رصد - أثير
نظمت الجمعية الاقتصادية الخليجية المساحة الصوتية حول “الاضطرابات الجيوسياسية وانعكاساتها على أسواق الطاقة” بمشاركة الدكتور خالد بن سعيد العامري، رئيس مجلس إدارة الجمعية، والدكتور أنس فيصل الحجي مستشار التحرير في منصة الطاقة المتخصصة، وعلي بن عبدالله الريامي، خبير في أسواق الطاقة، وأكد المشاركون أن العلاقة بين النفط والسياسة لا تنفصل، على الرغم من المحاولات المتكررة لفصلهما خاصة من قبل الدول المنتجة، إذ يثبت التاريخ أن الأحداث الجيوسياسية من الحروب إلى السياسات المناخية والضرائب تؤثر بشكل كبير على أسواق الطاقة، مؤكدين أن بعض الدول مثل إيران كان لها تأثير كبير على أسواق النفط بسبب الأحداث السياسية بها، مبينين أن هناك اختلافات واضحة في استجابة أسعار النفط والغاز للأزمات الجيوسياسية، وتطرقوا إلى أهمية فهم ديناميكيات العرض والطلب والمخزونات، وتناولت المساحة الصوتية التوقعات المستقبلية لأسعار النفط وتأثير العوامل الاقتصادية والسياسية عليها.
وشدد الدكتور أنس الحجي على استحالة فصل النفط عن السياسة منذ بداية هذه الصناعة وحتى الآن، على الرغم من محاولات دول مجلس التعاون فصل السياسة عن النفط إلا أن الطرف الآخر المستهلك لن يفصل السياسة عن النفط، مؤكداً أن تأثيرات السياسة على أسواق النفط لا تقتصر على الحروب والعمليات الإرهابية بل تمتد لتشمل موضوعات الضرائب وتبني السياسات المناخية المحاربة للنفط والغاز والفحم.
ورأى أنس الحجي أن أكبر دولة مؤثرة في أسواق النفط خلال 115 عاماً الماضية هي إيران بسبب الأحداث السياسية فيها، مستشهداً بأحداث تاريخية متعددة من تغيير الحكم إلى الثورات والعقوبات.
وقدم الدكتور خالد العامري أمثلة على تذبذب أسعار النفط بعد أحداث جيوسياسية كبرى مثل ارتفاع أسعار الخام بنسبة 5% بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ثم انخفاضها في غضون 14 يوماً بنحو 25%، وكذلك ارتفعت أسعار النفط أثناء غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022 بنحو 30% خلال الأسبوعيين الأولين للحرب، وانخفاضها لاحقاً وعودتها إلى مستويات ما قبل الحرب بعد حوالي 8 أسابيع، والأمر ذاته حدث خلال أحداث 7 أكتوبر 2023 إذ ارتفعت الأسعار بنسبة 4% ثم استقرارها لاحقاً.
وأشار إلى أن الدول المصدرة تتبنى إستراتيجيات مرنة لإدارة تأثير الأوضاع الجيوسياسية على قطاع النفط والغاز، مثل تنويع الأسواق، وتعزيز الاستثمارات في الطاقة البديلة، وتطوير سياسات مستقرة لضمان أمن الطاقة، إذ يساعد هذا النهج في تقليل المخاطر وضمان استقرار تدفق النفط والغاز إلى الأسواق العالمية .. مشيراً إلى أن الاضطرابات الجيوسياسية تفرض تقلبات حادة في الأسواق، مما ينتج عنه تحديات كبيرة على الدول المنتجة والمستهلكة، وكذلك على الشركات العاملة في هذا القطاع، ويتطلب التعامل مع هذه التحديات فهمًا عميقًا للعوامل الجيوسياسية وآليات التأثير التي قد تؤدي إلى تغيرات في العرض والطلب العالميين.
وقدم الدكتور أنس الحجي مقارنة بين حرب روسيا على أوكرانيا والحرب الإسرائيلية الإيرانية حيث قال: عندما نتكلم عن روسيا حصل الغزو الروسي على أوكرانيا في فبراير 2022 مباشرة بعد انتهاء الاغلاقات وخروج العالم من أزمة كورونا، وانفتاح الاقتصاد العالمي والنمو في الاقتصاديات المختلفة والاستهلال الكبير للنفط والغاز، بينما في حالة حرب إسرائيل على إيران هناك وفرة في المعروض وانخفاض في النمو الصيني وتباطؤ في الاقتصاد الأمريكي.
وعبر علي الريامي عن استغرابه من عدم حصول ارتفاعات كبيرة في أسعار النفط أثناء الحرب الإسرائيلية على إيران رغم أن المنطقة تضمن دولاً منتجة للنفط بحدود 25% من الاحتياج العالمي من النفط، وتضم أهم ممرين وهما مضيق هرمز ومضيق باب المندب، إذ لم تتجاوز أسعار النفط 80 دولارا للبرميل ثم تراجعت إلى السبعينيات ومنها إلى الستينيات.
ممرات الطاقة المائية
وأكد الدكتور أنس الحجي أن القوى المختلفة التي تعاقبت على العالم تحاول دائماً السيطرة على الممرات المائية أو حماية الممرات المائية، مشدداً بأن إيران لا يمكنها إطلاقا إغلاق مضيق هرمز إذ أن المضيق في أضيق نقطة له 33 كيلومتراً لن تستطيع البحرية الإيرانية السيطرة على هذه المساحة مع التأكيد بوجود حماية دولية وتحالفات بحرية في المنطقة.
وكشف الحجي أن أغلب الملاحة في مضيق هرمز هي في المياه العمانية وليس في المياه الإيرانية، والسبب أن مياه المضيق من الجانب الإيراني ضحلة، وليس من مصلحة إيران على الإطلاق إغلاق المضيق لأن 80% من وارداتها تأتي يومياً عبر هذا المضيق.
وحذر الحجي الاعلام العربي من الترويج لفكرة إغلاق مضيق هرمز، مشدداً أن ذلك يخدم المصالحة الأجنبية مثل منتجي النفط الكندي والنرويجي والأمريكي ولا يخدم الترويج لمثل هذه الأفكار المنطقة بتاتاً.
وأوضح الدكتور أنس الحجي أن الدول الثمانية في أوبك بلس لم ترفع الإنتاج بس رفعت الحصص الإنتاجية، وأن ما يؤثر في الأسعار هي الإمدادات وليس الإنتاج، مع العلم أن أغلب هذا النفط موجود سلفاً، وقد تجاوزت بعض الدول في مجموعة الثمانية الإنتاج مثل كازاخستان والعراق، وزيادة سقف الإنتاج كان أغلبها على الورق فقط .. مؤكداً أن الطلب يزداد في دول مجلس التعاون على التكييف خلال فصل الصيف، وهذا يزيد الطلب على الكهرباء إذ يتطلب حرق مزيد من النفط، وهذه الزيادات تذهب إلى الاستهلاك المحلي.
ويري الحجي أن قرار أوبك بلس بزيادة الإنتاج يهدف إلى الحفاظ على مصداقية المنظمة وهذا الأمر له ثمن عالي جداً في ظل تجاوزت بعض الدول لحصصها.
تأثيرات السياسات الأمريكية
ووصف علي الريامي تدخلات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قرارات الأوبك واضحة، وخاصة ما يكتبه الرئيس في وسائل التواصل الاجتماعي، مع العلم أن هذه التصريحات متضاربة ومنها على سبيل المثال تصريحاته المتضاربة حول تصدير النفط الإيراني.
وأوضح الحجي أن المشكلة الأساسية التي نعاني منها الآن هي انخفاض معدلات النمو الاقتصادي حول العالم خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الصين نتيجة الحروب التجارية، ولكن السبب الأكبر هو تقلب ترامب السريع، وهذا التقلب في التصريحات يوقف الاستثمار ويؤثر على النمو الاقتصادي.
التوقعات المستقبلية للخام
وتوقع علي الريامي أن تبقى أسعار النفط في الربع الثالث من العام الجاري ما بين 68 ـ 67 دولاراً للبرميل، مع التخوف في الربع الأخير من انخفاضها إلى 65 دولاراً للبرميل، وبشكل عام لن تنخفض أقل من 65 دولاراً بنهاية العام الجاري.
ويرى الحجي أن أساسيات السوق تدعم أسعار أعلى مما هي عليه حالياً، وأن الأسعار يجب أن تكون فوق 70 دولاراً حالياً، ويتوقع ارتفاع الأسعار بشكل أكبر خلال فترة الصيف بسبب موجة الحر، وتراجعها في الربع الأول من عام 2026 بسبب انخفاض الطلب الموسمي.
وعبر الحجي عن مخاوفه من حصول ركود اقتصادي، مدعوة بمشروع ضخم لترامب قد يزيد الديون الأمريكية بشكل هائل وهذا سينعكس على أسعار الفائدة والاقتصاد الأمريكي، أما إذا حصل اتفاق تجاري بين الصين والولايات المتحدة كما يقول ترامب خلال الأسابيع القادمة فلن نرى انخفاض أسعار النفط في الربع الأول من العام المقبل إذ سيكون هناك نموًا اقتصاديًا في كلا البلدين وهذا يتطلب زيادة استخدام النفط بشكل كبير.