آمُوك
ستيفان زفايغ
ترجمة ناظم بن ابراهيم
محمد الهادي الجزيري
يستهلّ ستيفان زفايغ روايته ..بامتطاء سفينة ” كالْكوتا ” قصد الرجوع إلى أوروبا..ثمّ يصف لنا الأجواء الواقعة في السفينة : ضجّة المسافرين وتنزّههم فوق سطح الباخرة..إضافة لوصفه المقصورة التي يسكنها فهي ضيقة كقبر..، واختياره للابتعاد عن الناس والتجوّل ليلا في السفينة إلى أن التقى بالرجل الغريب الذي طلب منه أوّل مرّة عدم إفشاء سرّ وجوده وإنكار رؤيته والتحدّث معه، وهذا ما وفى به الراوي، لكن غلبه حبّ الاطلاع ..فعاد في منتصف الليل إلى المكان الذي رآه فيه أوّل مرّة ..فظهر له الرجل الغريب من وسط الظلام وافتتحا التعارف بسيجارة وكأس ..ثمّ انطلق الرجل في البوح وممّا قال في البداية :

” لا، ليس هذا ، يجب أن أروي لك كلّ شيء، بوضوح، منذ البداية وإلا لن تفهم شيئا، إنّ قصّة مشابهة لا يمكن أن تكون مثالا أو أنموذجا يحتذى به، ويجب أن أروي لك قصّتي الخاصّة ..بلا خجل أو مداراة…”
ويستمرّ السرد فنعلم أنّه كان طبيبا جيّدا، إثر ذلك تعرّف على امرأة كانت لا مبالية بطريقة مستفزة..وقد سرق صندوق المستشفى من أجلها ..وتمّ التفطن لذلك ..فتحطمت مسيرته المهنية، ثمّ بعد حين يسمع أنّ الحكومة الهولندية بصدد انتداب أطباء قصد إرسالهم إلى مستعمراتهم ..فيشارك في البعثة رغم أنّ معدّل الموت في مزارع الحمّى والاستعباد مرتفع ثلاث مرّات مقارنة ببلده…لكنّه طيش الشباب كما قال ..أو أنّه لم يكن لديه خيار…
بعد ذلك يعلمنا الراوي أنّ بطل الرواية ذهب إلى روتردام ووقّع عقدا بعشر سنوات، وتلقّى حزمة من الأوراق النقدية أرسل نصفها إلى خاله وبذّر الباقي على نزواته ..ثمّ سافر إلى منفاه الاختياري حيث عاش حياة بوهيمية إلى أن اقتحمت وحدته امرأة طالبته بالتخلّص من حملها مقابل مبلغ مالي ..وحين رفض انفضّت عنه ..يقول حين غادرته :
” اصطفق الباب فجأة ..لكنّني تسمّرت في مكاني بلا حركة..كما لو كنت منوّما بما قلته..سمعت وقع قدميها وهي تنزل الدرج ..وتغلق الباب..سمعت كلّ شيء ، وكانت كلّ إرادتي متعلّقة باللحاق بها…”
وتبدأ لعبة الفأر والقطة ..تنطلق الممانعة والمدّ والجزر..في حالة تشوب بطل الرواية تشبه حالة ” آموك ” فيصبح كالمجنون يلحق بها من مكان إلى آخر..لا يريد منها شيئا إلا إنقاذها ممّا وقعت فيه من فضيحة كبرى وتنتهي بقتلها حبّا فيها ..، ويختم الراوي هذا المتن الروائي القصير مقارنة بروايات أخرى ..إذ لم تتجاوز 89 صفحة ..، على كلّ ينهي الراوي بخبر موتها إذ يقول:
” كانوا، على حدّ قولهم، بصدد إنزال نعش واحدة من أهمّ نساء المستعمرة الهولندية من الباخرة إلى زورق في الليل ، بعد أن انتظروا انتهاء نشاطات المسافرين، بهدف عدم إزعاجهم بمشهد مشابه …”
في كلمة للمترجم ..حاول فيها تفسير لفظة ” آموك ” الذي اختاره كعنوان للرواية ..يقول:
” ال ( آموك ) هو سلوك إجرامي لاحظه الدّارسون في مناطق مختلفة من العالم، وخاصة في المناطق الاستوائية ، تمّت دراسته وتحديد تسميته الإثنوغرافيّة في ماليزيا، وهو سعار مفاجئ يركض على أساسه المريض بلا توقّف قاتلا كلّ من يعترضه، ولم يُتوصّل إلى تحديد سبب واضح له، ولا إلى معالجته إلا عن طريق قتل المريض في أسرع وقت ممكن قبل أن يتمكّن من إيذاء أناس آخرين ..”