أثير – د.عبدالله باحجاج
كيف علم الإعلام الأجنبي بقضية هذا الشاب رغم محليتها والتي لم تأخذ زخما وطنيا حتى يعلم بها الخارج؟ ومن وراء إثارتها خارجيا؟ تساؤلان يفتحان تقاطع الإعلام الخارجي مع قضية هذا الشاب من تلكم الزوايا الحادة جدا، فمنذ أن علمنا بهذا التقاطع من طرف ثالث، سارعنا إلى الاقتراب من هذا الشاب رغم علمنا المسبق بقضيته المثيرة، وعناصر الإثارة فيها كثيرة، وكلها ثقيلة على هذا الشاب، بل هي كالجبال عليه، لكن محاولة تدخل الخارج الآن فيها، يشكل أكثر العناصر إثارة.
هل تقاطع الخارج مع هذه القضية، لأن وراءها عنصرا نسائيا؟ وهن قد أصبحن مادة سياسية للضغط على الدول خاصة وأن وراءها شابًا يشعر بالظلم، وتكتنفه خسائر مالية كبيرة؟ نحاول هنا أن نضع قضية التدخل الأجنبي مع هذا الشاب في السياقات الظرفية وخلفياتها من جهة وفي الوقت نفسه، نقدمه كنموذج للشاب العماني الذي لم يدفعه شعوره بالظلم الكبير وخسائره المالية الكبيرة عليه وعلى أسرته في عرض قضيته على الرأي العام الدولي.

وهذه هي الوطنية، فهي وعي بتداعيات الفعل على وطنه قبل اتخاذه، وهي عاطفة انتمائية وولائية، تكبح الفعل وتعقلنه رغم ما في النفس من انفعالات داخلية قوية، ليس لها توصيف سوى تشبيهها كالعاطفة الحميمية التي تربط علاقة الأسرة الواحدة.. هكذا وجدت علاقة هذا الشاب بوطنه، وهكذا صنعت هذه العلاقة وعي هذا الشاب تجاه وطنه.
والإعلاء من شأنها يستوجب طرحها للرأي العام، لكي تضيف لبنة فوق لبنات صرح الوعي عامة، والشباب خاصة، وما أحوج بلادنا لمثل هذا الوعي عند جيلنا الجديد، وبالتالي ما أحوج هذا الجيل لكي يتعرفوا على قصة هذا الشاب أولا وكيف أنها كانت يمكن أن ترمي أو تقحم الخارج في شأننا الداخلي، لولا وعي هذا الشاب؟

التباين بين فكر الجيلين
لابد من تأصيل هذه القضية، ووضعها ضمن مسار فكرين متعارضين، فكر الشباب الذي ينظر للمستقبل وفكر جيل قديم، بدأ وكأنه حارس على الماضي بكل منتوجاته، يمنع عبور أي فكر جديد من خارج الصندوق أو يخترق حراساته، فظهرت فوق السطح، نخب في مختلف مواقع المسؤولية الحكومية تقف بعيدة كل البعد عن فهم فئة الشباب، واستيعاب تطلعاتهم وتحقيق آمالهم، ففي كل مرة، تخرج لنا نخبة بفكر يعكس سوء الفهم، ويباعد المسافات مع الشباب، آخرها فكر تعمين الحلاقة والزعم بعائدها المجزي، وتصريحات رفيعة تقلل من تأثير السياسات المالية والاقتصادية “الضرائب ورفع الرسوم” على المجتمع.
فهل يمكن الرهان على وعي الشباب لوحده في مواجهة التحديات المقبلة؟ ربما علينا أن نقدم تجربة هذا الشاب من محافظة ظفار واسمه “محمد بن عبدالله الذهب” في الثلاثينات من عمره، نقدمه هنا كنموذج للشاب العماني الذي رفض الخارج أن يتقاطع مع قضيته رغم مآلاتها السلبية عليه، فهذا الشاب اهتدى من خلال أعمال فكره إلى إقامة مجمع تجاري كبير للنساء في تحليل منه لحاجة مجتمعه لهذا النوع من المشاريع التي تفتح المجال لتطوير الذوات والانفتاح مع الحداثة من منظور الخصوصيات.
فقد كان يقلقه رؤية الكثير من النساء “التاجرات” ورائدات الأعمال يمارسن المهنة في استحياء، ولا تلاقي منتوجاتهن الرواج، فجاءته فكرة استقطابهن في مشروع تحت سقف تجاري واحد، لإطلاق قدراتهن الإنتاجية وتحسين أوضاعهن المعيشية، والكثير منهن أرامل ومطلقات.. لا تسمح خلفياتهن الاجتماعية بممارسة التجارة المفتوحة الفضاءات.

درس الفكرة في معامل الفكر، وعصف ذهنه في بلورتها حتى نضجت، ثم انتقل إلى مرحلة التنفيذ، وأسس شركة “عالم المرأة لريادة الأعمال، وعلامتها التجارية “ليديز مول” ثم وقع مذكرة تفاهم مع غرفة تجارة وصناعة عمان فرع محافظة ظفار، بحضور مدير عام التجارة والصناعة بظفار السابق ورئيس الغرفة ومدير صندوق رفد –كما يظهر في الصورة المرفقة-.
واستأجر مبنى كبيرا إيجاره الشهري “8500” ريال، وبلغت تكاليف المشروع أكثر من “100” ألف ريال، غير أنه لم يستمر في مشروعه سوى ستة أشهر فقط، فقد تم إغلاقه من قبل أصحاب الفكر القديم، مما وجد هذا الشاب نفسه، وهو أب لأربعة أولاد، ويحمل درجة الماجستير في إدارة أعمال بتقدير امتياز وبكالوريس تسويق، يحمل والده نصف تلكم الديون وفوائدها، وشريكته النصف الآخر، وهذا زلزال ثقيل على هذا الشاب الذي ليس له وظيفة حكومية أو في القطاع الخاص، وسيظل على هذه الهوية بعد أن أخذ قرضا من صندوق رفد، وهذا يحرمه من أية فرص عمل أخرى.
ويرى هذا الشاب أن المؤسسات الإقليمية قد وقعته في الفخ، فلو بلغ مبكرا من قبل أية مؤسسة حكومية على عدم مشروعية مثل هذه المشاريع، لما أصر على تنفيذ مشروعه، بل وجد من كل الفاعلين داخل المؤسسات الحكومية الإقليمية كل دعم وتشجيع، منقطع النظير.. كالشخصيات التي شاركت معه حفل توقيع مذكرة التفاهم “يراجع الصورة المرفقة– بل ربما لن نجد أية مادة قانونية صريحة تجرم مثل هذه الأعمال التجارية.
ولن تفسر قضية هذا الشاب إلا من خلال تباين الفكرين “القديم والجديد” وتعارضهما في استيعاب تعاقب المراحل الزمنية على مسيرة تطور المجتمع سواءً في ظل الأزمات المالية والاقتصادية أو غيرها، فبقاء المجتمع جامدا في آلياته وميكانزماته مسألة متجاوزة، وكل من يصر على الاحتفاظ بنفس الأشكال الاجتماعية التي أنتجتها مرحلة السبعينيات، لا يدرك عواقب المآلات الداخلية المقبلة وتقاطعها مع الخارج.
- شأننا مترصد بعيون مخترقة
يبدو لنا “دون شك” أن هناك عيونا أجنبية أو بالوكالة عنها، تراقب عن كثب شأننا الداخلي بتفاصيله الدقيقة والعميقة، وتحاول استغلال احتقاناته وما يظهر فوق سطحنا من صور سلبية، وتحاول إثارتها لدواعٍ كثيرة لأجندة خارجية، بدليل، تمكن هذه العيون من الوصول إلى هذا الشاب من خلال عدة أبواب، عارضة عليه مناقشة قضيته عبر إذاعة دولية مشهورة جدا.
فما كان من هذا الشاب، إلا أن رفض فتح قضيته للرأي العام العالمي، مفضلا الخيار الوطني فقط، وهو يعد الآن ملفا كاملا لمخاطبة سلطات بلاده العليا، لاعتقاده بالظلم، واعتقاده أن الفهم الرسمي قد غابت عنه خلفيات وتقديرات حاسمة في قضيته.
وهذه السيكولوجية مقدرة، فكل الفاعلين على المؤسسات المختصة بالشأن الاقتصادي قد دفعت به إلى إقامة هذا المشروع، والآن تتنصل عنه، بحجة أن خطابا مركزيا قد جاء من وزارة التجارة والصناعة، يطالب بإغلاق هذا المشروع لتكيفيات مثيرة للجدل مستندة لمواد في النظام الأساسي للدولة دون الاستناد إلى مرجعية قانونية.
- وأخيرًا
هل نترك هذا الشاب لوحده يعاني من ديون تراكمية في ظل الحيثيات سالفة الذكر بعد أن دفع به فاعلون إقليميون يديرون فروعا رئيسية للإدارات المركزية في ظفار إلى إقامة مجمع تجاري للتاجرات العمانيات؟ وما الضرر في إقامة هذا النوع من المولات؟ لو بحثنا في حجم الخسائر المترتبة على هذا المشروع، فسنجد أن هناك أطرافًا أخرى نسائية قد وقعت في المديونية الخاسرة، وقد تتشارك هذا الشاب في نصف الخسارة، وهى تعاني بدورها في صمت قهري، وعلامات القهر واضحة في سيكولوجية هذا الشاب كذلك، ورغم ذلك لم يقده وعيه الصغير في سنه، الكبير في مضامينه إلى الاستقواء بالأجنبي بعد أن أتى إليه.
وهذا وعي نراهن عليه كثيرا خلال المرحلة المقبلة التي ستشهد محاولات اختراقية من قبل الخارج، وقد أصبحت لها مؤسسات وأطر وكوادر فكرية داخل منطقتنا الخليجية، لكن، كم سيكون عندنا مثل وعي هذا الشباب؟ فلما سألته عن سبب رفضه للإعلام الأجنبي، رد متسائلا: ماذا يمكن أن يفعله هذا الإعلام لقضيتي سوى البلبلة والتشويش على وطني؟ هل هذا الموقف يحرك فينا أية مشاعر تعاطفية مع هذا الشباب؟
وفي نهاية هذه القضية، يظل هناك تساؤلان ينبغي طرحهما وهما: هل المولات النسائية ممنوعة بنصوص قانونية في بلادنا؟ وما ذنب هذا الشاب أن يقدم على فتح مول خاص بالنساء بعد أن شجعه ووقف معه كبار المسؤولين المشرفين على مؤسسات حكومية ورسمية في محافظة ظفار، وقد افتتحه رسميا وزير عماني؟ نرجو تقدير موقف هذا الشاب من كل الزوايا والاعتبارات التي أثرناها سابقا.. القضية مفتوحة..