أثير- تاريخ عمان
إعداد: د.محمد بن حمد العريمي
لم يكن ارتباط الإنسان العماني بالبحر وليد لحظة زمانية حالمة، بل هي علاقة تعود في جذورها إلى الألف الثالثة ما قبل الميلاد، أو قبل ذلك. وليس أدل من وصف مهارة العمانيين وتقدمهم في علوم البحر من وصف العالم الروسي أندريه شغاروف لهم” إن العمانيين كانوا أول أمة عبـرت مياه المحيط الهندي، وقد فعلوا ذلك قبل الفينيقيين والمصريين والفرس والهنود والصينيين واليونانيين والرومانيين بزمـــــن بعيد، مؤكدين على أن السفن العمانية قد كان لها الأولوية في اكتشاف الكثير من دول وجزر المحيط الهندي”. (الغيلاني، العلوم البحرية عند العمانيين).

وقد استخدم الملاحون العمانيون التجربة العملية والرصد والملاحظة، وطوروا الأجهزة الملاحية، كما اتجهوا إلى توثيق كل ذلك في كتبهم ومرشداتهم المختلفة، حيث وثقوا المسالك والمجاري البحرية والرياح أسماءها واتجاهاتها وقوتها وتوقيتها، ورسموا الخرائط التي تحدد مواقع المدن والموانئ والعلامات في البر التي تحدد المواقع. كما حددوا خطوط الطول والعرض، وذكروا أسماء الأجهزة الملاحية وكيفية استخدامها ( الغيلاني، المرجع السابق).
وهناك العديد من الملاحين والربابنة المعلمين الذين تركوا أثرهم المعرفي في مصنفاتهم، فالبعض معروف لدى العامة من الناس، وغيرهم الكثير مما يجهلهم الناس ولا تعرف آثارهم العلمية، ويعد الملاح ناصر بن علي الخضوري أحد هؤلاء المعلمين الذين أضافوا الكثير لعلم الملاحة البحرية، وكانت له منجزات في هذا المجال.

وشهدت القاعة الرئيسية في مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم تنظيم ملتقى ثقافي اشتمل على تقديم ست أوراق عمل احتفت بمخطوطة (معدن الأسرار في علم البحار) للملاح العماني ناصر بن علي الخضوري، حيث افتتح الباحث الشيخ حمود بن حمد الغيلاني الملتقى بورقة حول “العمانيون وعلم البحار”، ثم تحدث الباحث سلطان بن مبارك الشيباني عن المؤلفات العمانية في علم البحار، بينما تطرق الدكتور حميد النوفلي عضو الفريق الوطني لذاكرة العالم عن المغزى العالمي لمخطوطة معدن الأسرار، وتناول الدكتور صالح الشيذاني من الجمعية الفلكية العمانية مكانة علم الفلك في مخطوطة معدن الأسرار، وعرّف الدكتور ناصر بن سعيد العتيقي بأدوات الملاحة البحرية التي استخدمها الخضوري، واختتم الدكتور ناصر الندابي أوراق العمل بدراسة مقارنة حول النسخ الثلاث للمخطوطة.
وفي هذا الموضوع عبر “أثير” سنسلط الضوء على شخصية هذا الملاح، وأبرز أعماله، كما سنتطرق إلى مخطوطته الشهيرة، وذلك من خلال رصد أبرز ما جاء في أوراق العمل التي تناولها الملتقى.

شخصيته
هو النوخذا الملاح ناصر بن علي بن ناصر الخضوري ولد في مدينة صور عام 1870م وتوفي في العام 1969م، وهو من الملاحين المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والدراية بعلوم البحار، وامتلك كل هذه المهارات من خلال عمله كنوخذا معلم في السفينة “قاطم” ملك الشيخ محمد بن مبارك بن جويد الغيلاني لمدة 15 عامًا، سافر بها نحو 65 رحلة ” يوش ” إلى الهند فقط ، ثم بعد ذلك امتلك سفينتين عمل بهما وهما ” ميسر” و”غنيمة” من نوع السمبوق. (العتيقي، أدوات الملاحة البحرية التي استخدمها الملاح الخضوري).
وقد جمع المؤلف بين عدة علوم قلما تجتمع في شخص واحد، منها: علوم الرياضيات، والفلك والملاحة البحرية والأرصاد الجوية والبحرية وحركة الرياح ومن شهرته أنه كان يصحح المعلومات الواردة في كتاب ” دليل المحتار في علم البحار” للمؤلف الكويتي عيسى القطامي الذي هاجر من الكويت إلى عُمان ودفن في مسقط .
شخصيته
عوامل النبوغ
أسهمت العديد من العوامل في نبوغ شخصيتنا؛ من بينها الاستعداد الفطري والذي تمثل فيما بعد في كتاباته ومخطوطاته وبروزه في هذا المجال، وشخصيته المحبة للعلم والاطلاع والمعرفة منذ نعومة أظافره، كذلك المُناخ الذي كانت تعيشه مدينة صور والمتمثل في حركة الملاحة النشطة، ووجود العديد من “النواخذه” الكبار الذين عرفوا بالبراعة في الملاحة ومعرفة المسارات والموانئ، ووجود ملاحين سبقوا شخصيتنا في التأليف في علم الملاحة واستفاد منها فيما بعد عند تصنيفه لمخطوطاته.
عوامل
النبوغ

اهتماماته
كان النوخذا من أهل الرأي والمشورة، وكان يسهم في حل المشاكل والخلافات خاصة المتعلقة بالملاحة البحرية، كما كان مستشارًا للعديد من “النواخذه” الذين كانوا يلتقون به كل يوم للأخذ من خبرته الطويلة في مجال الأسفار، كما كان أحد أئمة الجامع الكبير بولاية صور، وكان من أهل الرقية الشرعية والعلاج بالقرآن، وله بعض القصائد الدينية والتهاليل الرمضانية. (عبدالله الخضوري، كلمة عائلة المؤلف).
اهتماماته
علاقته بعلم الفلك
كان الملاح الخضوري ذا دراية بعلم الفلك كغيره من “النواخذه” الكبار المشهود لهم بالكفاءة والدراية، حيث قام بتوظيف حركة الشمس الموسمية، وتوظيف الأبراج وجداول الميل الأعظم، واستخراج مسار السفينة في البحر، وتحديد المسارات البحرية بالديرة، وقياس ارتفاع الشمس بآلة السدس (الشيذاني، توظيف علم الفلك بمخطوطة معدن الأسرار).
علاقته
بعلم
الفلك
مخطوطة معدن الأسرار
تعد مخطوطة (معدن الأسرار في علم البحار) أحد أهم المخطوطات العربية في موضوعها. ألّفها الخضوري ونسخها بنفسه ثلاث مرات، وقد فرغ الخضوري من كتابة نسخة مخطوطته الأولى سنة 1360هـ الموافق 1941م، وسمّاها :” معدن الأسرار في علم البحار”، وهي لا تقل أهمية عن مخطوطات أسد البحار أحمد بن ماجد من حيث أنها جاءت في عصور متأخرة عن عصر ابن ماجد واستفادت من علومه وعلوم غيره، وطوَّرت كثيرًا من المعارف البحرية وعلوم الملاحة، وأصدرت طبعتها الأولى وزارة التراث القومي والثقافة (آنذاك) في كتاب عام 1994، وصدرت الطبعة الثانية عام 2015، ونجحت السلطنة في إدراجها كأول مخطوطة عمانية وذلك في سجل ذاكرة العالم لمنظمة اليونسكو UNESCO، وفي حوار سابق لـ “أثير” أوضح الدكتور حميد النوفلي أن هذا النوع من التراث الوثائقي أصبحت له أهمية عالمية فهو تراث عالمي تحققت فيه معايير منظمة اليونسكو، وبالتالي أصبح ذَا مغزى عالمي. كما إن هذا الإدراج يفتح الباب للعمل على إدراج ملفات جديدة تتضمن مخطوطات ووثائق عمانية لتكون ضمن التراث العالمي.
مخطوطة
معدن
الأسرار
أهمية المخطوطة
للمخطوطة أهمية علمية تكمن في أنها تناولت قواعد العلوم البحرية، وقيادة السفن باستخدام الآلات البحرية وحساباتها الدقيقة، ووصف البوصلة وأجزائها، واستخراج مسار السفينة وخطوط الطول والعرض فيه، وحساب الميل وذكر مطالع النجوم، ورسم أشكال بعض الموانئ كما رأى بعينه.
كذلك أوردت المخطوطة أسماء الكثير من الموانئ وقد هجر بعضها وتغيرت أحوالها بسبب العوامل المناخية والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ويرى الدكتور إبراهيم بن حسن البلوشي عضو الفريق الوطني لمتابعة برنامج سجل ذاكرة العالم باليونسكو أن من أبرز ما يميز هذه المخطوطة هو “الأصالة كونها قديمة نسبيًا وبخط صاحبها مما يكسبها الأصالة كونها مخطوطات من درجة المخطوطات الأم، كذلك المغزى العالمي حيث تشكل المخطوطة أهمية كبرى للدارسين في مجال السياسة العالمية والاقتصاد العالمي ورحلات القبائل عبر البلدان، كذلك المعايير النسبية وهي الزمان إذ يرجع تاريخ هذه المخطوطات الثلاث إلى خمسينيات وستينيات القرن العشرين، ومعيار المكان فالمخطوطات الثلاث منسوخة في عمان وتحديدًا في مدينة صور، هذا إلى جانب معيار الناس والفكرة والموضوع والشكل والأسلوب ومن المعايير الأخرى التي أسهمت في إدراج المخطوطة ضمن ذاكرة العالم هي الندرة والسلامة .
أهمية
المخطوطة
أهم الأدوات المستخدمة في الرحلات كما وردت في المخطوطة:
استخدم الخضوري كعادة بقية الملاحين العديد من الأدوات في رحلاته، ووثقها في مخطوطته ومنها الكمال والباطلي والديرة والناليّات وغيرها، وتتكون مخطوطة الرحمانية لمعدن الأسرار في علم البحار من ستة أجزاء هي :
– الجزء الأول: الميل المشهور في معرفة جري الشمس مع الروز والدرجات والدقائق، وهو أول ما يجعل تحت صافي الكمال، وفي هذا الجزء استخدم الخضوري آلة الكمال.
– الجزء الثاني: (معرفة فاصل العرضين تحت الفاضل تحت قاعدة ستة وثمانين وتنضرب تحت المساج ونصف الطول) وفي هذا الجزء استخدم الملاح الخضوري آلة الباطلي لقياس سرعة السفينة.
– الجزء الثالث: (معرفة البنادر من البصره إلى طرف الشرق مع طولهن وعرضهن ، ومن البصرة إلى طرف الغرب إلى اليمن والسواحل وتوابعها مع طولهن وعرضهن بالتمام ) وفي هذا الجزء استخدم النالية أو الخرائط البحرية.
– الجزء الرابع:( في معرفة مجاري بر العرب وبر السواحل وما يليها من جزائر قمر، وبكين ، ونواحيها، وبر مكران والسند والهند والمنيبار وجزائر البالات وجزائر ديبا محل لوصف المجاري) في هذا الجزء استخدم الملاح الخضوري آلة البوصلة البحرية لوصف الإتجاهات، والبلد لقياس الأعماق
– الجزء الخامس: (القياس )
– الجزء السادس: الديرة ونجومها والقواعد. (العتيقي، مرجع سابق).
المراجع:
– أثير. حوار مع د. حميد النوفلي نائب مدير دائرة قطاع الثقافة باللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم، الثلاثاء14 نوفمبر 2017
– إذاعة الوصال. لقاء مع الدكتور إبراهيم بن حسن البلوشي عضو الفريق الوطني لمتابعة برنامج سجل ذاكرة العالم باليونسكو، 26 فبراير 2018
– الخضوري، عبد الله. كلمة عائلة المؤلف التي ألقيت في افتتاح ملتقى ندوة ” معدن الأسرار في علم البحار”، مسقط، 26/12/2018 م
– الشيذاني، صالح بن سعيد. توظيف علم الفلك بمخطوطة معدن الأسرار، ورقة بحثية بعنوان ” أدوات الملاحة البحرية التي استخدمها الملاح ناصر بن علي الخضوري” مقدمة لندوة ” معدن الأسرار في علم البحار “، مسقط، 26/12/2018 م
– العتيقي، ناصر بن سعيد بن مبارك. ورقة بحثية بعنوان ” أدوات الملاحة البحرية التي استخدمها الملاح ناصر بن علي الخضوري” مقدمة لندوة ” معدن الأسرار في علم البحار “،مسقط، 26/12/2018 م
– الغيلاني، حمود بن حمد. ورقة بحثية بعنوان “العلوم البحرية عند العمانيين”، مقدمة لندوة ” معدن الأسرار في علم البحار “، مسقط، 26/12/2018 م
– النوفلي، حميد بن سيف. ورقة بحثية بعنوان “المغزى العالمي لمخطوطة معدن الأسرار”، مقدمة لندوة ” معدن الأسرار في علم البحار “، مسقط، 26/12/2018 م