زاوية تربوية

في العام الميلادي الجديد: كيف يحقق التعليم أحلام الطفولة؟

في العام الميلادي الجديد: كيف يحقق التعليم أحلام الطفولة؟
في العام الميلادي الجديد: كيف يحقق التعليم أحلام الطفولة؟ في العام الميلادي الجديد: كيف يحقق التعليم أحلام الطفولة؟

د. رجب بن علي العويسي- خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

رحل عام 2021م، وعسى أن ترحل معه الأوجاع والأحزان والنكبات، وتزول منها كومة الأحقاد والكراهيات، وما خلفته جائحة كورونا وغيرها من  جرائر البشر من أحداث وما تركته من فواجع، ولعل  براءة  الطفولة هي  أكثر ضحايا هذه الهمجية البشرية ، والسلطوية العالمية، والفردانية والتكالب على المصالح، لتضعهم الحروب والنكبات والفتن الداخلية والتقاتلات الحزبية والفلتات الامنية التي تقصم ظهر  الكثير من الشعوب وبعض دول العالم والمنطقة، تضع الطفول أمام واقع مهين، وحياة بائسة، وظروف قاسية، ومواقف صعبة، يتجرعون فيها ألم التشتت، وفقدان الاحتواء، والافتقار إلى أبسط درجات الأمان والعيش والحياة  المطمئنة؛ وعسى أن تطيب  بقدوم عام 2022 حياة المجتمعات، في أن يكون عامنا الميلادي الجديد، مفتاح خير وفير، وطريق بر ورشاد، ومنهج صلاح وإصلاح، وأن تجد فيه الطفولة من الرعاية والعناية ما تقر بها أعينها، وتمسح بها دموعها الذهبية، وخجلها المتورد، عام ميلادي جديد، كل أمنياتنا فيه أن يحمل لأطفال العالم من الآمال والأحلام والطموحات والتوجهات، ما يسدل الستار على حياة الضنك والفقر، والعوز والتشريد، والجهل واليتم، لبناء عالم يسوده الأمن، ويعيش مواطنوه حياة الاستقرار، وتبنى فيه الطموحات لإيقاد روح الإرادة والعزيمة في حياة الطفولة؛ وعسى أن يكون هذا العام الجديد بداية  خير يمتد أثره، وأمان  يستمر مدده، وسلام يدوم على الإنسانية ظله، ووئام يؤسس لحياة آمنة مطمئنة، نافذة أمل، تشرق على البشرية حياة الرخاء والاستقرار والطمأنينة،  والتقدم والازدهار، وترفرف على أراضيها  حمامة السلام والتنمية ، ويعيش أطفالها  نعيم الاستقرار والأمن.

 ولئن كانت طفولة العالم قد عانت في عام 2021 ما عانته من أحداث وظروف وفواجع ونكبات، في عالم مضطرب، ما زال الحروب تعصف به، وترهق كاهله، وتضر بمصالحه،  حيث تتجرع الطفولة فيها ألم الذعر والخوف والحسرة، بين قصف الطائرات والقنابل،  وأصوات المدافع والبنادق في حروب هلكت الأخضر واليابس، وأضاعت حياة الطفولة تحت ركام  المباني  المهدمة، والعمارات الساقطة، فإن على  العالم  اليوم أن يقف على هذه النواميس الكونية، والحِكم الربانية، ليقرأ خلالها مرحلة تحول في تغير الأحوال والممارسات ، والأدوات والآليات، والمواقف والأحداث، بما تحمله من محطة لتقييم الذات، والتقاط الأنفاس،  ومساحة لإعادة هندسة الحياة من جديد ، وسبر أعماقها  في سبيل  بناء سلام مع الآخر وتصالح مع الذات ، واستشعار  بأهمية الحياة في ظلال الأمن والأمان والتعايش والوئام، أملا بتحقق الأفضل، والسلوك الأقوم، ومعالجة الاختلال، ومراجعة الممارسات، بالاستفادة مما صنعه العالم من فرص، وأوجده من أدوات للإصلاح والتطوير، وأسسّه من  مدخلات  وقائية وعلاجية  تحفظ للإنسان كيانه وتحافظ على استمرارية وجوده، صاحب مبدأ وحامل رسالة، ومؤسس نظام، وباني دولة، وحامي منجز، ومؤطر لمسيرة  تبقى حاضرة في الأجيال القادمة، تضمن  استقراره ونهوضه،  وتسمو به فكرا وعقلا، وروحا ونبضا، ومنهجا وعملا.

 وفي خضم التناقضات وكومة الأحداث التي تعيشها الطفولة، وما تحمله من تأثيرات سلبية على مستقبلها، وما تؤسسه من ظواهر سلوكية وأساليب قائمة على التنمر والعداء والاعتداء ، كان الأمر بحاجة إلى من يحتوي الأجيال، ويطيب خاطرهم، ويصنع حضورهم في عالمهم، ويقلل من حجم التأثير النفسي والفكري لهذه الأحداث على حياة الطفولة ومستقبلها، أطفال اليوم شباب الغد، ويبني فيهم إرادة الحياة والأمل، والحب والسلام والتعايش، لذلك كان الرهان على التعليم  في تحقيق ما لم تستطع فعله السياسة بحق الطفولة، في إدارة معادلة الواقع، وبناء روح  إيجابية متفائلة في تصحيح التراكمات العالقة في الأذهان وتأكيد روح التغيير التي يجب أن تسري في تفاصيل الحياة، وبقدر ما يمنح للطفولة من صورة إيجابية مشرقة حول الذات والآخر،  بقدر ما سيكون لذلك تأثره الإيجابي في كل خطوات العمل القادمة، ووقعه على تكييفها مع أحداث العالم وظروفه، بل أيضا بما يودعه  فيهم من روح نضالية،  في قدرته على انتزاع هاجس الخوف والقلق، والحد من ارتفاع درجات الاضطراب النفسي والسلوكي،  بما يحمله من فرص الحوار والتفاعل والانسجام، ويبنيه في ثقافة الصف والمدرسة، وتوفير البدائل والسيناريوهات التي تتيح لهم فرصا أكبر لفهم واقعهم وتصحيح ممارساتهم، الأمر الذي سيكون  له أثره في تصحيح الصورة الذهنية العالقة لدى الأجيال، وإنتاج صورة مكبرة لهم حول هذا العالم في حجم ما يحمله من مشتركات وتوافقات ونجاحات وفرص،  لينتشل الأجيال من كومة التناقضات التي تتعايش في تفكيره، ويحسن صورة التعامل معها، ويؤسس له الشواهد والنماذج الإيجابية التي تقرب له صورة الواقع الجميل.

من هنا  إلى أي مدى يمكن أن يوفر التعليم مظلة حماية للطفولة في ظل حالة الانسحاب للسياسة الدولية من تحمل مسؤوليتها نحوهم، وكيف يمكن أن توظف المدارس ومؤسسات التعليم، العام الميلادي الجديد في  ضمان المحافظة على سقف التوقعات حول الطفولة؟، ، هذا الأمر  يلقي بالعبء على المنظمات التعليمية الدولية، والمنظمات المعنية بحقوق الطفولة أن تعمل اليوم على  بناء خيوط اتصال  وجسور تعاون بين شبكاتها لحماية الطفولة والمحافظة على حقوقها، وضمان  انعدام حالة التشويه والتشويش التي تواجهها الطفولة، وبالتالي أن تقرأ  في هذه المحطات الزمنية فرصة لإعادة  انتاج  تعهداتها الدولية المعنية بالطفولة، وتصحيح النظرة التشاؤمية التي باتت  تمارس  ضد الطفولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، عبر وسائل الإعلام والإعلانات والمنصات التواصلية أو  القرارات الدولية في أحيان أخرى، وأن يلتزم العالم بمتابعة تنفيذ التشريعات والقوانين  الملزمة والنافذة وتعهداته نحوها،  ما يحفظ حق الطفولة في العيش الكريم،  والتفكير الأمن، والتعليم الجيد، والرعاية الصحية المناسبة، والممارسة التأملية التي تصنع فيهم القدوات والنماذج، وتبني فيهم روح التجديد، متخذين من المشتركات الإنسانية والقيم العالمية لغة جامعة تحوي الجميع وتضمن  لهم مسارات العيش في أمن وأمان واطمئنان، لرسم البسمة في وجوههم،  وتقريب  صورة الواقع الإيجابي لديهم في ظل مواقف محاكاة عملية يستشعر فيها الطفولة  مساحة المراجعة التي يستقطعها العالم من أجلهم  ، بعيدا عن  أنانية الاعلام وغوغائيته، وما يقدمه في فضاءاته من برامج قتلت براءة الطفولة، ووأدت أحلامها، وأسدلت الستار على حياة البهجة والفرح لديها.

Your Page Title