أثير – ريما الشيخ
هناك من يبحث عن فن يجمعه بفن أجداده ليجيد روعته، فجميلٌ أن نمضي على خطاهم ونكمل المسير، فهم بدأوا ونحن نكمل المشوار.
هكذا بدأ مشوار الأستاذة نتيلة بنت زهران بن حمود بن سالم الرواحية مع الخط العربي، الذي تفننت بزخرفته؛ لتواصل ما بدأ به جدها؛ كي يستمر للأيام القادمة.
تدربت وتعلمت الكثير على يد جدها الخطاط الشيخ هلال بن سالم بن محمد الرواحي، الذي لُقِّب بـ “شيخ الخطاطين”، فقد كان كاتب الأوسمة والخطابات والرسائل والطغرائية السلطانية لجلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه-
“إن وجدت الرغبة والإرادة فلا وجود للمصاعب”، بهذه الكلمات بدأت الأستاذة نتيلة حديثها مع “أثير” قائلة: من ينوي عمل شيء فسيحصل عليه، ومن أراد وصل، ومن وضع هدفًا له سعى إليه، هكذا كنتُ أفكر لأبدأ مشواري في كتابة الخط العربي، ففي عام 2001م ، كتبتُ لوحتين، لوحة آية قرآنية ولوحة آية الكرسي، فأُعجب بها جدي العزيز وحثني لكتابة المزيد، وهو ما دفعني للاستمرار في هذا العمل.

عشقت الرواحية الخط العربي وجعلته رمزًا لموهبتها رغم التقدم بالتكنولوجيا في هذا المجال، فوصفته بالفن والذوق، والروح والانسجام، ووصفته بالهندسة والعلم كأنه جمال باقٍ، فذكرت: فن الخط باليد يختلف تمامًا عن الخط الإلكتروني، الخط باليد مقرون بالأحاسيس والمشاعر التي يبثها الكاتب، ويزرعها على الورقة، الخط باليد انسجام وتآلف بين الكاتب والورقة، ومع حركة اليد وميلانها تستشعر جمال الحروف والكلمات والجمل، ولا يمكن المقارنة بين فن الخط باليد والخطوط الإلكترونية الجامدة، وكما قال الشاعر: الخط يبقى زمانًا بعد صاحبه*وكاتب الخط تحت الأرض مدفون.
وأضافت : أنا أثق بأن الخطاطين العُمانيين يقدمون الكثير للطلبة الجادين لتعلم الخط العربي، وإذا ذكرنا المخاطر التي قد يتعرض لها فن الخط العربي، فلا بد من ذكر خطر الاعتماد الكلي على الكتابة الإلكترونية، هنا يجب حث الناشئة والكبار أيضًا على الكتابة اليدوية بالخط العربي ، فبالممارسة والمحاكاة والتدريب تنتج أجمل الخطوط.
تميزت الأستاذة نتيلة بمخطوطاتها، لكن جذبتها الطغرائية السلطانية فأجادت رسمها، فما هي هذه الطغرائية؟
أجابت: الطُغْرَاء، أصلها طورغاني بلغة التتار، وتعني العلامة المرسومة على الرسالة، واستخداماتها تعددت منها: علامة سلطانية، توقيع، ختم، وشارة ملكية، قد ترسم في أعلى البراءات والفرمنات السلطانية. فقد اعتمد سلاطين عمان الطغرائية كأسلوب توقيع، وعادة ما يحمل هذا التوقيع عبارات إسلامية ( الواثق بالله ) واسم جلالة السلطان، وغيرها من العبارات، ويكون بمثابة شعار أو وسام أو توقيع رسمي وتكتب في أعلى المكاتبات السلطانية.
بدأ مشوارها بكتابة الطغرائية بعد وفاة جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- وذلك رغبةً منها بعمل تصاميم جديدة للسلطان هيثم بن طارق –حفظه الله ورعاه- ،عن ذلك ذكرت لنا: عندما فكرتُ بعمل تصاميم جديدة للطغرائية السلطانية، قررت الاستئذان من جدي لتكملة هذا المشوار الذي بدأه هو مع جلالة السلطان قابوس – رحمه الله وأسكنه جناته – ، فكان رده لي “نعم اكتبيها”، ومنذُ تلك اللحظة أحسستُ بمسؤولية الشروع في عمل التصميم.

وأضافت: جدي الخطاط الشيخ هلال الرواحي هو بلا شك مثلي الأعلى، فهو الذي أبحر في فن الخط وأبدع فيه، بعد أن ورث جمال الخط من والده الملقب بـ (كاتب الحضرة السلطانية لسلاطين زنجبار) الشيخ سالم بن محمد بن سالم الرواحي -رحمه الله- .
أما عن تقديم الطغرائية السلطانية للمقام السامي، فقالت: تم إرسال خمسة نماذج مختلفة من الطغرائية السلطانية باسم (الواثق بالله السلطان هيثم بن طارق بن تيمور بن فيصل آل سعيد) ، مُرفقة برسالة إهداء للمقام السامي، وأرجو أن تكون قد نالت الشرف بعرضها على المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد -حفظه الله ورعاه-.
لكل خطاط لوحة مُعينة يجد نفسه مشدودة إليها، وهذا ما أكدته الأستاذة بقولها: نعم، لكل لوحة مكانتها الخاصة لدي، ومما لا شك فيه بأن الإنجاز الأول لي، له وقع خاص في نفسي، وهي لوحة (آية الكرسي) ، ومن لوحاتي الأخيرة، لوحة للآية الكريمة {وما بكم من نعمة فمن الله} من سورة النحل ، الآية (53) ، والتي كان لي الشرف في كتابتها بأمر من والدي الجليل الشيخ زهران الرواحي، فقد أحببتُ إعادة كتابة هذه الآية بالألوان بعد كتابتها بالقلم الأسود، وذلك للإشارة إلى تعدد أنواع النعم من حولنا، وبألوان مختلفة وهي كلها بفضل ونعمة من الله تعالى، فواجب علينا شكر الله وحمده دائمًا وأبدًا ، اللهم لك الحمد والشكر.“الخط العربي فن ودقة ، ويمكننا إيصاله للآخرين وتوضيح مشاعرنا فيه، فلنعمل لإيصال فن الخط العربي للأجيال القادمة” ، بهذه الكلمات ختمت الأستاذة نتيلة الرواحية حديثها مع “أثير” مؤكدةً بأن ممارسة الخط مع تشجيع الآخرين له دور في تحقيق الإنجازات، وأي فن أو عمل بالتأكيد بحاجة لكلمة تشجيع تحث لبذل المزيد.
كما شكرت كل من منحها الثقة والوقت والتشجيع للكتابة، وخصّت بالشكر زوجها و والديها، الذين كان لهم دور كبير في صقل هذه الموهبة لديها منذُ الصغر بتشجيعهم المستمر ودعواتهم لها.

يذكر أن الأستاذة نتيلة الرواحية قد قامت بعدة أعمال منها: تصميم الطغرائية السلطانية، تصميم مخطوطات لآيات قرآنية، تصميم طغرائية خاصة بطلب خاص، تصميم بطاقات الأفراح، والأعياد، والرسم التشكيلي/ حروفيات، كما قدمت عدة مشاغل في المدارس للتعريف بالخط العربي وتحبيبه للناشئة.