أثير – جميلة العبرية
وضعت أجهزة التقنية والاتصالات بين أيدينا العالم أجمعه، وسهّلت لنا سبل التواصل والمعرفة، وهو أيضا ما فعلته وسائل المواصلات المختلفة التي أصبحت تتنافس في مَن يُحقق سرعة الوصول مع جودة الصنع وتوفير سبل الراحة بأعلى مستوى لنيل رضا الناس.وأن تمتلك إحدى تلك الوسائل وتقودها لابد أن يكون لديك رُخصة قيادة، وكي تنالها لابد أيضا لك من دخول اختبارات عدة وهو ما أصبح منظمًا في العصر الحالي.
لكن بالرجوع إلى زمن ما قبل النهضة العمانية نجد أن الحصول على هذه الرخصة وامتلاك وسائل النقل لم يكن أمرًا يسيرًا، وهو أمرٌ وضّحه لـ “أثير” سعادة عبدالله بن محمد بن جمعة البلوشي عضو مجلس الشورى ممثل ولاية المصنعة الذي تحدث عن حكاية والده في مجال النقل البري وكيف حصل على رخصة القيادة في تلك الحقبة.
ابتدأ البلوشي حديثه بأن والده محمد بن جمعة البلوشي (مواليد 1939م ) بدأ حياته في ولاية مطرح، ثم انتقل إلى ولاية المصنعة للعيش مع والده وتعلّم قيادة المركبات، موضحًا بأن تعليم القيادة في نهاية الخمسينيات كان مقتصرًا على الإنجليز الموجودين في السلطنة آنذاك، حيث إنهم كانوا أول من امتلك هذه المركبات، التي كان عددها قليلا. وكان الإنجليز يستعينون ببعض العُمانيين في عمليات التنقل بين المحطات المختلفة، فمثلا كانوا ينقلون الناس من دبي إلى صور وإلى صلالة، ومن مسقط إلى مطرح.

وأضاف بأن والده قد بدأ مزاولة المهنة في عمر صغير يكاد لم يكمل الـ 15 ربيعا، وهو من أوائل من حصل على رخصة القيادة ونجح في اجتياز اختبارها، وكان صاحب السمو السيد طارق بن تيمور آل سعيد هو من يجري لهم فحص القيادة في عقبة مطرح حيث كان الاختبار (حسب حكايات والده) صعبًا وليس سهلا على الفرد اجتيازه، موضحًا ” لكن الوالد استطاع أن ينجح في الاختبار ويحصل على الرُخصة، فرخصة والدي (محمد بن جمعة البلوشي) تعود لعام 1954م أي قبل 65 عاما”.
وواصل البلوشي سرد الحكاية قائلا: بعد ذلك وبحكم أن الوالد كان ينقل الأشخاص أو البضائع من محطات مطرح إلى دبي أو صحار أو المصنعة، فكونه كان يقطن في ولاية المصنعة احتاج أن يعمل له مثل الورشة (ورشة تصليح السيارت) في حالة الأعطال بالرغم من قلة المركبات في ذلك الوقت وعددها المحدود وعدد الناس الذين يمتلكونها، فقام بتأسيس أول ورشة في زاوية من بيته الذي يسكن فيه، وهذه كانت أول ورشة تصليح لمركبات في المصنعة التي توسعت لاحقًا ونُقلت لموقع اسمه مزارع الشعيبي في المصنعة أيضا.

وذكر: مع التنقلات بين ولايات السلطنة وإمارة دبي زاد وتحسن الدخل، فكان يتنقل من مسقط إلى صحار ومن مسقط إلى صور ومن المصنعة إلى صور، الأمر الذي دعاه إلى فتح ورشة تصليح المركبات في صور كفرع آخر بمشاركة أحد الأشخاص من ولاية صور وليسهل عليه في حالة الأعطال، ومن حينها بدأ الوالد بالتوسع قليلا، فبعد ما كان ينقل ركابًا وبضائع فقط، بدأ يشتري ويبيع في (المركبات)”.
وأضاف: تراكمت الخبرة، وبهذه الخبرة أصبح الوالد معروفًا بين الناس في هذا المجال، وهنا أذكر موقفا لأبي يقال بأنه من المواقف الكبيرة في زمنه، فيقال إنه في دبي استعان به اليابانيون أول ما جاءوا بمركبات (التويوتا) في الخمسينيات أو الستينيات، والاستعانة جاءت لمعرفة درجات الحرارة في دول مجلس التعاون، فلم يكن يعلمون طبيعة طقس دول الخليج الأمر الذي دعاهم للبحث عن خبير في هذا المجال، فتواصف الناس لهم عن محمد بن جمعة الذي سيفيدهم في هذا الشأن، فساعدهم في إجراء اختبارات لدرجات الحرارة التي من الممكن أن تتحملها مركبات التويوتا المستوردة للخليج حيث أُجريت في (دبي).

ويطلعنا البلوشي أيضا على أن والده في بداية السبعينيات ” 1971 أو 1972″ فتح تقريبًا أكبر ورشة تصليح سيارات في خط الباطنة برفقة شركات (الزبير، وتاول وبهوان)، ولم يكتفِ فقط بالمركبات الخفيفة فامتلك معدات ثقيلة كأول شخص يملكها في خط الباطنة. مشيرا سعادته إلى أنه الوحيد من إخوانه الذي توجه لهذا العمل مع والده وقام بشراء أسهم فيها حيث تمكّن من شرائها بعد وفاة والده، مؤكدًا بأن استفاد من والده في كيفية الاعتماد على النفس وكيف يكون عصاميًا.
وبيّن البلوشي التحديات التي واجهها والده مؤكدًا بأن الحقبة ما قبل حكم جلالة السلطان كانت صعبة مع وعورة الشوارع ووجود نقاط تفتيش مستمرة على طول الشارع، موضحًا في ختام حديثه لـ “أثير” بأن والده حصل على جائزة من شرطة عمان السلطانية عام 1990م تكريمًا له كأفضل سائق وأيضا لعدم وجود أي مخالفات مرورية أبدًا في رخصته التي لا يزال يحتفظ بها لحد الآن.

