أثيـر- مكتب صلالة
إعداد :سهيل العوائد
يُعدّ فن الدبرارت من أهم الفنون القولية التقليدية في ظفار، وما يَزال هذا اللون الشعري المحليّ يحظى بشعبية كبيرة في الساحة المحلية، والمُتابع للساحة الشعرية المحلية في ظفار مؤخرا يلاحظ إقبال المجتمع المحلي على متابعة هذا النمط الشعري بشكل ملحوظ ومتزايد، ولعل أكثر ما يُميزه هو القصيدة الطويلة، التي قد تتجاوز في بعض الأحيان أكثر من مائة من الأبيات الشعرية المتنوعة، كما أن هذا الفن الشعري يمنح شاعر الدبرارت مساحة مفتوحة ورمزية محدودة، للمواضيع والأحداث المختلفة التي يُريد طرحها، إذ يتميز هذا الفن عن فن النانا، بطول القصيدة الشعرية وتنوع الغرض الشعري، ويُمكن لشاعر الدبرارت أن يُسلّط الضوء على الكثير من الأحداث والمواضيع في قصيدة واحدة، كما يُمكنه أن يختصر القصيدة الواحدة لموضوع محدّد أو حدث معين.
ونجِد أنّ معظم شُعراء الدبرارت في ظفار، تدور قصائدهم بين الوصف والمدح و القدح والرثاء و الهجاء، وهي مرتبطة بشكل مباشر بحركة ونمط حياة المجتمع؛ إذ تجد الشاعر يمدح شخصا ويهجو آخر، ويرضى عن موقف هنا ويرفض موقفًا هناك، ويُشّكل هذا النمط الشعري، نوعا من الحراك الأدبي والاجتماعي المحلي لدى الناس، فيُعبر البعض عن إعجابه بقصيدة لشاعر معين بينما تجد البعض الآخر يرفضها ويُعبّر عن سُخطه للشاعر والقصيدة، وهذا بدوره يُؤثِر على شاعر الدبرارت، ويضعه أمام تحديات كبيرة ومسؤولية عظيمة قبل أن يكتب قصائده.

وتُعدّ ألحان فن الدبرارت غير متجددة ومحدودة، ومع ذلك تجد هذه الألحان مرغوبة السمع وغير مُمِّلة وممتعة لدى عشاق الدبرارت. ومن أشهر شعراء الدبرارت في ظفار :محاد الفهد كشوب وعامر شودر العمري، كما أن المرأة الظفارية لها حُضورها الخاص في فن الدبرارت، إذ تجد الأم تعبر عن مشاعرها تجاه أبنائها بقصيدة دبرارت تصف فيها حبها وحنينها وفرحتها بأبنائها ، أو تجدها تستخدم هذا النمط الشعري للتعبير عن حزنها أو معاناتها أو نظرتها للأحداث وتفاعلها مع المجتمع، ومن أبرز الأسماء النسائية الموجودة حاليًا على الساحة الشعربة : منى باقي، وإيدال العمري.

ويعبر البعض من جمهور الدبرارت، عن رفضه لاستخدام بعض الشعراء لهذا النمط الشعري من أجل التكسب المادي أو الظهور الاجتماعي، بينما يقبل البعض الآخر هذا الجانب.
ويُعد هذا النمط من الشعر المحلي غنّيًا بالشاعرية المتدفقة والكلمات المتعددة والمؤثرة ، التي تكون في قمة الجمال و الإبداع؛ إذ يستمّد الشعراء صورهم الشعرية عادةً من طبيعة ظفار المتنوعة وأحداثها المختلفة.

وبما أن لكل مقامٍ مقال وحيث ما تزال عمان حزينة وترثي فقيدها الغالي وسلطانها وابنها البار، سنذكر هنا بعضًا من أبيات فن الدبرارات في رثاء السلطان قابوس بن سعيد طيّب الله ثراه لبعض من شعراء الدبرارات في ظفار:
علي سهيل المعشني (أبو زايد):
قابوس يدحور جنت.. برحمون يعبيضن صور
قابوس معديم شلش.. ذهن بشنيت بخور
قابوس خدوم شعبش.. جهد بتخطيط بصور
بقلوب تاريخس.. اير من صيفيف يدور
الترجمة :
يارب أكرم قابوس الجنة..وصبر شعبه يا رحمن
قابوس نادر صفاته.. هيبة وحكمة وشأن
قابوس خدم عمان.. وخطط ونفذ وصان
رد أمجادها القديمة.. وتراثها عبر الأزمان
إيدال العمري:
هير نعوك قابوس.. إبيش لخيد أحروف
ادقوربك إينوف عنهم.. أول حلكحوف
يعجز إقيلم بيلوهم أيضوف
اعوصر اشه بير زيريع عق اجفوف
جيلي اظيليوت بيدعس اوياخوف
الترجمة :
إذا نعيت قابوس.. وفيه خطيت حروف
أعرف نفسي وعنهم لن أتوه..يعجز القلم وما غطى الحروف
قابوس حبه مغروس في الجوف
أزاح الدجى وبدد ظلمة الظروف
و لا يفوتني في نهاية هذا المقال أن أشير إلى وجود أسماء من الشعراء والملحنين الشباب الذين برزوا في فن الدبرارت مثل: عبدالله العوائد وناصر المشيخي وسعيد الحكماني وسعيد المعشني وسالم العمري وخالد قطن وغيرهم، الذين كان لهم دور كبير في إيصال هذا الفن الجميل، إلى عشاق فن الدبرارت، وذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ووسائل التواصل الحديثة، الأمر الذي أسهم في الحفاظ على هذا الفن وانتشار شعبيته بين شرائح المجتمع المختلفة.
ولنا في قادم الوقت عودة، للتعمق أكثر في هذا النمط الشعري المحلي، والبحث عن تفاصيله والحديث عن شعرائه ورموزه وأغراضه وأثره في حياة المجتمع.