التي يرغب أن تحققها المدرسة في مخرجاتها من الطلبة منها: غرس العقيدة الإسلامية، وتزويد الطلاب بالقيم والتعاليم الإسلامية، والمثل العليا وإكسابهم العلوم والمهارات والاتجاهات السلوكية البنّاءة، وتخريج عدد من الطلاب ليكونوا أئمة للمساجد وخطباء، وتزويد الأبناء بقدر من علوم اللغة العربية والمعارف الدينية والحساب والاجتماعيات وغيرها فهي معارف يحتاج إليها لمن يرغب أن يكون ربانًا، أو تاجرًا ناجحًا.
قسمت فترة الدراسة في المدرسة على أربع سنوات ينتقل خلالها الطلبة من مستوى دراسي إلى مستوى أعلى منه حتى إكمال فترة الدراسة، ويحصل الخريج على شهادة متوسطة تسمح له بالتدريس والخطابة والإمامة أو العمل في المنافع الخاصة أو العامة.
أعد الشيخ مجموعة من المقررات الدراسية في مجالات عدة تناولت علوم التربية الدينية، واللغة العربية، والحساب، والثقافة العامة، واتبع الشيخ رحمه الله في تأليف مناهج المدرسة الصورية الدينية أسلوب الأسئلة القصيرة والمباشرة التي تليها الإجابات المباشرة والقصيرة لتسهل على الطلبة حفظها، كما ألحقها بتفسيرات في الهامش مما يحتاج إلى تفسير وتوضيح وتوسع ليسهل على الطلبة فهمها وإدراكها، كما وظّف كتاب الاجرومية والقاعدة اللغوية التي أسماها قاعدة المدرسة الدينية الصورية، وأعد مقررات في علوم اللغة ككتاب (منحة الوهاب) شرح فيه قواعد الإعراب في النحو، وكتاب (انتخاب النبلاء) في شرح دروس الإملاء، إضافة إلى كتاب سمّاه (دروس الإملاء) وضع نماذج وأمثلة تعين الطلبة على فهمه، وفي الحساب وضع الشيخ كتابين: الأول أسماه كتابه (دروس الحساب)، ركز فيه على العمليات الرياضية الأربع، والكتاب الثاني أسماه (لب الألباب)، لشرح دروس الحساب.
وعمل الشيخ على توظيف عدد من المعلمين ممن كانوا معه في مدارسة الفلاح (الغزالي) وكان يجري لهم مرتبات خاصة ليستمروا في التعليم، ومن هؤلاء: المعلم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الهوتي، والمعلم عبدالله بن عبدالكريم الفارسي، والسيد علوي بن أحمد الغزالي، ومحمد بن أبو بكر الغيلاني، والمعلم صالح الشناصي، والمعلم عبد الله بن سالم الحضرموتي.
مؤلفاته
اهتم الشيخ سعيد بالتأليف في مجال المناهج الدراسية التي تحقق الأهداف المنشودة للمدرسة الصورية الدينية التي أنشأها في مدينة صور، وركز في مؤلفاته على المواد الدينية واللغوية وعلم الحساب بصورة أساسية.
ألّف الشيخ سعيد ما يزيد على أربعين مؤلفًا وتنوعت مؤلفاته ما بين مطبوع ومخطوط، فالكتب المطبوعة بلغ عددها سبعة كتب دمج أربعة منها في كتاب واحد سمّاه الدروس الأربعة في مجال التوحيد والتجويد والفقه والفرائض، أما عدد المخطوطات فيبلغ ثلاث عشرة مخطوطة، ذكرها في فهرس كتاب قول الخلف والأسلاف في منع بيع الأوقاف، ومن بين كتبه: الدرر المضيئة في شرح الدروس الفقهية، قول الخلف والأسلاف في منع بيع الأوقاف، دروس التوحيد، دروس التجويد، دروس الفقه، دروس الفرائض، كتاب القاعدة المدرسة الصورية الدينية، اللؤلؤة النقية في شرح الدروس الفرضية. وغيرها.

القيمة العلمية لكتب الشيخ
تتميز كتب الشيخ سعيد بقيمتها العلمية والمنهجية، فمن الناحية الأولى، أوجد الشيخ علومًا لم يألفها أهل صور كعلم التجويد، هذا العلم الذي أدخله الشيخ سعيد وضمنه مناهجه التعليمية استفاد منه الكثير طلبة ومعلمين وأهالي في تعلم أسس وطرق تجويد قراءة القرآن الكريم بصورة صحيحة.
كما اعتمدت المناهج الجديدة التي ألفها الشيخ على دفع عملية التفكير لدى الطلبة والبحث عن المعلومة، ويضاف إلى ذلك ما اعتمده الشيخ من منهج الحوار، من خلال طرح الأسئلة القصيرة والمباشرة، وألحقها بإجابات قصيرة، مع وجود التفسيرات الأكثر توسعًا في الهامش مما يزيد من الجرعة المعرفية، فهي للطالب المتفوق ترتقي بمعلوماته وترفع من تحصيله، وبالنسبة للطلبة الآخرين تعينهم على فهم ما يراد بصورة أسهل، وهو هنا يراعي الفروق الفردية بين الطلبة.
القيمة العلمية لكتب الشيخ

وفاته
توفي الشيخ سعيد في عام 1389 هـ – 1969م، ودفن في مقبرة البقيع حيث كان يعاني من مرض السل منذ بداية الستينات مما اضطره للسفر إلى دولة الكويت للعلاج مرتين، ثم رحل إلى بيروت للعلاج واستمر فيها للعلاج فترة من الزمن، بعدها عاد إلى المدينة قبل وفاته.
وفاته
المراجع:
1- العريمي، محمد بن حمد. (المدرسة الدينية الصورية)، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة الشيخ العلامة سعيد بن مبارك الغيلاني، 18 ديسمبر 2018.
2- الغيلاني، حمود بن حمد. (تاريخ حياة الشيخ الفقيه سعيد الصوري)، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة الشيخ العلامة سعيد بن مبارك الغيلاني، 18 ديسمبر 2018.
3- الغيلاني، خالد بن حمد. (مناهج الشيخ سعيد بن جويد التربوية)، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة الشيخ العلامة سعيد بن مبارك الغيلاني، 18 ديسمبر 2018.
المراجع:
* الصور من أرشيف الباحث الشيخ حمود بن حمد الغيلاني
*صور تغطية الندوة من أرشيف الزميل عبد الله باعلوي