مسقط-أثير
في إصداره الجديد “حرّية الرأي” يتناول الكاتب داؤد الكيومي مفهوم التفكير والتعبير عنه، باعتبار أن ذلك مسلّم به، حيث لا معنى للحياة إلا التبعية المطلقة والانقياد على عمى، مطالبا بأن لا يكون الإنسان إمّعة، إن أحسن الناس أحسن وإن أساءوا أساء.
يقدّم المؤلف الإهداء إلى معلمته ومعلمه في الصفوف الابتدائية، فاطمة الزهراء ومحمد الصباغ في إشارة إلى القول القرآني “ولا تنسوا الفضل بينكم”، مشيرا في مقدمته للكتابة أن “حريــة الرأي لم يتــم تصديرها لنا، فهي في صميم ديننــا، حثّنا الإسلام عليها، وكذلك أولياء أمورنا على اختلاف في المساحة المتاحة، ولكن البعض يستمتع دائما بجلد الــذات، وإنكار كل ما هــو نابع من الداخل، معليا مــن شأن القادم من الغرب، وكأنما لم يكن هنالك قبله من حرية رأي، متناسـيا عن قصد ولا أقــول عــن جهل الحقيقة المطلقة أن الحرية متشربة في هذه الأرض الطيّبة أخرجت أزهــارًا يانعــة وثمارًا مختلفًــا أكلهــا”.
ويطرح المؤلف تساؤله حول الحرية، وهل هي مطلقة؟ أم أن لها حدودا، مشيرا إلى أن ينبغي أن تكون “عقلانية بناء ذات بنية سليمة، وقواعد متينة، لتؤتي ثمارها المرجوة منها، لا أن تكون سلعة في يد من لا يعرف قيمتها، ولا يحسن استخدامها، فتكون هدّامة، أو نارا تأتي على الأخضر واليابس فلا تبقي ولا تذر”.
وبلغة سلسة يقترب الكيومي من موضوع كتابه، طارحا جملة من العناوين، ويقارب ببساطة مع مفردات الحياة اليومية، فتحت عنوان “لعبة السياسة” يقدم أفكاره من خلال رؤية الإنسان العادي، وهو المتسائل “تو أنا مو دخلني في السياسة؟”، وكونه شاعرا فإن المؤلف يحضر من خلال نص يوضح الرؤية:
أشكال تخرج للدنيا
تتخفّى في ثوب الإنسان
داخلها أشكال أخرى
وحش ذئب أو ثعبان
وأنا الإنسان البائس
ما زلت أسيرا للقضبان
همّي يومي وغدي الآتي
هل أحيا جائع أم شبعان
ويمضي المؤلف داؤد الكيومي، في كتابه الصادر عن دار لبان للنشر، في الحديث عن مجموعة أفكار، من بينها “فكرة المؤامرة” التي تمضي إلى “الخضب المسندة” حيث حث الإنسان بتفكيره: “اعرف نفسك” من خلال “ومضات” ترصد “عندما تتهاوى الأقلام” مقتربة من “برامج المسابقات الشعرية” و”الشعراء المليونيين” مطالبا “مهلا أيها الناقد” فثمة “هالة وهم”، أو ذلك “الخوف الكاذب” يتلاقى مع “بكار الروح” وعبر مجموعة عناوين يصل إلى “تعسف الأحكام” فهناك “ذكورة الأقلام وأنوثة الورق”، ووصولا إلى “هزة الرأس”، والتساؤلات الأخيرة في خاتمة الكتاب: “بعد ذلك الطرد السريع، أعاود التفكير، هل كان ما قمت به ذلك اليوم صائبا؟ أم أن كان لا بد أن أتخذ موقفا مغايرا؟”.
يذكر أن داؤد الكيومي قدم مجموعة من الإصدارات الشعرية والقصصية والمقالات، وله حضور واسع في الساحة الثقافية العمانية.
كما صدرت في مسقط الطبعة العمانية من رواية “خطف الحبيب” للروائي الكويتي طالب الرفاعي، في تجربة غير مسبوقة في عالم النشر بالوطن العربي، وستكون لبان حاضرة ضمن 14 دار نشر عربية قدمت للقارىء هذا العمل الأدبي في نفس يوم صدوره.
وأعرب الرفاعي عن سعادته بهذه الخطوة التي يأمل منها الوصول إلى أكبر قدر من القراء في عدد واسع من البلدان العربية، في تخطّ لمشكلة النشر خاصة وسط الظروف الحالية، وانتظار المعارض أو وصولها بكلفة عالية إلى الراغبين باقتنائها، كما أنها تعكس التنوّع لدى دور النشر من خلال تصاميم مختلفة للأغلفة، وهذا بعد إضافي للتجربة، علما أن الروائي طالب الرفاعي قدّم العمل هدية لدور النشر مقابل عدد بسيط من النسخ، لدعم تبنّي الفكرة من قبل أصحاب هذه الدور حيث ستنحصر مبيعاتهم في أوطانهم فقط.
وتصدّر غلاف “خطف الحبيب” في نسختها العمانية لوحة للفنان العالمي ضياء العزاوي، وهي من مقتنيات المؤلف، فيما قدم المؤلف عمله إهداء إلى أخته “الحبيبة حياة، ذكريات عمر ولهفة لقاء لا تنطفىء”، لتستهل جملتها الأولى بإشارة قوية إلى هويّة العمل الأدبي العميقة حيث “لا اعتراض على شمس الله”، حيث تكتمل الرؤية بالجملة التالية التي يقولها أحد أبطال الرواية، الابن الذي يصرخ في وجه والده “عقابكم قادم، عقابكم قادم” ليتزيّا باللباس الأفغاني، ويدخل في متاهة تبدو لا حدود لها.
فبطل الرواية رجل كويتي، مليونير، يقع في علاقة مع شابة جميلة، إيرانية، وفيما يكابد مشقّات الحياة وتداعياتها، يواجه مصير ابنه أحمد، أحب أولاده إليه، يلتحق بالمجموعات الجهادية، فلا يكاد يعرف عنه شيء: “تف أخبارٍ تصلني عنه؛ مجاهد ضمن جماعة إسلامية تقاتل في سورية! منذ صغره كان الأحب إلى قلبي، تسكرُ روحي حين أحتضنه ونتصارع معًا. أدغدغه في اخاصرته وفخذه، فيعلو صوت ضحكاته الحلوة”، وما يصله من أخبار يدخله في متاهة أكبر: “الحمد لله، أحمد صار أميرً ا لجماعة جهادية في سورية، وأصبحت كنيته أبا الفتح الكويتي”.
لا يكاد الرفاعي يبتعد كثيرا عن لعبته الروائية التي قدّمها في أكثر من عمل سابق، حيث المكان يلعب دور البطولة، مقتربا من المناطق الاجتماعية الشائكة، بعيدا عن التنظيرات السياسية وإلباس حمولة البطولات الوهمية لأشخاص لا يستحقونها، فأبطال الرفاعي أبناء المجتمع الكويتي، يكاد المرء يصطدم بهم في جولاته على أسواقها وديوانياتها، بسطاء ورجال أعمال، المعاناة الدائمة في البحث عن “حياة حقيقية” وسط العذابات النفسية، وكان آخر أبطاله في رواية “حابي” الشاب الكويتي الذي غيّر جنسه نتيجة اضطرابات هرمونية، و البطل هذه المرة في “خطف الحبيب” مليونير يعيش بذخ الحياة: “منذ انتهاء الاحتلال العراقي، تعوّدتُ أن أستبدل سيارتي كل سنة. بمجرد أن يصل الموديل الجديد يُرتّب صديقي وكيل المرسيدس سيارتي الجديدة، ويرسلها إليَّ ، بعد أن يُثمِّن سيارة العام الماضي”.
ولأنها قصة حياة فلا بد من “حكاية حب” تجمّل الحالة السردية، فمنذ النظرة الأولى “يخّيّل إليَّ أن نداءً خفيًّا لاح في نظرتها وصفحة وجهها، فمسَّ وحرّك وترًا في خاطري، يوم الاثنين ظل خيال رؤيتها يلوح لي بين الفينة والأخرى، وشعرت بها تشاركني مقعد السيارة وأنا عائد إلى البيت”.
فتتحدد لعبة الرواية فنيا على مسارات عدّة، أسرة المليونير في صورته العائلية، ارتباطاتها وتوازنه بينها، داخل محيطها الحميمي، ودخول ابنه أحمد إلى تنظيمات جهادية، ثم وجود الوجه الآسر في انعكاسه الجمالي على شخصية البطل، حيث الحاجة الماسّة للمرء حينما يتعبه دوران عجلة الحياة بشدّة، فيرغب في النزول منها قليلا، مستريحا لبعض الوقت، خارج حدود المكان والزمان اللذين يعبثان بقدرته على التوازن، وتحقيق كل الأمنيات: “ولدي يترأس جماعة إرهابية، تقاتل في بلاد الشام! وها هي فتاة شابة لا أعرفها تعترض طريقي فجأة فتشغل بالي”، فالبطل أمام حالة مفصلية أخرى، هروب عاطفي إلى مكمن آخر: ” في سنواتي الأخيرة، صرتُ أشعرُ بأن جسد المرأة يستأثر باهتمام تلصصي؛ فحين يمرُّ جسدٌ طريّ من أمامي، يعبر وعطرٌ في أثره، أُلملم نظراتي، وأكتم هواجسي، وأبلع ريق رغبتي، وأسكت..
وتبقى الإشارات إلى الأمكنة في الكويت واضحة، من خلال وصف دقيق للشوارع والمعالم المعروفة في المدينة كسوق الصالحية، في طريقه اليومي بين بيته ومكتب الشركة، أو سائر حركته، وصولا إلى المسارات التالية التي تنتهجها الرواية، حيث يسافر إلى طهران لمقابلة خاطفي ابنه، والمفاجآت التي تحدث بما يجعلها رواية صاخبة بالأحداث، مفعمة بأسلوب سردي جميل، ينطلق بذات الروح، من بداية الرواية، إلى نهاية الحكاية.
يذكر أن الروائي طالب الرفاعي، وهو مؤسس ومدير الملتقى الثقافي الكويت حاليا، قد بدأ مسيرته الأدبية منذ أن كان في الجامعة منتصف سبعينيات القرن الماضي، وحاصل على بكالوريوس الهندسة المدنية من جامعة الكويت عام 1982 وشهادة الماجستير (MFA) في الكتابة الإبداعية من جامعة كنغستون لندن، وترجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ورأس لجنة التحكيم لجائزة البوكر العربية في دورتها الثالثة عام 2010، ومن أعماله” بوعجاج طال عمرك”، و”أغمض روحي عليك”، و”مرآة الغبش”، و”حكايا رملية”، و”سرقات صغيرة” و”ظل الشمس”، و”رائحة البحر” و” الثوب” و”سمر كلمات” إضافة إلى “حابي”.