أثير – ريما الشيخ
تزخر سلطنتنا الحبيبة بالعديد من المعالم الأثرية القديمة في مناطق متعددة، لكل منها حكاية تُروى عن حضارات غرست بجذورها بعمق منذ النشأة الأولى للإنسان.
ومن المناطق القديمة التي تعتبر من أقدم المدن في السلطنة هي إزكي (وتسمى أيضا جرنان)، إحدى ولايات محافظة الداخلية، والتي تبلغ مساحتها حوالي 2500 كيلومتر مربع وتبعد عن العاصمة مسقط حوالي 138كم، واتخذت من فلج الملكي شعارا لها ويوجد بها ما يقارب 142 برجًا وثلاث قلاع، إحداها قلعة العوامر وقلعتان بسور بلدة القريتين، كما يوجد بها عدد من البيوت الأثرية أهمها النزار واليمن.

وللحديث أكثر عن حارة النزار، تواصلت “أثير” مع الفاضل أحمد العامري، باحث في التاريخ وخصوصا تاريخ ولاية إزكي وصاحب مبادرة حساب (تاريخ إزكي)، والذي بدأ حديثه قائلا: يعود سبب تسمية حارة النزار بهذا الاسم لقبائل النزارية التي سكنت المنطقة، فالنزارية تنحدر من نزار بن معد بن عدنان، وأن أقدم القبائل التي سكنت حارة النزار هم بنو سامة الذين يسمون بني عزرة (العزري).
وتتميز هذه الحارة بمبانيها الأثرية وحاراتها الجميلة التي بنيت على طراز معماري فريد وهندسة عجيبة، تجد هذه البيوت متلاصقة في بعضها البعض عليها أبواب خشبية ذات نقوش وكتابات رائعة وتحوي نوافذ خشبية في تشكيلة رائعة ونمط معماري قلما تجد مثله في قرى أخرى من عمان، وتعتبر من أقدم التجمعات السكنية في عمان وتنسب البلدة إلى القبائل النزارية التي سكنتها لهذا سميت النزار، حيث أن أغلب العناصر والمنشآت تم بنائها من الطين أساسًا ومن الحجارة للأسس ومن الجص والصاروج والأخشاب المحلية والمستوردة التي أستعملت في الأبواب والنوافذ والسقوف.

يذكر أنه يوجد بِحارة النزار “حصن بيت النزار” الذي لعب دورا هاما في الدفاع عن الحارة، ويضم كل العناصر التحصينية من أبراج وأسوار وفتحات إطلاق المدافع والمرامي والسقاطات المستعملة لصب الزيت الحار أو الدبس. ومن بين البقايا الأثرية التي اكتشفت في حارة النزار مقبرة إسلامية وقبور تعود إلى فترات ما قبل الإسلام من النوع الذي يسمى بقبور إزكي؛ التي تم توثيقها عن طريق فريق من متحف التعدين الألماني في بوخرم عام 1988م، وهي أساسا جدار مزدوج من حجارة غير مشذبة.
وأضاف العامري: ارتبط تاريخ الولاية بعدد من الشخصيات منهم: الشيخ موسى بن أبي جابر الأزكوي من علماء القرن الثاني الهجري وهو من تلاميذ الإمام الربيع بن حبيب، ويعتبر الشيخ أبو جابر موسى بن أبي جابر من نصب الإمام محمد بن أبي عفان والإمام الوارث بن كعب والشيخ موسى بن علي بن عزرة من علماء أواخر القرن الثاني الهجري وبداية القرن الثالث الهجري، وكان هو القائم على (فلج حبوب) وقام بإنفاق ١٠٠ ألف درهم لصيانته وإخراجه. وأيضا الشيخ موسى بن موسى بن علي بن عزرة وهو أحد العلماء الذين نصبوا الإمام عزان بن تميم ، والشيخ سعيد بن عبدالله بن عامر بن أحمد بن موسى الأزكوي صاحب كتاب (الاختصار في معاني الآثار) (لايزال مخطوطا لم يطبع بعد) ويقع في مجلدين وهو عبارة عن تلخيص لموسوعة بيان الشرع التي تقع في ٧٢ جزءًا للشيخ محمد بن إبراهيم الكندي. كذلك الشيخ أبو زيد عبدالله بن محمد الريامي ولا يزال بيته موجود إلى اليوم في حارة النزار، ومن أشهر الأدباء الشيخ محمد بن كليب العمري وهو أديب وشاعر كبير وله ديوان شعر مطبوع.

أما عن السياحة في هذه المنطقة، فذكر العامري بأن هناك إقبال سياحي كبير لهذه الأماكن خاصة في العطلات، فالحارة تمتاز بمساجدها الأثرية القديمة مثل مسجد الحبيب ومسجد الشميسي كما تمتاز بمبانيها العالية وبحاراتها المتلاصقة وبطرقها الضيقة وبفلج الملكي الذي يتخلل جنباتها، كما تمتاز أيضا بعين المغبة التي تمتلىء بالماء كلما هطلت أمطار الخير.
وفي ختام حديثه لـ”أثير”، قال الفاضل أحمد العامري: النزار اليوم حارة قديمة ذات بيوت من الطراز الأثري القديم، وتعتبر مصدر جذب سياحي، وبالتأكيد ستكون أكثر جاذبية إذا ما تم ترميم هذه البيوت من قبل أصحابها لتكون نُزل سياحية جميلة يستأجرها السياح، لنتمكن من أحياء الحارات القديمة وإعادة الروح بها من جديد.
ووجه العامري نصيحة لجميع المواطنين بالحفاظ على الموروث التراثي العُماني وعدم التفريط فيه، فمن ليس له ماضٍ ليس له حاضر، ومن “فات قديمه تاه”، وبالفعل إن لم نعتمد على ماضينا فلن نستطيع بناء مستقبلنا.