أخبار

قصة الطفل العُماني..والـ 4 حروف التي تبحث عن كاتبٍ لها

قصة الطفل العُماني..والـ 4 حروف التي تبحث عن كاتبٍ لها
قصة الطفل العُماني..والـ 4 حروف التي تبحث عن كاتبٍ لها قصة الطفل العُماني..والـ 4 حروف التي تبحث عن كاتبٍ لها

أحمد بن ناصر الراشدي- باحث متخصص في أدب الأطفال والناشئة

فوجئت في إحدى دورات معرض مسقط الدولي للكتاب بأربعة حروف تتدحرج من روحي كما تتدحرج بتلات الزهور في جدول النبع، وتختبئ بين أرفف الكتب، لقد تدحرجت في غفلة مني وأنا غارق أتأمل كتابـًا في أدب الرحلات، لم أتبينها رغم إحساسي أنني أعرفها منذ كنت جنينا في بطن أمي، قررت أنْ أعيش التجربةَ وأتبعها، لا أدري ما الذي كان يجذبها نحو الجناح اللبناني، هل تفعل ذلك عن نية وقصد لتدلني على أمر أجهله، أم أنها تلعب وتلهو معي! مر أمامها طفل وطفلة فقفزت الأحرف الأربعة فوق رأسيهما، شَعَرا بدغدغتها فضحكا، ثم غطست في أحد الكتب، ولكن أي كتاب! هل فقدتها؟

لا… لم أفقدها، فقد لمحت أحدها في دار العلم للملايين، كان حرفِ العين يدخل كتاب أطفال ملونًا، انتظرته، ثم رأيت حرف الميم يتبعه ثم الألف ثم النون، إن ذلك الترتيب المُمَوسَق لهذه الأحرف أحفظه كما أحفظ اسمي، في تلك اللحظة فقط تيقنت من وخزة الإحساس التي انتابتني بأنّ فردوسًا من البهجة كنت سأفقده عندما كانت هذه الأحرف الأربعة بالذات تغادر روحي وشراييني ولو لوقت قصير، إنها ع، م، ا، ن التي تُشكل اسم وطني عُمان.

«لا أريد أن أكون طفلا» هذا هو اسم الكتاب الذي دخلت صفحاته حروفي الأربعة الحبيبة من تأليف الكاتبة اللبنانية فيروز قاردن البعلبكي ورسوم لمياء صعب المهتار، تروي فيه الكاتبة قصة الطفل العُماني إياد ذي الخمس سنوات المولود «داخل أسوار مدرسة السلطان في السيب» الذي كان أبواه يعملان مدرسَيْن فيها، حيث تأذن له أمه في يوم الجمعة –بعد إلحاح منه- أن يخرج ليكتشف مثل أخوته الكبار (خلفان ومثايل) حديقة البيت، لكن الشهي في الحكاية أنه بعد تلك النزهة عليه أن يقرر ماذا سيصبح: نحلة، أم زهرة ياسمين، أم زهرة فل، أم فراشة ملونة؟
ينطلقُ إياد بكل حرية وشغف ليكتشف قفير النحل في الشجرة المجوّفة الذي ينكشه بعصاه الرفيعة رغم تحذيرات أمه من لسعات النحل، رافضًا عرض النحلات أن يكون ذكرها أو ملكتها ثم «أخذ يجول بنظره على الزهور فيتفحصها واحدة واحدة من بعيد» وبكل دلال كن يتمنين عليه أن يختار إحداها ليصبح واحدا منها، وهكذا تستمر رحلة إياد يسكتشف جمال روحه في الطبيعة العمانية وما تتزيا به من تفاصيل تُمتعُ وتؤنسُ الروح وتشتهي صداقتها إلى أن يصل للفراشات التي تشترط له شرطا ليصبح مثلها وتعطيه مهلة للغد!
كل هذه التفاصيل التي ترويها الكاتبة فيروز قاردن البعلبكي عن حديقة بيت عماني في 39 صفحة جمعتها في زيارة لها لعُمان استمرت 6 أشهر كما روى لي مندوب الدار.
وما كدت أنتهي من قراءة هذا الكتاب حتى غادرته حروفي الأربعة بكل رشاقة وأناقة، تجاوزت دارين ثم دخلت دار أكاديميا اللبنانية، وعلى علم تام بمندوب الدار راحت تتقافز كما الفراشات بين صفحات سلسلة للأطفال اسمها «سلسلة زمردة – للأطفال من 9-12 سنة» مصفوفة في الواجهة بعناية جذابة، من كتاب «زمردة في دمشق»، ثم كتاب «زمردة في مكة المكرمة» ثم «زمردة في أبوظبي»، وإذا بها تستقر في كتاب «زمردة في مسقط» هذه السلسة من تأليف شيرين إيبييش، تروي فيها الكاتبة على لسان الطفلة زمردة تاريخ مسقط وبعض المعالم المعمارية فيها مثل قلعة الجلالي والميراني وبعض البضائع التي يتنافس السياح في اقتنائها مثل اللبان والحلوى. هكذا تروي زمردة حكاية مسقط بهجة الأنظار بلغة تقريرية خالية من الفن والإدهاش والتخيل، أزعجت حروفي الأربعة، مما جَعَلَ حرف العين يغضب ويأمر إخوانه الثلاثة أن يبحثوا عن كتاب آخر يليق بهم.
فقدتُ حروفي الجميلات في دار كلمات للنشر والتوزيع، ورحت أقلِّب بتفحص دقيق كتبَها الزاهية بتجليدها الفاخر والفاتنة بألوان المرح، حريص ألا تنتهي هذه التجربة إلا بما يُسعد حروفي.
لكنِّي فعلاً فقدتها، بعدما تعبتُ من البحث عنها وتسرّب اليأس لقلبي، بعدها مددت يدي لكتاب «ابن بطوطة» لأسلّي نفسي وأهشُ عن روحي الحزن، هذا الكتاب خُتم على ظهره «سلسلة هل تعرف من أنا؟» من تأليف القاصة فاطمة شرف الدين ورسوم انطلاق محمد علي، تروي فيها الكاتبة على لسان الرحالة المغربي ابن بطوطة سيرة رحلاته التي بدأها وعمره إحدى وعشرون سنة عام 1325م ودوّنها في مذكراته التي أصدرها في كتاب أسماه «تحفة الأنظار في غرايب الأمصار وعجائب الأسفار» منطلقا من المغرب العربي إلى مصر ثم مكة المكرمة ثم القدس الشريف ثم بلاد فارس ثم اليمن وبلاد الهند وغيرها من البلدان، وفي السطر الأول من الصفحة 19 وجدت حروفي الأربعة: «في عام 1332م وصلتُ مكة عن طريق عُمان وخليج فارس» وجدتُها في هذا السطر الصغير حزينة، ليست لأنّي تأخرت عليها، وإنما لأن الكاتبة القاصة لم تذكر للأطفال العرب على لسان ابن بطوطة أي تفاصيل عن رحلته لعُمان بعكس بلدان أخرى أعطتها مساحة كتابية تُشبع نهم الأطفال، لم تذكر الكاتبة رحلة ابن بطوطة لقلهات التي أُعجب بأخلاق أهلها وكرم حاكمها، وأَسَرَه مذاق سمكها مدة بقائه فيها، ولا عندما نزل مبتهجا بميناء حاسك في مركب لرجل من جزيرة مصيرة مكتشفا جنائن ظفار، ولا ما دوّنه في مذكراته عن المدن العمانية التي زارها.




إنَّ حروفي الأربعة تبحثُ عن كاتب عُماني، ينسجُ عنها حكايات وقصصا وروايات ماتعة للأطفال حتى يعشقوا تفاصيلها وتسكن أرواحهم، تزورهم في مناماتهم، ويتكحلون بها في صباحاتهم وهم يغنون النشيد الوطني، تبحث عن كاتب يحترف الحكي والسرد، يرجع لكتب التراث العربي وكتب التاريخ العمانية والأدب الشفهي الحكائي ويُعيد تشكيل وبناء ما تنتقيه عينه وروحه من قصص وشخوص في كتاب فني شيق، لا يتصف بسرد ممل بارد، كما هو الحال في كتاب «لا أريد أن أكون طفلا» لفيروز البعلبكي، ولا بلغة كتاب «زمردة في مسقط» التقريرية الصحفية الإخبارية التي لا تتناسب مع سن الأطفال الذين تأسرهم اللغة الحكائية.
رغم صدور بعض الكتب التي استنشقت فيها حُب عُمان وجلال جمالها الطبيعي والحضاري مثل كتاب “الجبل الأخضر صديق النجوم” لأزهار أحمد ورسوم ابتهاج الحارثية ، أو سلسلة كنوز من بلادي، من تأليف يسرا العلوية ومهند العاقوص.. لكني لا زلت أبحث مع حروفي الأربعة عن كاتب عُماني يروي بفنية متقنة على لسان رحالة أو سندباد في سلسلة لأطفال عُمان عن جَمال وعراقة مَسقط ونزوى وسمائل وشناص وخصب وصلالة، وكل مدن بلادي وحضارتها.


Your Page Title