فضاءات

د.عبدالله باحجاج يكتب: مُلهمون من عُمان ..فما أحوج الأسوياء لقوتهم الروحية وزينب وليث ونورة نموذجًا

د.عبدالله باحجاج يكتب: مُلهمون من عُمان ..فما أحوج الأسوياء لقوتهم الروحية  وزينب وليث ونورة نموذجًا
د.عبدالله باحجاج يكتب: مُلهمون من عُمان ..فما أحوج الأسوياء لقوتهم الروحية وزينب وليث ونورة نموذجًا د.عبدالله باحجاج يكتب: مُلهمون من عُمان ..فما أحوج الأسوياء لقوتهم الروحية وزينب وليث ونورة نموذجًا

أثير- د.عبدالله باحجاج

شاركت في حفل تدشين كتاب ” ملهمون من عمان ” على هامش معرض مسقط الدولي للكتاب، وتعرفت ميدانيا على قصص ثلاثين ملهمًا وملهمة ، تحدوا إعاقتهم المختلفة ، وحولوا ظلمة يومهم إلى نور يخترق ظلام ليلهم، ويضيء نهارهم ، فوراء كل واحد منهم قوة روحية جبارة، أعتقتهم من ربقة المفاهيم الجامدة والخاطئة ، ومن السيكولوجية المعقدة ، وانطلقت بهم إلى عالم الإلهام ، عالم التحدي والطموح ، فحققوا الإبداع الذي يرتقي إلى الإعجاز .

ومن يتابع معنا في هذا المقال قصص البعض منهم، سيخرج منها بقوة روحية ذاتية تنتابه فجأة، وستتجلى له صدقية المقولة المتعارف عليها القائلة ” إن المعاق معاق في فكره وليس جسده ” .

احترنا في تقديم القصة النموذجية من ثلاثين قصة ، فوراء كل واحدة منها إعجاز ، بحيث يمكن أن تشكل واحدة منها نموذجا مستقلا بذاتها ، لكننا ورغم ذلك ، فقد اخترنا زينب الحراصية كنموذج على أن نتعاطى مع المشتركات المسببة والمنتجة للملهمين ، لأنها تكاد تكون واحدة .

وهنا رسالة مهمة من الرسائل التي نستهدفها من هذا المقال ، فكلمة موجهة من قريب أو من محيط للمعاق ، تحوله بنسبة مئوية كاملة ، فلا تبخلوا بها في أي زمان ومكان ، ولمن كان ، خاصة لمن يصارع الألم ، ويستوي عنده الليل والنهار.
• زينب الحراصية .. وتحويل عضلة الفم من الأكل إلى الكتابة
أصيبت زينب في عام 2002 وهى في الصف الأول من دراستها ، بشلل في أطرافها الأربعة بعد أن دخلت في غيبوبة لمدة عشرة أيام ، وعقبها استيقظت على أنبوب تنفس في فمها ، وآخر مغذ في أنفها ، وثالث يمتد من أوردتها .. ولنا تصور نوع هذه الإعاقة ، وانعكاساتها النفسية على زينب وأهلها ؟


وقد استقر بها الحال بعد مسيرة معاناة مع العلاج والتأهيل في الداخل والخارج ، إلى أن يكون الكرسي المتحرك بديلًا عن قدميها ، وعضلة الفم وسيلة للكتابة عن يديها ، عانت في بداية مشوراها من رفض استقبالها في مدارس الأسوياء حتى فرضت نفسها متنقلة من المدارس الخاصة إلى العامة حتى تجاوزت كل مراحل الصدمات والتكييف مع واقعها الجديد ، وانتقلت إلى مرحلة إعمال الفكر حول مستقبلها .ثم تفجر طموحها في الدراسة في جامعة السلطان قابوس ، وفي كلية العلوم على وجه الخصوص ، وهذا سقف عالٍ جدا من الطموح ، فهل تحقق لطالبة معاقة بشلل من أطرافها الأربعة ، ووسيلتها الوحيدة في الكتابة فمها؟

نظريا ، سنقول بأن الكليات مثل كلية العلوم غير مهيأة لمثل حالتها ، وأنها سترفض جملة وتفصيلا ، وفي البداية ، كان كذلك فعلا ، فلم يكن قبولها مفروشًا بالورود رغم أنها حطمت النسب المئوية في امتحانات الدبلوم العام ، الثانوية العامة سابقا ” لكنها بإصرارها المنقطع النظير ، شكل لها لجنة خاصة لدراسة ملفها ، فما كان أخيرا أن قُبلت في كلية العلوم ، كأول طالبة تعاني من مجموعة إعاقات منذ تأسيس الجامعة .. إلخ .
وفي عام 2017 ، وفي سنتها الجامعية الرابعة ، تدهورت صحة زينب بالتهاب رئوي ، أزّم حالتها الصحية ، واحتاجت إلى جهاز تنفس شق فتحة في حنجرتها ، وتركيب أنبوب التنفس من خلاله .. ثم تعرضت لتلوث بكتيري ، دخلت معه زينب في حالة الوعي واللاوعي .. وهذا طور جديد من أطوار معاناة مسيرة زينب المعقدة جدا ، ولم يكن لها خيار سوى الانصياع للأطباء في الداخل والخارج ، لأن هذا العطل الرئوي كان يهدد حياتها .
وقد رجعت من رحلة علاجها الخارجية بجهاز تنفس وأسطوانة غاز مدتها ساعة ، قابلة للتغيير .. ولنا تصور هذه المعاناة .. ومعها ، دب اليأس واستحكمت حلقات الاستحالة في عودتها للجامعة ، لكنها رجعت لدراستها ، هل تدرون من كان يقف وراء ذلك ؟


• الإيجابيون يصنعون الفارق للآخرين .
من يقرأ قصص الملهمين الثلاثين الذين ننشر صورة منهم في هذا المقال ، سيجد أن وراء كل واحد منهم حافزًا قد اعترض مسيرته ، ونقلها فجأة من قاع الإحباط إلى قمة الامل ، فزينب مثلا ، كان وراءها معلمتها وهي في الصف الرابع عندما طلبت منها أن تمسك القلم بفمها وتكتب ، ترددت زينب في البداية ، لكنها توجهت إلى هذا الخيار بقوة ، فنجحت فيه ، فما أجمل التوجيهات الإيجابية ، وما أروع أن ننشر الإيجابيات في حياتنا لمن حولنا ، لربما ، وهذا من المؤكد ، يحدث التحويل في مسيرة من يحتاجون لها ، فلا تبخلوا بالكلمة الطيبة على كل من حولكم .
وزينب هنا نقدمها نموذجًا للإيجابية هي التي صنعت زينب ، وتجعلها الآن في سنتها الأخيرة في كلية العلوم تخصص ” أحياء” وهو حلمها الذي منعت منه بداية رغم قبولها في كلية العلوم ، ونموذجًا في الوقت نفسه لإرادة التصميم وقوة التحدي اللتين إن تملكتا أية ذات بشرية ، فستتحطم معها كل المستحيلات.
فبعد رحليها للعلاج في الخارج مرة ثانية ، واستحكام اليأس في كل مفاصل حياتها ، كانت رسائل زميلاتها ومعلميها تفتح حلقات ذلك الاستحكام ، حلقة تلو الأخرى من حلقات اليأس ، وكانت لرسالة الجامعة التي تحثها على العودة لمقاعد الدراسة وقت ما ترغب .. كانت بمثابة القوة النووية التي تجعل من زينب ألا تستسلم للمرض الجديد ، وأن تنظر لمستقبل تحقيق تخرجها من كلية العلوم التي ناضلت من أجلها .
ولو وقفنا قليلا ، عند الملهم ليث الكندي الذي فقد بصره منذ طفولته ، فقد كان وراء تحوله ، حديث نبوي سمعه في أحد دروس المسجد عن فضل حفظ القرآن الكريم ، ومكانة الحفظة عند الله جل في علاه ، فرجع إلى بيته وهو في الرابعة من عمره ، طالبا من أمه أن يكون من ” أهل الله ” الكلمة التي دخلت من كل جوارحه لتطير به في عالم النور القرآنيين تعويضا لفقدانه نور البصر ، وقد كانت أمه تؤمن بطفلها رغم وضعيته الخاصة ، فمكنته من تحقيق حلمه .
وكان ذلك في عمر الحادية عشرة حيث حفظ القرآن كاملا ، حفظا وتجويدا ، وكلما يدخل في أية مسابقة قرآنية داخلية وخارجية يحصد جوائزها ، وهو الآن لا يزال طالبًا في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس ، ويحلم أن يكون في يوم ما عميدًا لكلية المكفوفين ، فتأملوا معنا ، كيف أحدث المسجد الفارق في حياة ليث ، وكيف حولته إيجابية أمه من إنسان حبيس زمانه ومكانه ، تنهال عليه شفقات الناس ، إلى إنسان محرر من ثنائية الحبس ، يتربع على قمم الجوائز .

• الإيجابيون يصنعون الفارق للآخرين .




• نورة الكمزارية عاشقة الوطن والسلطان
جلست مع نورة الكمزارية قبل حفل التدشين وبعده، ولمست ذلك العشق بصورة لافتة ، بل تدعو للدهشة ، فرغم أنها جاءت من قرية كمزار ، القرية الصغيرة التي تحتضنها جبال خصب الشاهقة ، إلا أني وجدت عشقها الكبير للوطن والسلطان ـ وهي ومنذ ولادتها قد فقدت البصر ، لكنها كانت ترى الوطن والسلطان ببصيرتها- .
لها صوت ملائكي ، أحسنت به تلاوة القرآن الكريم بتجويده ، وحصدت به الجوائز المتقدمة في الأناشيد والابتهالات ، وسنترك أسماعكم مع صوتها الملائكي كي تنفذوا من خلاله إلى هذا العشق – وهو في المقطع المرفق مع المقال –
وفي أثناء حديثنا معها، وجدت أنه يؤلمها إطلاق المصطلحات الراهنة على مثل حالاتها ، فهي تستنكر مصطلح المعاق ، وتتحدث عن دول مجاورة قد هجرت استخدامه ، وبدلته بمصطلح ” الملهم ” وأخرى بذوي الاحتياجات الخاصة.
• إلى كل إنسان ، أضاءت إيجابيته طريق الملهمين .
كل إيجابي وقف ويقف مع كل ملهم من ذوي الاحتياجات الخاصة ، عليه أن يستشعر الأجر من الله جل في علاه ، و كل إنسان سلبي ، يبخل بكلمة طيبة على من حوله ، عليه فورًا أن يراجع ذاته ، ويتأمل في الإيجابيات التي حولت مسير ممن ابتلاهم الله في صحتهم ، كيف كلمة أو عبارة حولتهم من النقيض إلى النقيض ؟ فهل ستكون الإيجابية عنوان حياتنا ؟
إلى ” 17″ شابًا وشابة يقفون وراء تخليد إنجازات هذه الفئة ، كم أنتم شخصيات استثنائية ؟ شرفكم الله جل في علاه بهذا ، واختاركم من دون الآخرين لخدمتهم ، وقد كنا قريبين منهم مؤخرا ، شاهد عيان على أدوارهم في ليلة ذرفت الدموع افتخارا بما يقوم به جزء أصيل من كياني الأسري تجاه العنصر النسائي في الفئة الملهمة.
كم هي رسالتك عظيمة بنتي خولة ، وأنتِ تقفين معهن في مسيرتهن الدراسية وفي كتابة إنجازاتهن بتعاون مع الآخرين ، نعم ، أنت ومن كان معك ، القادة المجهولون ، لكن عند الله جل في علاه أعلام مشرقة ، ستخلد ما تقومون به في صفحات حسناتكم بأحرف من نور ، فابشروا بالخير .
إلى كل أم وأب .. يعاني مع أبنائه حالات استثنائية ، نقول لهم الخير فيما اختاره الله جل في علاه ، وتعلمون ، كما نعلم ، أنه ما من أمر من الأمور في هذا الكون إلا بقدرة وحكمة بليغة ، فلا تيأسوا ولا تحزنوا ولا تسخطوا ، كونوا كتلك النماذج التي رضت بقدر الله ، وعملت على اكتشاف قدرات أبنائها حتى أصبحوا يقومون بأعمال خالدة .
ولكم فيما يقول كرم الله وجه ، علي بن أبي طالب :
وكم لله من لطف خفي .. يدق خفاه عن فهم الذكي
وكم يسر أتى من بعد عسر .. ففرح كربه القلب الشجي
وكم أمر تساء به صباحا .. وتأتيك المسرة بالعشي
إذا ضاقت بك الأحوال يوما .. فثق بالواحد الفرد العلي
ولا تجزع إذا ما ناب خطب .. فكم لله من لطف خفي

• نورة الكمزارية عاشقة الوطن والسلطان








  1. d981d98ad8afd98ad988-mp4

d981d98ad8afd98ad988-mp4

Your Page Title