أثير – ريما الشيخ
اتخذ الإنسان الكهوف قديمًا مسكنًا له، تحميه من الحرارة العالية في الصيف والبرودة الشديدة في الشتاء، وتقيه كذلك الحيوانات المفترسة. كما استعملت الكهوف لتربية الأغنام والحيوانات المستأنسة وحمايتها من برودة الشتاء، وفي أوقات الحرب للاختباء من العدو، وكذلك اتخذت كأماكن للعبادة والصلاة.
وفي سلطنة عمان اتخذ سكان المناطق الجبلية وغيرها الكهوف مساكن لهم، ومصدرا جديدا للمياه كونها تمثل خزانات للمياه الجوفية العذبة. وتنشأ الكهوف نتيجة التجويّة الكيميائية، ولحدوثها لا بد من توافر عوامل طبيعية كالمياه التي تحتوي على ثاني أكسيد الكربون الموجود في الجو أو التربة ليتكون حمض قادر على إذابة الصخور الجيرية.
نشأت الكهوف في سلطنة عمان خلال ثلاث مراحل: المرحلة الأولى تبدأ في باطن الأرض، حيث تذيب المياه الجوفية الصخور الجيرية وتشكل فيها فتحات صغيرة، ثم تكبر هذه الفتحات الزمن نتيجة نشاط التجوية لتكون كهوفا مع مرور الزمن نتيجة نشاط التجوية لتكون كهوفًا كبيرة.
أما المرحلة الثانية فتبدأ عند انخفاض مستوى المياه الجوفية بسبب قلة الأمطار والجفاف، إذ يصبح ارتفاع الكهف أعلى من منسوب المياه الجوفية، وتبدأ هذه المياه في تشكيل كهف آخر، ثم تأتي المرحلة الثالثة التي تسمى بمرحلة التزيين أو التجميل، وتبدأ بعد انخفاض مستوى المياه الجوفية عن مستوى الكهف، إذ تتسرب المياه المشبعة بالأملاح (ككربونات الكالسيوم) إلى الكهف من خلال الفتحات والشقوق الموجودة في سقفه، وتنزل قطرات الماء ببطء شديد لتكون ظاهرة كارستية تعرف بالهوابط، ثم تترسب هذه القطرات المائية بعضها فوق بعض لتكون ظاهرة كارستية أخرى تعرف بالصواعد، وفي بعض الأوقات تلتقي الهوابط مع الصواعد لتكون أعمدة كارستية.
وقد اتخذت الكهوف في سطلنة عمان كمحجر لحجر المرضى في السابق، ومن هذه الكهوف كهف المجدر أو جوار المجدر، الذي يقع في الضفة الشرقية من وادي الحيملي بولاية الرستاق.
يقول حميد بن راشد الراجحي، باحث في مجال الآثار، لـ “أثير”: يعد هذا الكهف من الأماكن المعروفة للأهالي في وادي الحيملي سابقًا، حيث كان محجرا لمرضى الجدري، ومنه اكتسب الاسم.
وأضاف: تبلغ المساحة الإجمالية للكهف ما يقارب 30 مترًا مربعا، ويفصله عن محيطه الخارجي جدار على طول الكهف عمل بالحجر، وقد تم اختياره كمحجر لبعده عن القرى لحجر المرضى المصابين بأمراض معدية، كما وجد به بعض من بقايا فخارية حيث كان المرضى يستخدمونها للشرب وللأكل.
وذكر الراحجي بأنه يوجد بالقرب من الكهف مقبرة وجد فيها بها شواهد أثرية للموتى من مرض الجدري. وفي الوقت الحالي، أصبحت هذه الكهوف مكانا يزوره بعض الباحثين المختصين في مجال الكهوف والآثار، وفي فصل الشتاء يقبل عليه السياح المارون في المنطقة.
وأكد الراحجي في ختام حديثه مع “أثير” بأن الجوائح موجودة في سلطنة عمان منذَ القدم ، ولكل بلدة أو قرية محجر خاص بها وبالتالي علينا كمواطنين وك\مؤسسات حكومية وغيرها من الجهات المعنية العمل على توثيقها والحفاظ عليها.
يذكر أن وادي الحيملي يقع غرب ولاية الرستاق ويبعد عنها بحوالي (60) كيلومترا ، يحده من الشرق نيابة الحوقين ومن الشمال ولاية السويق ومن الغرب والجنوب حاجر بني عمر ، ويضم العديد من المناظر الطبيعية الجميلة والتضاريس الفريدة .
ويمتاز وادي الحيملي بوجود العديد من المواقع الأثرية أهمها منطقة الخطوه التي تحتوي على مبانٍ قديمة بُنيت من الطين ويترأسها (بيت العود) وهو مثال حي لقوة وصلابة العمارة القديمة، وحصن القرية وهو مندثر ويتميز بوجود بئر وبرك مائية لم تبق إلا أطلالها، ويستخدم هذا الحصن كموقع دفاعي أيام الحروب القبلية في الزمن الماضي.
