زاوية تربوية

د.رجب العويسي يكتب: هل ستقدم مؤسسات التعليم والتدريب مائدة صيفية متكاملة للباحثين عن عمل؟

د.رجب العويسي يكتب: هل ستقدم مؤسسات التعليم والتدريب مائدة صيفية متكاملة للباحثين عن عمل؟
د.رجب العويسي يكتب: هل ستقدم مؤسسات التعليم والتدريب مائدة صيفية متكاملة للباحثين عن عمل؟ د.رجب العويسي يكتب: هل ستقدم مؤسسات التعليم والتدريب مائدة صيفية متكاملة للباحثين عن عمل؟

د. رجب بن علي العويسي – خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية
مجلس الدولة


يطرح تساؤلنا  جملة من الموجهات التي ينبغي أن تضعها مؤسسات التعليم والتدريب الوطنية في قائمة أجندة عملها الصيفية، بما يؤسس لمرحلة عمل متقدمة تجد فيها المخرجات من الباحثين عن عمل بيئة خصبة وثرية ومساحات واسعة من  الاهتمام المؤسسي الجاد نحو إعادة تجديد معارفهم وصقل خبراتهم وربط جملة المعارف والمعلومات التي يمتلكونها بالتجارب الميدانية العملية والممارسة الفعلية، وما يؤطره هذا النهج – إن تحقق- من مسار استراتيجي سوف تظهر نتائجه المستقبلية عند تقدم هذه المخرجات للوظائف المطروحة  في سوق العمل الوطني بالقطاعين العام والخاص، بما يضيفه لهم من خبرة عملية تضاف إلى رصيدهم المهني القادم .

ومع بدء أنشطة  الإجازة الصيفية واتساع نشاط البرامج والمراكز العلمية والتدريبية الصيفية، لشغل أوقات فراغ الشباب وصقل مهاراتهم وتجديد معارفهم وبناء ذواتهم وترقية سلوكياتهم وتعاملاتهم ، وتعميق فرص الأمن والوعي لديهم حول العديد من القضايا الاجتماعية والشخصية والوطنية ؛ فإنها فرصة لتحول نوعي في دور هذه المؤسسات واتساع نطاق عملها في خدمة المجتمع، وخروجها عن المألوف من الروتين اليومي، عبر توجيهها لطرق متغيرات عديدة؛ كأن تتجه لفئات أخرى بالمجتمع لتنفيذ برامج تدريبية وتعليمية ومهنية مبتكرة  يحتاجها مجتمع الخريجين في مختلف التخصصات ؛ على أن الحديث عن  الباحثين عن عمل من العمانيين  في ظل ما يشكلونه من رقم صعب في المنظومة الوطنية من حيث زيادة أعدادهم والتراكمية الحاصلة في المخرجات وبعض التخصصات؛ بما يفرضه واقع التعامل مع هذه الملف من تدابير وإجراءات وآليات أكثر استدامة؛ فإنه يطرح أيضا  البحث عن آليات وبرامج واجندة عمل تضمن لهم استغلال اوقاتهم وتجديد معارفهم وتقريب بعض المفاهيم المستجدة في عالم تخصصاتهم، واعطائهم دفعة إيجابية الى الامام بالتجّمل  بثقافة الانتظار والبحث وعدم اليأس، خاصة في ظل الهواجس الفكرية والنفسية وحالات الملل والضجر والشعور  باليأس والإحباط، لدى  شريحة كبيرة منهم ممن لم يلتحق بأي عمل؛ لذلك كانت الحاجة إلى أن يتجه العمل في أكثر من نطاق ، وأن يكون لهذه البرامج  حضورا فعليا في  سبر الموضوع، وتزويدهم ببرامج تخصصية واثرائية وتوعوية في بناء الذات وترقية السلوك، وإنهاض الدوافع، وبناء الثقة وتعزيز القدرات ومواصلة طريق العطاء واستيعاب التحولات الحاصلة في منظومة العمل الوطني .

من هنا يشكل الصيف  بما يضمه من جهود ومبادرات ويحتويه من أنشطة وبرامج ومتابعات واهتمامات؛  فرصة لإعادة  قراءة هذا الملف من جديد،  عبر رصد  تخصصات هذه الفئات والمهارات التي تمتلكها ، وتوفير برامج تدريبية وتعليمية تأهيلية وتطويرية واثرائية وتجديدية مهنية وتخصصية مختلفة، مرتبطة بالمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، تعمل على ربط الطلبة بالمهن والتخصصات، وتعريفهم بقواعد العمل والتجديدات الحاصلة في موضوع التخصص، بما يعني مزيد من المواءمة والتنسيق والتكامل مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص في  انخراط هذه المخرجات في سوق العمل الوطني، وتوفير مساحة معالجة ومراجعات تتناغم مع اليات تحقيق هذه التوجهات بعد دراسة نواتجها وآليات عملها ، بما يترتب عليها من استراتيجيات أداء  تؤطر لمفهوم التدريب على رأس العمل وإعادة تصحيح واقع هذه الفئة عبر الحاقها ببرامج مناسبة  تستوعب الاختصاص وتوجه المهارات وتعمّق  فيهم بناء الذات، وترصد المفردات والمستجدات الحاصلة في مجال اختصاصهم، وفي هذا الشأن يمكن تنشيط حركة معارض التعليم العالي والتوظيف التي تسلط الضوء على  فرص وافاق توظيف الخريجين الباحثين عن عمل.

إننا نطمح أن يعاد النظر في البرنامج الصيفي، لانتشاله من حالة التشتت في الجهود والتبديد للموارد التي تحصل فيه؛ نظرا للافتقار إلى رؤية واضحة في طريقة تقديم المنجز وآليات الإنجاز؛ بحيث توجه نحو بناء انموذج وطني للتثمير في البرنامج، وبالتالي فهي فرصة لإدماج البرنامج الصيفي في واقع الباحثين عن عمل، وربطه بمسارات تحول إيجابية في حياتهم. على ان بناء هذه النهج ممكن التحقق ، عندما تتوفر له فلسفة عمل واضحة، وأدوات مقننة، وفق تشريعات ولوائح وأنظمة  أداء تتسم بالديناميكية والمرونة والانتاجية؛ وتوفير قواعد بيانات متكاملة بكل هذه المخرجات وتصنيفها وفق  مستويات مهارية مختلفة، ومحددات تتناغم مع نوع الممكنات التي يمتلكونها، وهو ما يقدم إضافة نوعية للجهود التي تتخذها مؤسسات التعليم العالي والجامعات الحكومية والخاصة في سبيل تعريف المخرجات بالفرص الوظيفية، ودور التدريب المهني والتقني والفني المتخصص في تعميق اهتمام المخرجات بالمجالات المطروحة في سوق العمل، بما يؤسسه من قيمة مضافة في بناء المشروعات الإنتاجية وتعزيز حضور ثقافتها في سلوك المخرجات، والتثمير في المواهب والخبرات وتوظيف الخبرات والمهارات في  سبيل ادماج المخرجات في الشركات وسوق العمل الوطني.

عليه فإن التعاطي مع متطلبات الصيف وما يقدمه البرنامج الصيفي من مبادرات سيكون لها أثرها الإيجابي على نواتج ما يطرحه البرنامج الصيفي في حقيبته والاستغلال الزماني والمكاني والخبراتي  بشكل يعبر عن هاجس مجتمعي باحتياجات الباحثين عن عمل واهمية  تعريضهم المستمر  للمستجدات  الفكرية والمفاهيمية والتخصصية بشكل يحافظ على سقف التوقعات في جودة إنجازاتهم وتنافسية منتجهم؛ لذلك نعتقد بأن وجود رؤية وطنية واضحة واستراتيجيات أداء محددة يقوم عليها البرنامج الصيفي عامة، يكون للباحثين عن عمل فيها حضورا قويا كملهمين ومشاركين ومنفذين ومتدربين ومتابعين؛ سوف يقدم فرص نجاح ومنافسة عالية،  تتيح للمؤسسات مساحة أوفر في اكتشاف مهاراتهم وقدراتهم، وزيادة  التوقعات حول الاستجابة المهنية،  هذا الأمر يستدعي تقديم مائدة متكاملة  في مختلف التخصصات بما تحويه من سلة فواكه متعددة، لتشكل بدورها منطلق  لتبّني اطار عمل وطني في تدارك متطلبات هذه الفئة، والاجابة عن التساؤلات التي يطرحها الرأي العام  والباحثين عن عمل أنفسهم حول  فاقد عمليات التدريب والتعليم، والفجوة  الفكرية والمعرفية والمهارية والأدائية التي يولّدها وجود الباحثين عن عمل في المنازل بدون عمل لسنوات طويلة، وحالة الانقطاع والشح المعرفي وضعف مواءمة المهارة لطبيعة المهمة الجديدة؛ باعتبارها مشوهات تلقي بظلالها على واقع الباحثين عن عمل، يضاف إلى ما يسهم  به تراكم سنوات التخرج، وبطء التعامل مع مفهوم الجاهزية التدريبية ، وحالة الشد والجذب  والتراجع والانسحاب التي تتم في التعاطي مع ملف الباحثين عن عمل، نظرا لتخوف هذه المؤسسات من أن يُفهم من اهتمامها بفتح المجال لعمليات التدريب من التزامها بالتعيين وتوفير الوظائف المناسبة لهم.

 وخلاصة القول فإن أنظار الشباب وهي تتجه إلى الطموح في  استيعابهم من مؤسسات الدولة المختلفة والقطاع الخاص ، فإنهم يجدون في هذه المبادرات الوطنية – إن تحققت وتمت وفق رؤية واضحة واستراتيجيات أداء مقننة واطر محددة ، وبرز في تقديمها عامل الإخلاص والمسؤولية-؛ منطلق لتحقيق تحول ملموس في إدارة هذا الملف، والوقوف على حيثياته، وتوفير معالجات وبدائل قادرة على التعامل الواعي مع معطياته، بحيث تنتقل المسؤولية الوطنية في إدارة الملف والتجديد فيه وإعادة انتاجه بطريقة تضمن  إدخاله ضمن الأنشطة التدريبية والتعليمية والاجتماعية الاقتصادية التي تنفذها المؤسسات، في ظل مسارات عمل تقرأ في اهتمامها بهذه الفئة؛ التزام بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية والمهنية نحو فئة الباحثين عن عمل، ودعوة إلى التفكير خارج الصندوق في انتقاء واختيار نوعية البرامج التنافسية  المقدمة لها.. فهل ستتجه جهود المؤسسات إلى تقديم جرعات تمكينيه وتثقفية وتعريفية قادرة على وضع هذا الملف في مقدمة الاهتمام، أم ستظل تراود مكانها في حلقة مفرغة تبحث عن محط قدم لها، في حين أنها غير حاضرة في مشهد العمل؟

Your Page Title