أثير- د.عبدالله باحجاج
لسنا في حاجة هنا إلى تقديم الاستدلالات على التحول الخليجي ” شكلا وجوهرا ” تجاه الكيان الصهيوني – العدو – و قد أصبح معلوما بالضرورة ، لكن غير المعلوم ، الأسباب التي تدفع بدوله- أي الخليج – نحو هذا التحول منذ الخامس من يونيو 2017 وحتى الآن ، وهذا التاريخ سيقودنا وبسهولة إلى فهم ما يظهر فوق سطح كل عاصمة خليجية منذ ذلك التاريخ ، ثم المخاطر التي ستواجه الخليج العربي ” جماعة وفرادى ” .
وفي هذا المقال ، سنحاول تفنيد أكاذيب الرئيس ترامب ومزاعم إدارته برغبتها في حل الخلاف الخليجي ، والتأكيد على أن – أي الخلاف – من صناعة دوائر استخباراتية صهيونية ، ومحكوم عليه – أي الخلاف – بالديمومة حتى تتحقق الأجندات ، وما هي طبيعة الأجندات ؟ هل فقط ابتلاع الأراضي وسلب الثروات أم لها أجندات ثيولوجية – أي دينية – ؟ وإلى أين وصلت جهودها في تحقيق أجندتها المعلنة والخفية ؟ وما علاقة صدنوق النقد والبنك الدوليين في تحقيق هذه الأجندة؟
مقال يكشف فوق السطح الاجندات الخفية في الخليج ، ويدق ناقوس الخطر ، ويحذر من مؤسسات وأطر فكرية قد انتقلت للعمل في الخليج لدواعي تحقيق الأجندة الخفية بتوافق تام مع السياسة الأمريكية في عهد ترامب ، وبضغوطات منها على الأنظمة في المنطقة ، غايتنا في ذلك ، رفع الوعي السياسي الخليجي ، وإحساسه بدرجات الخطورة الصهيونية على بلدانه، وإنه يشكل على المدى المتوسط أكبر المخاطر التي تواجه دول الخليج .
· الكذبة الأمريكية لحل الخلاف الخليجي الخليجي
وهنا نتساءل هل ترامب مع وحدة الخليج ؟ بمعنى آخر ، هل المصلحة الأمريكية الصهيونية تكمن في حل الخلاف الخليجي أم في بقائه ؟ نطرح هذا التساؤل ، لأن العقل السياسي لا يتصور أن يفشل ترامب في حل الخلاف إذا ما أراد فعلا ، خاصة بعد ما أصحبت كل دولة خليجية في وضعية تقبل الإملاءات الامريكية والصهيونية ، هذه من مسلمات علاقة ترامب بدول الخليج العربية ، فلو أراد ترامب حل الخلاف لفعل ذلك هاتفيا فقط .
إذًا ، لماذا يكذب ترامب وإدارته علينا ؟ فكل ما يصدر من العاصمة الأمريكية عن رغبتها في حل الخلافات بين الخليجيين ، مجرد كلام تعارضه الأفعال ، وإن هذا الخلاف صناعة أمريكية صهيونية ، وديمومته يحقق للصهاينة مكاسب كبرى لن تتحقق في إطار العلاقات الطبيعية بين الدول الست ، أنظمة وشعوبا ، لذلك صنعت العداوات بين الأنظمة فيما بعضها البعض من جهة وشعوبها ضد شعوبها من جهة ثانية منذ استلام ترامب الحكم في أمريكا ، وجعل بعض دولها وشعوبها في حالة اصطفاف عدائي ، وكجزر شبه منعزلة ، يسهل عليها الاستفراد بها ، ثم تحقيق أجندتها في المنطقة كلها .
والنتيجة حتى الآن ؟ ما نراها الآن من حالة استعداء بين الأنظمة الخليجية ، وتقوقع كل شعب خليجي داخل حدوده الجغرافية وفتح صراعات شعبوية على الحدود والتاريخ المشترك بعد تصفية قواه الحية في بعض العواصم ، وجعل منظومة ولاء كل شعب لنظامه تصل إلى الجنون السياسي ” تقبيل حذاء الأنظمة ” نموذجا .
فحتى الحد الأدنى من التعايش أو العيش بين الدول الست .. لن يكون في صالح تحقيق الأجندة الأمريكية الصهيونية ، ومن ثم فقد نجحت الإدارة الأمريكية في استفراد بكل نظام خليجي عبر وسائل تدرجية متصاعدة ، بدأت بزرع الخطر الوجودي ثم بابتلاع الأموال ، وأخيرا تفكيك الحد الأدنى من العيش المشترك بين دوله ، عبر تفجير الخلاف الخليجي في يونيو عام 2017 ، واستمراريته حتى الآن .
لذلك ، لن نصدق ترامب ولا وزير خارجيته مايك بومبيو بشأن وحدة الخليج ، فهذه كذبة قد حاول بومبيو في الكويت في أول محطة له لجولته في المنطقة تمريرها علينا ، وذلك عندما قال إن الخلاف الخليجي ليس في مصلحة أحد، ، فوراءه ما وراه من خبث سياسي مغلف بتصريح دبلوماسي ، فهل يعقل أنه لو أراد ترامب حل هذا الخلاف سيستعصي عليه حتى الآن ؟ وقد نجحت إدارة ترامب الآن في تأطير هذا التفكك الخليجي في رؤية استراتيجية تكرس الخلاف وتعمقه ، ومن خلاله حققت نتائج كبرى حتى الآن ، وهذا ما سنحاول تناوله في الفقرة التالية :
· نتائج الاستفراد الأمريكي بكل دولة خليجية .
بدأت هذه النتائج مثيرة وتصاعدية ، ومرتبطة مع تصاعد حدة الخلافات بين الدول الست ، ومع جهر بعضها بأطماع جيواستراتيجية تجاه الشقيق الجار أو إقليمية مطلة على البحار المفتوحة ، مما أدخلت الدول الست في حرب باردة ، والغرابة هنا أن أمريكا تقف حامية الكل من بعضهما البعض ، ضد خطر هي أصلا ضامنته ، وهنا تبدو واشنطن صناعة الخلاف بين هذه أنظمة هذه الدول ، وهي في الوقت نفسه حامية الأنظمة من تداعياته ، حيث استفردت بكل دولة على حدة من خلال فرض سياسة الحماية مقابل النفط .
وفي حقيقة الأمر ، فإن العدو الصهيوني هو المستفيد من كل ما يحدث داخل منطقتنا الخليجية ، بل وفي المنطقة العربية كلها ، بحيث يظهر العدو وهو يكرس هيمنته على المنطقة وفرض وصاياه على كل دولة ، مما وجدت كل دولة نفسها في مشهد مرتبك كثيرا ، أقدمت من خلاله على الدخول في سباق نحو كسب الكيان الصهيوني مباشرة تجاوزًا للبوابة الأمريكية .
وفي ظل هذا المشهد ، تحققت حتى الآن نتائج سياسية واضحة العيان دون أية مقاومة عربية متوقعة ، أبرزها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة والاعتراف بصهيونتها وهو ما كان يمر لو لم يقع هذا التفكيك ، ومؤخرا ، يصدر ترامب صكًا رئاسيًا بصهيونية الجولان السورية المحتلة ، فماذا بعد هذه الخطوة ؟ من سيأتي عليه الدور ؟
· الأحلام اليهودية في المنطقة الخليجية
هذه الأحلام ليست سرية ، ويتعاظم شأنها هذه الأيام مع هيمنة الكيان المغتصب على المنطقة ، ومن خلال متابعتنا العميقة لهذا الملف ، لاحظنا تزايد الاهتمام الصهيوني المؤسساتي فيما يُسمى بالممتلكات الصهيونية في الخليج والجزيرة العربية ، أبرز هذه المؤسسات الدائرة التي أنشأتها ما يسمى بوزارة العدل الصهيونية ، حيث تقوم بعلمية الحصر في كل الدول العربية ، كما تنشط مراكز البحوث الصهيونية الآن في إعداد ملفات عن ممتلكات اليهود التاريخية في الخليج والمنطقة العربية وكذلك التشكيلات القبلية اليهودية في الدول العربية .
وفي هذا الإطار ، عادت مجموعات يهودية متدينة للادعاء حول “ممتلكات يهودية” منذ ألف وخمسمائة عام في السعودية وهي خيبر وقينقاع وبني النضير ، وتتحدث المصادر عن خريطة مرسومة على عملة معدنية إسرائيلية ” لأرض إسرائيل” تشمل أجزاء من السعودية وأجزاء من العراق وسيناء وأجزاء من مصر إضافة لفلسطين والأردن وسوريا ولبنان . وهذه الخريطة تعبر عن الأحلام اليهودية .
هل نتوقع أن يرفع الصهاينة قريبا ” مبدأ العودة إلى هذه الأراضي أم التعويض عنها ؟ بل الأخطر ، وكل من يتابع بدقة ما يحدث وراء كواليس انفتاح علاقات بعض دول الخليج مع الكيان الصهيوني ، سيتضح له ماهية الأجندات الصهيونية المقبلة في خليجنا الإسلامي ، مما نكشف هنا بصوت مرتفع عن خطر إحياء اليهودية في الخليج عبر محاولات ارتداد المسلمين ، والدليل في الفقرة التالية .
* إحياء اليهودية في الخليج العربي .
وهنا ندق ناقوس الخطر المرتفع ، فقد وصلت عملية إحياء اليهودية في المنطقة إلى مراحل تنفيذية متقدمة ، ومخطط لها أن تشهد المنطقة مرحلة ارتداد جديدة نحو اليهودية والنصرانية وهذه حقيقة توصلنا إليها بحثيا عبر مجموعة أدلة سنؤكدها في هذه الفقرة ، لعل أبرزها : إقامة مجلس يهودي مع دولة خليجية حديثا ، مقره داخل هذه الدولة ، وقد عُيّن له رئيسٌ يهوديٌ اسمه روس كريل الذي أشاد مؤخرا بدور هذه الدولة في ” إحياء اليهودية ” وقال كذلك إن “أملنا هو إعادة إشعال نور التقاليد اليهودية في المنطقة ،، جاءت هذه الإشادة بعد افتتاح أول كنيس بها تقدم دروسا بالعبرية وطعامًا حلالا حسب الديانة اليهودية ، وقد عُين حاخامٌ لها مؤخرا ، ويوجد في الدولة ذاتها حاخام من أصل أمريكي يُدعى مارك شنير، مهمته العمل على «تطوير الحياة اليهودية» في خمس دول خليجية ، وصل به القول صراحة وحرفيا ” أشعر براحة وأنا ارتدي القبعة اليهودية في هذه الدولة الخليجية أكثر من برلين” .
ولدواعي الاختصار ، نكتفي بهذه الأدلة القاطعة ، ولو عرضنا كل ما توصلنا إليه في عملية بحثنا ، سنرى أن خمس دول خليجية ودولة عربية كبرى، تتسابق في فتح أبوابها لليهودية عبر إقامة كنائس أو ترميمها أو السماح بحاخامات يهودية في الإقامة على أراضيها، ومؤخرا احتفلت إحدى المؤسسات الإسلامية المعروفة في الخليج بذكرى الهولوكوست ، شجبت فيه منكري الهولوكوست.
· الخاتمة الصادمة .
هكذا نفتح لليهود كل الأبواب الخليجية لإحياء اليهودية بل وتهويد كل شيء حي وجامد بما فيهم البشر ، ولو تركناهم يمضون في تنفيذ مخططاتهم ، فسينجحون – وفق معطياتنا العقلانية- فكل الظروف متهيأة وستُهيأ لهم بصورة كاملة ، فهم يملكون المال والإرادة ، ومعهم السياسة الدولية ، ومجتمعاتنا الخليجية يمارس عليها صندوق النقد والبنك الدوليين سياسية الإفقار الممنهجة من جهة ، وترهيب نخبها الفكرية والزج بهم في السجون وصناعة الخلافات وتعميقها بين الأنظمة وعزل شعوبها داخل حدودها من جهة ثانية .. وهذه كلها بيئات تمكن المبشرين باليهودية وحتى النصرانية من كسب الجيل الجديد بأرخص الثمن ، وظيفة أو مسكن أو حفنة من مال ..إلخ .
ومن هنا ، نرى مدى التقاطع والتناغم بين الأجندة اليهودية السياسية داخل منطقتنا الخليجية وأدواتها التنفيذية ممثلة في الصندوق والبنك الدوليين ، الأولى تمارس أعلى الضغوطات القهرية والوجودية على الأنظمة ، وقد نجحت بامتياز ، والثانية ، تهيئ البنى التحتية لإحياء اليهودية داخل دولها ، وهيمنة الكيان المغتصب على المنطقة كلها ، والطريق أمامها مفتوح الآن .
ولا يمكن تصور أن الضيوف الجدد ” اليهود ” الذين حلوا داخل مفاصل خليجية سيكتفون بالجغرافيا المخترقة فقط ، بل ومنها سيتمددون تحت عدة غطاءات قانونية ، وسيعملون على اختراق مجتمعاتها بعد أن يكون صندوق النقد والبنك الدوليان قد مهدا لهم ظروف وبيئات نجاح الاختراق .. فلو نجحت ، فالجيل الخليجي كله في خطر .. فهو يتأسس الآن على تآكل المنظومة القيمية والأخلاقية وتراكم أعداده سنويا على قائمة الباحثين عن عمل .. ومن يملك المال ، سيكسب هذا الجيل في ظل تحولات دور الدولة الخليجية ، من هنا يفكر اليهود ويخططون له ويتوقعون أنهم سينجحون .. فالمشهد مخيف يا أهل الخليج .