أكرم بن سيف المعولي- نائب رئيس اللجنة البارالمبية العمانية، عضو مجلس إدارة الجمعية الخليجية للإعاقة
في 3 ديسمبر من كل عام يصادف اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، حيث يكون هذا اليوم بمثابة نقطة تركيز ومراجعة وتقييم لمختلف الجوانب المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة، والوقوف على الآمال المشتركة التي تجمع كافة فئات الأشخاص ذوي الإعاقة لتحقيق غايات عديدة أهمها الاستقلال الذاتي وتعزيز الاندماج مع المجتمع، وكذلك توثيق الترابط بين تلك الآمال والتطلعات مع رؤية عمان 2040.

لقد جاء شعار اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة مواكبا للظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم نتيجة انتشار فيروس كوفيد 19 تحت عنوان ” إعادة البناء بشكل أفضل”، وذلك لضمان حماية هذه الفئة من هذا الوباء والحصول على التدابير المتاحة بشكل متساوٍ مع الآخرين، بالإضافة إلى عدم تجاهل المؤسسات لهم في الخطط التنموية الشاملة لما بعد انحسار هذا الوباء، والذي نأمل بأن يكون قريبا بإذن الله تعالى.
وعلى الصعيد المحلي في السلطنة وفي ظل النهضة المتجددة تحت قيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه – تتجدد معها التطلعات التي من شأنها أن تحدث نقلة نوعية في مختلف الجوانب المحلية التي تلامس قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، ومن شأنها أيضا أن تحدث تحولا جذريا ومواكبا لهذه النهضة لتعجّل من تحقيق حصاد المكاسب الطموحة لرؤية عمان 2040.
ويشترك عموم الأشخاص ذوي الإعاقة في أهداف عامة متشابهة والتي تشكل جل تطلعاتهم، وغالبا ما تكون تلك الأهداف هي محور أغلب اللقاءات والنقاشات والمطالبات، وتتمثل في التوظيف وتكوين أسرة والتعليم والخدمات الصحية والرياضية والمسكن الملائم.
وعندما نتناول تلك الأهداف أو المحاور فنجد أن التوظيف يعد أحد أبرز الآمال المرجو دعمها من قبل الجهات ذات الاختصاص لما للتوظيف من دور رئيسي في تحقيق بعض المحاور الأخرى كالزواج والمسكن والاستقرار النفسي، حيث إن الفرص الوظيفية المتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة تعد فرصًا محدودة جدا ولا يتحقق فيها مبدأ المساواة مع الآخرين لاعتبارات مرتبطة بملاءمة طبيعة مهام الوظيفة مع نوع الإعاقة، لكن في الجهة الأخرى لا بد من تعويض الفرص المتاحة للآخرين بفرص أخرى تقدم للأشخاص ذوي الإعاقة في المجالات التي تتلاءم مع قدراتهم وإمكاناتهم، ولا يتأتى ذلك إلا بسن أنظمة وقوانين تكفل لهم فرصا وظيفية بنسبة محددة في كافة القطاعات مع الأخذ في الاعتبار بأن يتم منحهم فرصة متساوية ومتكافئة في المنافسة على الوظائف التي يتم طرحها بشكل عام والتي بإمكانهم مزاولتها، وأن يكون هناك دور من قبل الجهات المعنية في تعزيز ثقافة العاملين في الموارد البشرية في مختلف المؤسسات في التعمق في إيجابيات توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة وكيفية تخطي كافة التحديات لإيجاد بيئة عمل صديقة لهذه الفئة في كافة القطاعات.
وحتى يتم تحفيز مختلف المؤسسات في القطاعين العام والخاص في توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة لا بد من جهد إعلامي يبرز النماذج الناجحة للموظفين من ذوي الإعاقة وتسليط الضوء على إنجازاتهم وكفاءتهم في ميادين العمل من خلال اللقاءات في وسائل الإعلام المختلفة وكذلك من خلال إنتاج برامج وثائقية حول توظيف وكفاءة الأشخاص ذوي الإعاقة في ميادين العمل.
ومن بين التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة هو الزواج، حيث إن مجتماعاتنا العربية بشكل عام لا تزال تتحفظ نوعا ما في هذا الجانب، وعلى الرغم من وجود الكثير من النماذج الناجحة والأسر المستقرة من خلال زواج الأشخاص ذوي الإعاقة فلا زالت هناك تحفظات وتخوف من قبل أولياء الأمور في هذا الأمر، وعليه فإنه لابد من جهد مضاعف لكشف الغطاء عن ذلك التحفظ ومعالجته من خلال التوعية المستمرة وإيجاد الحلول من قبل الجهات المعنية للتحديات التي تواجه هذا الزواج وتقديم التسهيلات اللازمة لتعزيز تقبل المجتمع، بالإضافة إلى إبراز النماذج الناجحة لزواج الأشخاص ذوي الإعاقة.
ونظرا إلى التطور المستمر الذي تشهده رياضة الأشخاص ذوي الإعاقة في السلطنة من خلال تعدد الرياضات واستقطابها لداعمين من القطاعين العام والخاص وكذلك تكوين قاعدة جماهيرية تتابع بشغف الرياضات والإنجازات الإقليمية والعالمية التي يتم تحقيقها على يد أبطالنا الرياضيين من ذوي الإعاقة في المنافسات العالمية فإن الوقت قد حان لتعزيز القطاع الرياضي للأشخاص ذوي الإعاقة من خلال الإسهام في نشر الرياضات المختلفة بمحافظات السلطنة، وتهيئة كافة المرافق الرياضية لتستقطب كل من يرغب في مزاولة الرياضة من قبل الاشخاص ذوي الإعاقة، وتوفير كوادر فنية تعمل على تدريبهم والإشراف على مشاركاتهم في الأنشطة المحلية والمنافسات الدولية من خلال الانضمام إلى صفوف المنتخبات الوطنية لذوي الاعاقة باللجنة البارالمبية العمانية واللجنة العمانية لرياضة الصم والأولمبياد الخاص.
ويعد إنشاء نادٍ رياضي ثقافي خاص بهذه الفئة أحد أهم التطلعات التي يعمل الرياضيون من ذوي الإعاقة على تحقيقها، لما يشكله هذا الصرح من نواة رئيسية تدفع بقطاع الرياضة وتعزز من مكانة السلطنة في المحافل الرياضية الدولية، وأيضا سوف يسهل في عملية تنظيم البطولات العالمية لأن تقام في السلطنة والذي بدوره سوف يعزز من الاقتصاد الوطني من خلال الوفود القادمة للمنافسات.
أما فيما يتعلق بالتعليم فلا يزال هناك عددٌ من التحديات التي تواجه ذوي الإعاقة وأسرهم في الاندماج في المنظومة التعليمية بشكل ميسر وكذلك التعامل مع التقنيات التعليمية الحديثة خلال جائحة كوفيد 19، حيث إنه لا بد من التحقق في قدرتهم على استقاء العلم وعدم التخلف عن الركب تحت كل الظروف.
ويعد التعليم العالي إحدى الركائز التي ينبغي الاشتغال عليها لهذه الفئة لما تشكله من خطوة رئيسية بالغة الأهمية في فتح أبواب المستقبل لهم سواء من خلال التوظيف أو من خلال التمكين الذاتي ورفع مستوى الوعي والإدارك لديهم واستخلاص قدراتهم الحقيقية واستغلالها في بناء الوطن. وعليه فإنه لا بد من منح مقاعد جامعية أكثر في القطاعين التعليمي العام والخاص وتقديم التسهيلات لاستقطاب أكبر قدر ممكن من ذوي الإعاقة الراغبين في مواصلة تعليمهم العالي، وفتح تخصصات جديدة يحتاج إليها سوق العمل تتناسب مع هذه القدرات المتفاوتة.
وبما أن السلطنة دخلت عصر نهضة متجددة تتجدد معها الآمال والطموحات فإنه بات من الضرورة بمكان لوجود إستراتيجية شاملة تستهدف هذه الفئة بالتحديد، وأن تتواكب هذه الإستراتيجية مع أهداف رؤية عمان 2040. ولا بد من وضع أهداف قصيرة المدى إلى جانب الخطط طويلة المدى تستهدف مجالات محددة تلامس واقع الحياة للأشخاص ذوي الإعاقة، وأن نعمل على أهداف وبرامج محددة يتم مراجعتها وتقييمها بين حين وآخر لضمان تحقيق أقصى استفادة منها، ومن بين تلك الأهداف على سبيل المثال كأن نضع هدفا بأن تكون السلطنة الدولة الصديقة للأشخاص ذوي الإعاقة من خلال تهيئة كافة عناصر ومكونات البنية الأساسية والمرافق العامة والمواقع السياحية لتكون نموذجا يحتذى به في هذا المجال.
وعليه فإن اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة ليس نقطة وقوف للمراجعة ولوضع الخطط، فلا ينبغي أن نقف على أي يوم نراجع فيه ما تم تقديمه وما ينبغي العمل عليه وإنما ينبغي أن يكون هذا الأمر نهجا مستمرا لتعزيز وتمكين هذا القطاع والفئة المستهدفة، وذوي الإعاقة وأسرهم شغوفون بأن تكون هناك نقلة نوعية وجذرية في كافة المجالات التي تلامس شئونهم بما يواكب الخطط الطموحة للسلطنة، وأن يشعروا فعلا بأنهم جزء مهم، ويقوم تقدم الوطن على سواعدهم.