أثير- د. محمد بن حمد العريمي
وسط غمرة انشغال المجتمع بتداعيات فيروس كورونا وأخباره اليومية، حملت وسائل الإعلام المحلية والعربية مساء يوم السبت الحادي عشر من أبريل نبأ وفاة أحد الرجال الذين عملوا عن قرب مع السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه – وكان مستشارًا له للاتصالات الخارجية لفترةٍ طويلةٍ من الزمن، كما كان شاهدًا على أبرز محطات النهضة العمانية الحديثة، وأحد عرّابي سياستها الخارجية مع أخيه الراحل قيس بن عبد المنعم، وهو الحائز على وسام الرسوخ عام 2010.
إنه معالي عمر بن عبد المنعم الزواوي الذي غادر دنيانا بعد صراعٍ مع المرض، نقل على إثره إلى أحد المستشفيات حيث وافته المنية هناك.
“أثير” تستعرض في هذا التقرير محطاتِ من حياة ونشاط وأعمال الراحل، من خلال الاستعانة بعددٍ من المواقع والأراشيف والصفحات التي تناولت حياته، واستعرضت جوانب مما تعلق بها.
“أثير”
أسرة الزواوي
ينتمي عمر بن عبد المنعم الزواوي إلى أسرةٍ تعد من الأسر العربية ذات المكانة الكبيرة في شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، وخرج منها العديد من رجالات العلم والدين، وهي أسرة آل الزواوي التي ارتبط وجودها في عمان بهجرة جدّهم الشيخ العالم محمد الزواوي الحسائي الشافعي الذي وفد إلى مسقط في أوائل عهد السيد سعيد بن سلطان (1804-1856)، وأسس مدرسةً علمية في حي ولجات.
(التوقيع من حساب الواثق بالله في تويتر)
كما كان لجده السيد يوسف بن أحمد الزواوي مكانة كبيرة في الوسط السياسي العماني نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكان مستشارًا ومقربًا من السلطان فيصل بن تركي، ثم ابنه السلطان تيمور، كما كان السيد يوسف الزواوي من أبرز رجال الأعمال في عصره، وكانت له نجاحات تجارية مشهودة، وتشعبت أعماله في أكثر من مجال؛ وقد أشار محمد رشيد رضا صاحب (المنار) إلى المكانة المالية والوجاهة التي تمتع بها الزواوي عند زيارته لمسقط مطلع القرن العشرين، كما كان مهتمًا بالثقافة والأدب، وقد أشار إلى ذلك الصحفي الشامي عبد المسيح أنطاكي في جريدة (العمران) عندما زار مسقط سنة 1907، كما أشاد بمكانته الرحالة المصري علي الجرجاوي في كتابه عن رحلته اليابانية.
وقد كانت للسيد يوسف الزواوي مآثر في مسقط حيث بنى مسجده في عام 1906 تقريبًا، كما كان له اهتمام بالتعليم وبنى مدرسةً بمسقط تعرف باسم مدرسة (الزواوي) تخرج منها العديد من طلبة العلم.
ومن آل الزواوي الوجيه عبد القادر بن يوسف الزواوي الذي التقاه الصحفي والأديب عبد المسيح أنطاكي خلال زيارته لمسقط 1907 وتحدث في صحيفته (العمران) عن هذا اللقاء، وعن أدب السيد عبد القادر وأخلاقه، كما أشاد به محمد رشيد رضا في زيارته لمسقط عام 1913 وأشار إلى نباهته وتفكيره في مشاريع تجارية كانت تعد وقتها رائدة وغير مسبوقة مثل توصيل الهاتف.
ومنهم السيد أحمد وهو أحد أبناء السيد يوسف الزواوي، وكان مهتمًا كوالده بالأدب والفكر ومتابعًا لأوضاع العالم الإسلامي وأحواله ، متفاعلًا مع قضاياه، وقد نشرت له مجلة (المنار) سؤالاً في الجزء الأول من المجلد 15 بتاريخ يناير 1912، تحت عنوان ” الدخول في الماسونية”.
ومنهم السيد عبد المنعم الزواوي والد شخصية تقريرنا، وكان من الشخصيات السياسية والاقتصادية المقربة من سلاطين عمان أمثال السلطان تيمور بن فيصل، وابنه السلطان سعيد بن تيمور، وهي امتداد لمكانة وعلاقة والده السيد يوسف الزواوي؛ وعمل سكرتيرًا ومساعدًا للسلطان سعيد بن تيمور، ورافقه في رحلته الشهيرة في الفترة من 9 نوفمبر 1937م إلى 13 يوليو 1938م التي زار فيها عددًا من الدول، وعُدّت من أهم الرحلات التاريخية على مستوى العلاقات بين حكومة مسقط وحكومات الدول التي زارها، إذ بدأ رحلته إلى الهند مرورا بسنغافورة، وهونج كونغ، ثم اليابان، ومنها توجّه إلى الولايات المتحدة الأمريكية في أول زيارة يقوم بها حاكم عربي إلى واشنطن، ثم ارتحل إلى إنجلترا، ومنها غادر إلى فرنسا.

(التوقيع من حساب الواثق بالله في تويتر)
كما أقام السيّد عبد المنعم لفترة من الزمن في كراتشي، وكان مسؤولًا عن مشتريات السلطان سعيد بن تيمور لسنوات عديدة.
كما كان لعائلة الزواوي فرعٌ هاجر إلى الكويت وسكن منطقة “شرق”، وبرزت منه شخصيات عديدة منها السيد عبدالباري يوسف الزواوي، والد السفير غسان عبدالباري الزواوي، وكان شاعرا وأديبًا وصديقًا شخصيًا لأمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، وأخذه معه عندما كان في مسقط وقت وفاة أمير الكويت أحمد الجابر الصباح، إضافة إلى المرحوم سيد عبدالعزيز الزواوي وكان من رجال الغوص المعروفين، ومحمد عبدالعزيز الزواوي من تجار اللؤلؤ، وعبدالوهاب عبدالعزيز الزواوي ويعد من أوائل من عمل في التدريس في عام 1949، ويوسف محمد الزواوي، وعادل يوسف الزواوي وكان مهتمًا بالصحافة وأسس مجلة الديرة السياسية،وغيرهم.
النشأة والتعليم
ولد عمر الزواوي بحسب عدد من المصادر حوالي عام 1930 في كراتشي عاصمة باكستان وكانت وقتها جزءًا من الهند، حيث عمل والده عبد المنعم بن يوسف كوكيل مشتريات للسلطان سعيد بن تيمور، تلقى تعليمه الأولي في مومباي وكانت تسمى بومباي وقت الإدارة البريطانية على الهند، ثم أكمل تعليمه في بيروت، ثم في جامعة القاهرة حيث حصل على شهادته في الطب سنة 1958.
الطبيب الذي أحب عالم المال
اشتغل المرحوم عمر الزواوي بعد تخرجه كطبيب لفترة في الدمام بالمملكة العربية السعودية، وتخصص في أمراض النساء، ثم أكمل دراساته الطبية في جامعة هارفارد العريقة بالولايات المتحدة الأمريكية التي وثّقت فترة دراسة الدكتور الزواوي في أحد كتيباتها الإرشيفية سنة 1964، وكان ضمن اللجنة الاجتماعية بالكلية.
عاد المرحوم عمر الزواوي بعد تخرجه من هارفارد إلى المملكة العربية السعودية حيث حول اهتمامه إلى قطاع الأعمال، فأقام علاقة وثيقة مع رجل الأعمال السعودي البارز والسياسي المحنّك غسان شاكر، و في هذه الأثناء، ذهب شقيقه الأصغر قيس إلى الكويت، حيث عمل لدى بنك الشرق الأوسط البريطاني ثم السفارة البريطانية قبل أن يصبح المدير الإقليمي لشركة بيبسي كولا في دبي في الستينيات.
العودة إلى عمان
عاد المرحوم قيس الزواوي إلى مسقط عام 1967 لإعادة تأسيس الشركة العائلية في عمان، ثم عاد أخوه الأكبر عمر إلى عمان عام 1971 للانضمام إلى أخيه في الشركة العائلية، ثم دخل في عالم السياسة والمال معًا من خلال المناصب السياسية والأعمال التي قام بها.
بدأت خدمة المرحوم عمر الزواوي الحكومية بحسب تقرير أعده موقع (INCYCLOPEDIA.COM) عن شخصية المستشار ورجل الأعمال الراحل في السادس من مارس 2020، – والذي ترجمنا بعضًا من فقراته واستفدنا منها في إعداد هذا التقرير – رسمياً في عام 1974 عندما أصبح مستشار السلطان الخاص للاتصال الخارجي، وإن كان قد تم إلحاق مكتب المستشار الخاص لجلالة السلطان للاتصالات الخارجية بديوان البلاط السلطاني بحسب المرسوم رقم (2/2009)، وهو منصب شغله لفترةٍ طويلة، كما كان عضوًا في العديد من اللجان منها مجلس الشؤون المالية وغيرها من اللجان والعضويات المختلفة.
أدوار سياسية
كان للمرحوم عمر الزواوي أدوارٌ سياسية مهمة خلال الفترة التي قضاها قريبًا من السلطان قابوس بن سعيد طيّب الله ثراه، تزامنًا ثم استكمالًا للأدوار التي لعبها أخوه الأصغر قيس، كما أنها أدوار مكمّلة لتلك التي لعبتها الأسرة في تاريخها السياسي العماني الذي يتجاوز المائتي سنة.
ومن الأدوار السياسية التي لعبها دوره الفعّال في كسب اعتراف المملكة العربية السعودية بنظام الحكم الجديد في السلطنة، وذلك بفضل علاقاته الجيّدة مع غسان شاكر الدبلوماسي السعودي والعربي الشهير وسفير النوايا الحسنة الذي منحه السلطان قابوس -رحمه الله- وسام التكريم في السابع من نوفمبر 2018.
كما عمل الزواوي من منطلق كونه مستشارا خاصا للسلطان قابوس، كمبعوث شخصي للسلطان في العديد من القضايا الدولية والإقليمية الحرجة، كما رافق السلطان في العديد من زياراته الخارجية من بينها زيارته الأولى للولايات المتحدة في عام 1975، كما كان مسؤولا عن ملف المفاوضات مع جمهورية الصين الشعبية حول العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1978، وفي فترةٍ لاحقة أصبح رئيس جمعية الصداقة العمانية – الصينية، كما شارك الزواوي في محادثات تسوية الحدود مع دولة الإمارات العربية المتحدة في العام نفسه أدت في النهاية إلى تسوية حدود متنازع عليها منذ وقت طويل.
كما مثّل المرحوم عمر الزواوي السلطنة في العديد من المحافل السياسية من بينها زيارة إلى مصر في أعقاب معاهدة السلام التي أبرمها الرئيس أنور السادات مع إسرائيل في عام 1979، وإلى الصين في عام 1990 في أعقاب الغزو العراقي للكويت، كما مثل الزواوي السلطان في قمة وزراء الخارجية العرب في مصر عام 2001، وغيرها الكثير من المحادثات والزيارات والاجتماعات.


نشاطه الاقتصادي
لم يكن غريبًا على رجلٍ يعد سليل أسرةٍ تجاريةٍ عريقة أن يدخل المجال الاقتصادي من أوسع أبوابه، ومن الصعوبة الحديث عن الأعمال التجارية والمالية المتشعبة للأسرة بشكلٍ عام، أو المجموعة المالية الخاصة بعمر الزواوي بشكلٍ خاص، حيث إن حصر تلك الأعمال والأنشطة أمرٌ صعب لتشابكها، وتشعبها، بحيث دخلت في العديد من المجالات المختلفة كالبناء والمقاولات، والإدارة، وقطاع السيارات، والإعلام، والمصارف، والتعليم، والصحة، وأنظمة الإتصالات، والأغذية، وغيرها.
وتعرف مؤسسة عمر الزواوي باسم (أومزيست) وترجع بدايات تأسيسها إلى سنة 1973، وخلال السبعينيات وحتى الثمانينيات، ركزت الأنشطة الاقتصادية للزواوي على التوزيع والبناء والإدارة نتجةً لحاجة السلطنة إلى المزيد من المشاريع المعمارية في تلك الفترة لتجهيز البنية التحتية، فقامت شركات الزواوي ببناء المدارس والمستشفيات والتلفزيون الملون وأنظمة الكهرباء والهاتف، بالإضافة إلى إدارة الموانئ والمطارات.

ومن بين الشركات التي قامت بالعديد من المشاريع في تلك الفترة شركة الزواوي التجارية ووليد أسوشيتس الزواوي القرم للمقاولات، وقد امتلكت هذه الشركات مناقصات تجارية عديدة.
وفي مجال الأنشطة المصرفية والمالية أسهمت المجموعة في تأسيس بنك عمان العربي الأفريقي في يناير 1979 بالشراكة مع البنك العربي الأفريقي (AAB) الذي يتخذ من القاهرة مقرا له، ثم قام بشراء أسهم AAB من بنك عمان العربي الأفريقي بالإضافة إلى أربعة عشر فرعا لبنك الشرق الأوسط البريطاني في عمان لتشكيل بنك عمان الدولي (OIB) ، وهو أول بنك مملوك لعُمانيين بالكامل في السلطنة والذي اندمج بعد ذلك مع بنكٍ آخر.

كما تضمنت خدمات الزواوي المالية أيضًا شركة مسقط للتمويل التي تقدم القروض الاستهلاكية، وشركة عمان للأوراق المالية التي تأسست في عام 1989 لتقديم خدمات الوساطة المالية، وشركة عمان للتأمين التي تأسست في عام 1995، وغيرها.
كما شملت استثمارات الزواوي شركة عمان للمطاحن وشركة ريسوت للأسمنت، تليها المنسوجات ، والأحذية ، والمنتجات الزجاجية ، والطلاء ، والزيوت النباتية ، والبطاريات ، والمنظفات ، والزراعة ، ومصانع المنتجات الورقية، في عام 2003 ، قامت Omzest بمشاريع تطوير صناعية كبرى مع شركة عمان للميثانول في صحار.
وفي قطاع الخدمات نلحظ أنشطةً عدة منها وكالة مزون للسفر وصيدلية وليد، وفي مجال التعليم تم تأسيس كلية ولجات للعلوم التطبيقية لتوفير التدريب الفني للقوى العاملة العمانية.
وفي مجال الشراكات الدولية افتتحت أومزيست مكتبًا في بكين سنة 1992 لتنسيق علاقاتها التجارية مع الصين، كما تمتلك الشركة حصصًا في مصر في مطاحن الدقيق ، في ميثانول القابضة (ترينيداد)، وفي عام 2006 شكلت مشروعًا مشتركًا مع شركة الهندسة الكهربائية والاتصالات الألمانية Siemens.
تحديات
بحسب موقع ( encyclopedia) فقد تغلب المرحوم عمر الزواوي في يوليو 1992 ، على سرطان القولون ، بعد الجراحة والعلاج الكيميائي اللاحق في Mayo Clinic في روتشستر ، مينيسوتا.
وفي الحادي عشر من سبتمبر 1995 نجا من حادث سيارة في مدينة صلالة في الطريق المؤدي من قصر المعمورة إلى مزرعة أرزات عندما كان برفقة السلطان قابوس بن سعيد، وأخيه قيس بن عبد المنعم الذي توفي على إثر الحادث، رحمهم الله جميعًا.
تكريم
حصل معالي عمر بن عبد المنعم الزواوي رحمه الله في عام 2010 على وسام الرسوخ من الدرجة الأولى من المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- .
وفاته
توفي السياسي ورجل الأعمال بعد 90 عامًا من العطاء وذلك في الحادي عشر من أبريل الجاري، وقامت “أثير” بإعداد مادة خبرية عن الوفاة، بالإضافة إلى تعزية أسرة الفقيد الراحل.

المراجع
- الأرشيف الرقمي للخليج العربي. ملفات مختلفة، https://www.agda.ae/
- جريدة عمان، العدد 404، السنة السادسة، السبت 14 يونيو 1978.
- المدني، عبد الله.”رجل الدولة العماني الأبرز في عهد الانفتاح”، موقع جريدة الأيام الإلكتروني، العدد 9342 الجمعة 7 نوفمبر 2014، /alayam.com/Article/courts-article/90567/
- العريمي، محمد بن حمد. “تعرّف على السيد يوسف الزواوي إحدى الشخصيات العُمانية البارزة”، موقع أثير الإلكتروني، 29 ديسمبر 2019.
- الغنيم، عبد الله يوسف. قراءات في وثائق أسرة النصف، ط1، مركز البحوث والدراسات الكويتية، الكويت، 2016.
- موقع تأمل الالكتروني، “وفاة المستشار الخاص لجلالة السلطان للاتصالات الخارجية”، https://tamol.om/
- موقع قانون https://qanoon.om/
- صفحة “الواثق بالله” على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.
- https://www.encyclopedia.com/international/encyclopedias-almanacs-transcripts-and-maps/zawawi-omar-bin-abd-al-munim-1930
- Harvard University. Library of the medical school. 1964