رصد – أثير
إعداد: ريما الشيخ
بالتزامن مع الزيارة الرسمية التي يقوم بها حضرة صاحبِ الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى مملكة إسبانيا، ولقائه بجلالة الملك فيليبي السادس، نسلط الضوء على شخصية العاهل الإسباني الحالي، الذي يجمع بين إرث ملكي راسخ وتطلعات عصرية في ظل نظام دستوري برلماني دقيق.
فمن هو الملك فيليبي السادس؟ وما ملامح مسيرته منذ أن ولد وليًا للعهد، وحتى قيادته لإسبانيا في مرحلة دقيقة من التغيرات المحلية والدولية؟
النشأة والتعليم: ولي عهد بتكوين نخبوي
ولد الملك فيليبي خوان بابلو ألفونسو دي توتريديا فيكتور مانويل دي بوربون إي غريسيا في 30 يناير 1968 في مدريد، كأصغر أبناء الملك خوان كارلوس الأول والملكة صوفيا، ومنذ ولادته، أعلن أنه سيكون ولي العهد نظرًا لترتيب الخلافة.
نشأ فيليبي في أجواء تجمع بين الملكية التقليدية والانفتاح الأوروبي، حيث تلقى تعليمه في مدرسة “سانتا ماريا دي لوس روساليس” في مدريد، ثم التحق بمدرسة “ليكفيلد كولدج” في كندا، قبل أن يدرس القانون والعلوم الاقتصادية في جامعة مدريد المستقلة، وأكمل دراسته العليا في جامعة جورجتاون الأمريكية المرموقة، حيث حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية عام 1995.
وبموازاة ذلك، خضع لتكوين عسكري شامل في الكليات العسكرية الثلاث (البرية، البحرية، الجوية)، وهو ما أهله لاحقًا ليصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة الإسبانية وفقًا للدستور.
الحياة الشخصية: زواج من خارج الطبقة الأرستقراطية
في تحول نوعي داخل الأسرة المالكة، تزوّج الأمير فيليبي عام 2004 من الصحفية السابقة ليتيثيا أورتيث، والتي كانت تعمل في التلفزيون الوطني الإسباني، وتنتمي لأسرة متوسطة، مما عدت خطوة جريئة في تحديث صورة الملكية، وقد أصبحت لاحقًا ملكة إسبانيا، ورزق الزوجان بابنتين: الأميرة ليونور، ولية العهد والوريثة الرسمية للعرش، التي أدّت القسم الدستوري أمام البرلمان عام 2023، وشقيقتها الصغرى صوفيا.
التتويج في مرحلة حرجة
تولى فيليبي السادس العرش رسميًا في 19 يونيو 2014، عقب تنازل والده الملك خوان كارلوس الأول، الذي واجه في سنواته الأخيرة سلسلة من الفضائح والضغوطات العامة، حيث جاء تتويج فيليبي في وقت كانت فيه المؤسسة الملكية بحاجة إلى ترميم صورتها أمام الرأي العام، وهو ما التزم به العاهل الجديد منذ اللحظة الأولى.
وفي خطاب تتويجه، شدد فيليبي على مفاهيم “النزاهة، الشفافية، والخدمة العامة”، وبدأ في تطبيق إصلاحات جوهرية، من أبرزها تقليص عدد أفراد العائلة المالكة الرسميين، وفصل بعض أقربائه عن المهام العامة، كما وضع آلية للرقابة المالية ونشر علني لمصروفات القصر، في خطوة غير مسبوقة.
الأزمات السياسية: الملك الذي وقف عند الحياد الصارم
تميز عهد الملك فيليبي السادس بتعقيدات سياسية أبرزها تنامي النزعة الانفصالية في كتالونيا، ففي أكتوبر 2017، واجه النظام الملكي أكبر اختبار له عندما نظمت حكومة إقليم كتالونيا استفتاءً على الاستقلال، حيث ظهر الملك حينها في خطاب متلفز شديد اللهجة، أكد فيه أن وحدة إسبانيا “غير قابلة للتجزئة”، وهو ما أثار انقسامًا حادًا بين مؤيدين ومعارضين.
ورغم الحياد المفترض في منصبه، ظل فيليبي السادس صوتًا داعمًا للدستور والديمقراطية البرلمانية، وعمل جاهدًا على التوازن بين ضمان استمرارية الدولة واحترام إرادة الناخبين في نظام ملكي دستوري.
الحضور الدولي: ملك دبلوماسي بامتياز
على الساحة الدولية، حرص الملك فيليبي السادس على تعزيز صورة إسبانيا كشريك أوروبي مسؤول وفاعل في المنظومة الأطلسية، وقد سعى لتعميق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وأبدى مواقف واضحة من قضايا مثل التغير المناخي، والعدالة الاجتماعية، وأمن الطاقة.
الشعبية والصورة العامة
يحظى الملك فيليبي السادس بشعبية متفاوتة لكنها مستقرة، إذ تُظهر الاستطلاعات أنه يُنظر إليه كشخصية جادة، متزنة، ونزيهة، لا سيما بين فئة الشباب والطبقة الوسطى، ويُحسب له أنه أعاد للملكية قدرًا من الهيبة المفقودة، في وقت تتصاعد فيه الدعوات الجمهورية من قبل تيارات يسارية.
كما أن الاحتفالات بالذكرى العاشرة لتتويجه في يونيو 2024 كانت فرصة لإبراز هذا التقدير الشعبي، حيث نظمت فعاليات ثقافية وشعبية في مختلف أنحاء البلاد تحت شعار: “الخدمة والواجب والالتزام”.
أدوار أعمق: بين الشفافية والإصلاح المؤسسي
في سياق تصحيح إرث والده، أعلن فيليبي السادس تنازله عن أي ميراث مالي من والده الملك خوان كارلوس بعد التحقيقات في شبهات مالية، وأسقط مخصصاته من الميزانية الملكية، وفي عام 2022، أصبح أول ملك في تاريخ إسبانيا ينشر تفاصيل ثروته الشخصية والتي بلغت 2.6 مليون يورو، كجزء من سياسة الشفافية، كما فرض معايير أخلاقية ومهنية على كل من ينتمي رسميًا إلى العائلة المالكة.
المستقبل: الأميرة ليونور تلوح في الأفق
مع بلوغ ابنته الأميرة ليونور عامها الـ18 وأدائها القسم الدستوري، يتوقع أن تبدأ مرحلة جديدة في التمهيد لانتقال سلمي للقيادة، وتعِد العائلة المالكة الفتاة الشابة لتكون أول ملكة منذ عهد الملكة إيزابيلا الثانية في القرن التاسع عشر، مما يعزز من دور المرأة في أعلى مستويات الحكم الرمزي.
المصادر:
الموقع الرسمي للعائلة المالكة الإسبانية
موسوعة بريتانيكا
Biography.com
El País
Euronews
Wikipedia (نسخة إنجليزية)
Cadena SER
Archontology

