أثير-جميلة العبرية
عذاري بنت علي الشيذانية خريجة ماجستير وبكالوريوس تخصص الفنون من جامعة السلطان قابوس، مولعة منذ طفولتها بالرسوم المتحركة وطريقة رسمها وتحريكها ومحاولة تقليدها برسم شخصيات أخرى من صنع الخيال، ويشدها كل ما يخص الطفل من فنون ورسومات كرتونية وقصص ومحتوى ثقافي، كبرت ولازمها الاهتمام والشغف حتى اليوم؛ لتحقق في رسالة تخرج الماجستير مشروعًا يوثق أغاني الطفولة والألعاب الشعبية في قالب بصري لمرحلة الطفولة المبكرة يُعدّ الأول من نوعه في السلطنة.

“أثير” التقت بعذاري التي قالت في البداية بأن الاهتمام بثقافة الطفل تُعدّ من أولويات شعوب العالم اليوم، حيث لم يحظَ أطفال اليوم بالاهتمام الكافي في مجال الموروثات الشعبية والممارسات القديمة والتي عاش عليها أطفال الأجيال السابقة، إذ تعد هذه الموروثات بمثابة هوية تميز الفرد عن بقية شعوب العالم، مشيرة إلى أن مشروعها اهتم بتقصي وإعادة إحياء هذه الألعاب والأغاني في قصص مصورة وتوثيقها من خلال تصميم قالب بصري لمرحلة الطفولة المبكرة يحفظ كل تلك الممارسات وكمكتبة إلكترونية تمكن الطفل من التعرف على موروثات بلده الشعبية بصورة إبداعية تواكب احتياجاته وتطوره.
وأضافت: تأتي الحاجة إلى التوثيق بسبب بدء اندثار هذه الأغاني والألعاب الشعبية، وأن الأطفال اليوم باتوا بعيدين تماما عن كل هذه الممارسات الشعبية الأصيلة، وحلت محلها الأغاني الغربية والألعاب التي لا تمت للثقافة العمانية بأي صلة. فقد أصبحت متعة طفل اليوم وتسليته محصورة في جهاز لوحي بحجم كف اليد، والحاجة الأكبر التي دعتنا للبحث في هذا المجال وتوثيقه هو الخوف من تلاشي هذه العادات العمانية الأصيلة والأغاني الجميلة والألعاب البسيطة المسلية، حتى يخرج الأطفال من منازلهم ومن أمام شاشاتهم وأجهزتهم اللوحية المتعلقين بها بشدة، إلى ساحات المزارع والتسابق على أرصفة الشوارع والجري على ساقية الفلج، أن يلعبوا مع أبناء الجيران أكثر مما يلعبوه على أجهزتهم اللوحية، وأن يركضوا على الواقع أكثر من تحريكهم لتلك الشخصية الإلكترونية في لعبة افتراضية محاولين إنقاذها من عدو وهمي، أن يتحدثوا مع الآخرين وجها لوجه ويتفاعلوا معهم بصورة مباشرة وليس من خلف شاشة، أسباب كثيرة تجعلنا نرغب في تغيير لعب الأطفال اليوم واسترجاع الألعاب القديمة التي لعبناها وعشنا ونحن نمارسها بكل حب وفرح مع الأصدقاء والجيران وزملاء المدرسة.
وأوضحت بأن طبيعة الطفل المرحة التي خلقت تعشق الغناء واللعب ألهمتها للخروج بهذا المشروع الثقافي، فالطفل العماني يعيش في بيئات متنوعة ومختلفة باختلاف محافظات السلطنة وتم الأخذ بالاعتبار كل هذه التضاريس وأدخلت في تصميم القصص؛ فكل قصة صممت ببيئة عمانية مختلفة، وصممت هذه القصص بأسلوب خيالي مشرق يتناسب مع مخيلة الطفل وبصورة يستوعبها عقله وأفكاره.
وذكرت الشيذانية بأن قضية هذا المشروع تتمحور حول تصميم مشروع ثقافي للطفل العماني في قالب فني بصري كأغاني مصورة وألعاب شعبية مرسومة ومتحركة، مراعيا في ذلك خصائصه النفسية والعقلية والمجتمعية وأن يكون هذا المشروع أصيلا في محتواه وطريقة عرضه ومواكبا لجيل طفل اليوم وتعريفه بالأغاني والألعاب الشعبية والقصص من جديد بأسلوب فني مبتكر، وتكمن الأهمية في هذا المشروع على أنه خطوة جادة في تزويد المكتبة العمانية بمراجع ومادة ثقافية وبصرية معاصرة للطفل العماني ليكون من أوائل المصادر في هذا المجال وإنتاج مادة ثقافية أصيلة تهتم بتسجيل الأغاني والألعاب الشعبية العمانية في قالب بصري، كما أن رصد الأغاني المرتبطة بالطفل العماني له أثر ومردود ثقافي واقتصادي للطفل وللمجتمع على حدٍ سواء.
وعن عدد القصص التي شملها المشروع أوضحت الشيذانية: قدمت حتى الآن خمس قصص مصورة، تم تصميمها وطباعتها كنسخة تجريبية وكعينة لمعرفة مدى تفاعل الطفل معها وما التحسينات اللازم إضافتها في النسخ القادمة، وقد حظيت هذه النسخ باهتمام كبير من قبل الطفل والمجتمع وأولياء وما يزال هذا المشروع في خطواته الأولى ولم يكتمل بعد، فهناك الكثير من الأغاني والألعاب الشعبية التي بحاجة إلى توثيق واهتمام لتقديمها للطفل .
وفي سؤال عن الداعمين لمشروعها أجابت عذاري: لم يكن هناك أية دعم حتى الآن، فكل الجهود حتى الآن كانت بجهود شخصية وبإشراف من الأستاذة الدكتورة فخرية اليحيائية التي اهتمت كثيرا بمسألة تطوير المشروع للخروج بصورة فنية احترافية وملائمة للطفل، فقد تم تقصي الأغاني والألعاب الشعبية بالرجوع إلى المراجع التاريخية العمانية وبالاعتماد على الفيديوهات المصورة لحفل العيد الوطني سنة ١٩٩٤ الذي عرض فيه لوحات غنائية راقصة حول الألعاب الشعبية العمانية وتم استخدام محتواها للكتب المصورة التي أنتجناها، فكان التحدي الأكبر هو الوصول للهوية البصرية العمانية الأصيلة، فحتى ننتج قصصًا مصورة للطفل وخصوصا أنها من التراث العماني علينا أن نصمم شخصيات عمانية ترافقنا في هذه القصص، فقد قمت بالتعاون مع الأستاذة الدكتورة فخرية اليحيائية بتجارب كثيرة في رسم شخصيات لأطفال عمانيين واستلهمنا الشخصيتين الرئيسيتين في القصص من أطفال عمانيين حقيقيين وقمنا بتحويلهم لشخصيات كرتونية تمتلك الملامح العمانية الأصيلة المميزة ذات العيون الواسعة والحواجب الكثيفة.

واختتمت الشيذانية ذات الشغف الطفولي حديثها لـ “أثير” موضحة بأن نتائج المشروع أظهرت أن الموروثات الشعبية العمانية غير المادية قابلة للتجديد والتجريب والتطوير، وأننا من هذه الموروثات نستطيع الخروج بأفكار كثيرة ومتنوعة لنعيد إحيائها بصورة معاصرة تواكب مجتمعات اليوم وتطورها المستمر.

من جانبها قالت الأستاذة الدكتورة فخرية اليحيائية بأنها سعيدة بالتفاعل المجتمعي مع مشروع عذاري الشيذانية، وإشرافها عليها، موضحةً: عندما بدأنا مناقشة أفكار الطلبة لمشروع الماجستير وجدت في عذاري شغفا كبيرا في رسم الشخصيات الكرتونية، وكانت لها محاولات في المشاركة برسم شخصيات لبعض كتاب قصص الأطفال؛ ولأن مشاريع الفنون يجب أن تكون أصيلة وخاصة بالفنان الباحث وعذاري ليست في مجال الكتابة في أدب الأطفال لكنها تمتلك موهبة تخدم هذا القطاع، من هنا جاءت الفكرة في أهمية توثيق الأغاني وألعاب الطفولة العمانية وخاصة أنه يوجد شح حقيقي في توثيق هذا الجانب وجميع ما هو معروض للطفل العماني هو أغاني أجنبية يتعلمها أبناؤنا ويرددونها، وفعلا مر المشروع بخطوات كثيرة بدءًا برسم شخصيات ذات ملامح عمانية، والبحث عن أغاني الطفولة وبعض الألعاب التي تكاد أن تكون قد اندثرت.

وأشارت اليحيائية إلى أن المشروع يعد ثقافيًا واعدًا ومستمرًا وهناك مساعٍ لتكملته والعمل على تحريك هذه الأغاني وتكون متاحة في التطبيقات. كما سوف تسعى عذاري إلى البحث عن أغلب أغاني الطفولة من المحافظات العمانية المختلفة ليجد الطفل العماني إرثًا حقيقيًا ينتمي لثقافته وهويته بطابع وزي عماني أصيل.