أثير- المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
نتحدث في زاويتنا القانونية هذه عبر “أثير” عن موضوع قانوني صرف، لكنه مهم رغم عدم معرفة البعض عنه، وهو موضوع “التقادم” من حيث مفهومه وأنواعه.
التقادم: هو مضي المدة. وهو في القانون الوضعي على نوعين: مسقِط ومكسب، فالأول يؤدي إلى سقوط الحق، والثاني سبب لكسبه. وإذا كانت الحقوق الشخصية (الالتزامات) لا يمكن أن تكون إلا محلا للتقادم المسقط، فإن الحقوق العينية كما يجوز سقوطها (إلا حق الملكية) عن طريق التقادم، فإنه يجوز اكتسابها بالتقادم المكسب. وعلى حين أن التقادم المسقط يفترض وضعا سلبيا هو عدم مطالبة الدائن بحقه أو عدم استعمال الحق، فإن التقادم المكسب يستلزم وضعا إيجابيا هو الحيازة. ويشترك النظامان في عنصر مضي الزمن.
أولا ـ التقادم المسقِط (المبرئ)
1ـ مدد التقادم المختلفة:
أـ القاعدة العامة: يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة كما حُدد في القانون، وذلك فيما لم يرد فيه نص خاص يقرر مدة أطول أو أقصر. ولا يجوز الاتفاق على أن يتم التقادم في مدة تختلف عن المدة التي عينها القانون.
ب ـ كيفية حساب مدد التقادم: تحسب مدة التقادم بالأيام لا بالساعات، ولا يحسب اليوم الأول، وتكتمل المدة بانقضاء آخر يوم منها. ولا يبدأ التقادم فيما لم يرد فيه نص خاص، إلا من اليوم الذي يصبح فيه الدَّين مستحق الأداء. وبخاصة لا يسري التقادم بالنسبة إلى دين معلَّق على شرط واقف إلا من الوقت الذي يتحقق فيه الشرط، وبالنسبة إلى ضمان الاستحقاق إلا من الوقت الذي يكتب فيه الاستحقاق، وبالنسبة إلى الدين المؤجل إلا من الوقت الذي ينقضي فيه الأجل.
ج ـ وقف التقادم: لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبيا. وكذلك لا يسري التقادم بين الأصيل والنائب. وأيضا لا يسري التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق مَن لا تتوافر فيه الأهلية أو في حق الغائب أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جناية إذا لم يكن له نائب يمثله قانونا. ويترتب على وقف التقادم في هذه الحالات أن المدة التي يقف التقادم خلالها لا تحسب ضمن مدة التقادم، وتحسب المدة السابقة والمدة التالية.
د ـ انقطاع التقادم: ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة، وبالتنبيه أو بالحجز، وبالطلب الذي يتقدم به الدائن لقبول حقه في تفليس أو توزيع، وبأي عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه في إحدى الدعاوى. كما ينقطع التقادم إذا أقر المدين بحق الدائن إقرارا صريحا أو ضمنيا. ومن قبيل الإقرار الضمني أن يترك المدين تحت يد الدائن مالا مرهونا رهنا حيازيا تأمينا لوفاء الدين، ووفاء المدين بقسط من الدين أو فوائده، وطلبه مهلة للوفاء. ويترتب على الانقطاع سقوط المدة السابقة على قيام سببه والمدة التي تمضي خلال قيامه. فإذا زال السبب بدأ تقادم جديد مماثل في طبيعته ومدته للتقادم الأصلي. على أنه إذا انقضى السبب الذي قطع التقادم بحكم نهائي تكون مدة التقادم الجديد خمس عشرة سنة، أيا كانت مدة التقادم. وكذلك إذا انقطع التقادم الحولي بإقرار من المدين كانت مدة التقادم خمس عشرة سنة.
2ـ إعمال التقادم المسقط وأثره:
أ ـ الدفع بالتقادم: يجب على صاحب المصلحة أن يتمسك بالتقادم، ولا يجوز للقاضي أن يقضي به من تلقاء نفسه. ومعنى ذلك أن التقادم ليس من النظام العام. وصاحب المصلحة هو المدين والكفيل وحائز العقار المرهون ضمانا لذات الدين والمدين المتضامن بقدر حصة شريكه ودائن المدين. ويجوز التمسك بالتقادم في أي حالة كانت عليها الدعوى، لكن لا يجوز التمسك به لأول مرة أمام المحكمة العليا.
ب ـ النزول عن التقادم: لا يجوز النزول عن التمسك بالتقادم قبل ثبوت الحق فيه أي قبل اكتمال مدته. أما إذا اكتملت هذه المدة كان للمدين أن ينزل عن التمسك به. ويكون النزول صريحا بتعبير صادر من المدين باللفظ أو بالكتابة. ويخضع إثبات النزول الصريح للقواعد العامة في إثبات التصرفات القانونية.
وقد يكون النزول ضمنيا إذا أمكن استخلاصه من مسلك للدائن يقطع حتما بقصد النزول، كأن يطلب المدين بعد التقادم مهلة لوفاء الدين أو يقدم كفيلا أو رهنا. وعند الشك لا يفترض النزول. والأهلية اللازمة لصحة النزول هي أهلية التصرف، فلا تكفي أهلية الإدارة، ولا تلزم أهلية التبرع، ولا يسري النزول في حق دائن المدين إذا صدر إضرارا بهم.
ج ـ أثر التقادم المسقط: إذا اكتملت مدة التقادم ولكن لم يتمسك به المدين بعد فإن الالتزام يبقى التزاما مدنيا لا تتغير طبيعته. ويترتب على ذلك صحة الوفاء به ولو كان الموفي جاهلا اكتمال مدة التقادم، وصحت كفالته وجازت المقاصة به. فإذا تمسك المدين بالتقادم سقط الالتزام مدنيا ولكن تخلف عنه التزام طبيعي لا يجوز جبر المدين على الوفاء به، ويسقط مع الدين توابعه من كفالة أو رهن أو اختصاص أو امتياز. كذلك يسقط مع الدين ملحقاته كالفوائد، حتى ولو كانت تلك الملحقات لم يمض عليها مدة التقادم الخاص بها. ويستند سقوط الدين بالتقادم إلى الوقت الذي بدأ فيه التقادم. على أن سقوط الالتزام بالتقادم عن طريق الدعوى لا يمنع من التمسك بوجوده عن طريق الدفع.
ثانيا: التقادم المكسِب
التقادم المكسب: هو سبب من أسباب كسب الملكية والحقوق العينية الأصلية، قائم على حيازة ممتدة فترة من الزمان يحددها القانون.
1ـ مجال التقادم المكسب:
أ ـ الحقوق الجائز كسبها بالتقادم: الحقوق العينية هي وحدها الجائز كسبها بالتقادم، دون الحقوق الشخصية التي لا تقبل الحيازة (وذلك عدا السندات لحاملها)، والحقوق العينية الأصلية جميعا يجوز كسبها بالتقادم، سواء كانت ملكية أو حقوقا متفرعة عن الملكية كالانتفاع والارتفاق وحق الاستعمال وحق السكن.
ب ـ الأشياء التي يرد عليها التقادم المكسب: يرد التقادم المكسب على جميع الأشياء المادية، سواء أكانت عقارا أم منقولا. ويلاحظ أن المنقولات لا يرد عليها التقادم الخمسي، فهو تقادم خاص بالعقارات وحدها، ولأن شروطه إذا اجتمعت بالنسبة للمنقول اكتسبت الملكية أو الحق العيني بمجرد الحيازة.
وأيا كانت مدة التقادم المكسب فإنها تخضع من حيث حسابها ومن حيث وقفها وانقطاعها للأحكام التي سبق بيانها في خصوص التقادم المسقِط. على أنه يلاحظ أن هناك صورة للانقطاع ينفرد بها التقادم المكسب، وهو الانقطاع الطبيعي الناشئ عن تخلي الحائز عن الحيازة أو فقدها ولو بفعل الغير، فتخلي الحائز عن حيازته وفقدها بفقد عنصريها أو أحدهما يقطع التقادم. أما إذا فقدت الحيازة بفعل الغير وكان المال عقارا فإن الحائز لا يفقد الحيازة إلا إذا لم يستردها أو لم يرفع الدعوى باستردادها خلال سنة.
ج ـ شرطان خاصان بالتقادم الخمسي: حسن النية والسبب الصحيح
(1) حسن النية: هو جهل الحائز أنه يعتدي على حق الغير أو هو اعتقاده أنه تلقى الحق عن صاحب حق، وبشرط ألا يكون هذا الجهل ناشئا عن خطأ جسيم. ولا يشترط حسن النية إلا وقت تلقي الحائز لحق، فإذا ساءت نيته بعد ذلك لم يمنعه هذا من إتمام التقادم الخمسي. وحسن النية مفترض ما لم يثبت العكس.
(2) السبب الصحيح: هو السند القانوني الذي يستند إليه الحائز في حيازته والذي كان من شأنه أن ينقل الملكية لو أن الحائز كان قد تلقاه عن مالك أو صاحب حق. وهو في القانون المصري وقوانين أخرى تصرف قانوني من شأنه نقل الملكية أو الحق العيني، كعقد أو وصية، فالبيع أو الهبة أو المقايضة أو تقديم حصة في شركة أو الوفاء بمقابل يُعدّ سببا صحيحا. كذلك حكم رسو المزاد بعد الحجز. وقد توسع القانون السوري في فكرة السبب الصحيح إذ أدخل فيه الاستيلاء على الأرض الموات والإرث. وإثبات السبب الصحيح يقع على الحائز.
3ـ إعمال التقادم المكسب وأثره:
يخضع التقادم المكسب من حيث وجوب التمسك به وجواز النزول عنه بعد تمامه للأحكام التي يخضع لها التقادم المسقط. ويترتب على التقادم المكسب اكتساب الملكية والحق العيني، وجواز التمسك بهذا الاكتساب عن طريق الدفع والدعوى. ويرجع تاريخ الكسب إلى وقت بدء الحيازة التي أدت إلى التقادم. ويترتب على ذلك عدم إلزام الحائز برده وسقوط الحقوق التي قررها المالك السابق خلال سريان التقادم، ونفاذ الحقوق التي رتبها الحائز.