رصد-أثير
إعداد: محمد العريمي
شهدت سلطنة عمان يوم الجمعة 4 فبراير حدثًا كبيرًا بافتتاح مشروع عملاق هو ميناء الدقم الذي يُعدّ إستراتيجيا سواء من حيث موقعه أو الخدمات التي سيقدمها.
ويقع الميناء على الساحل الجنوبي الشرقي لسلطنة عمان، وفي موقع مهم في المنطقة البحرية سريعة التطور في منطقة الشرق الأوسط، يطل من خلاله على بحر العرب والمحيط الهندي، كما يتميز ميناء الدقم بموقع مثالي يخدم كل من الممرات الشرقية والغربية، نظرًا لموقعه الجغرافي المركزي، وهو يقع خارج مضيق هرمز ، وفي وسط المحيط الهندي، ويوجد مباشرة على المياه الدولية ويقع على مقربة مباشرة من طريق التجارة الدولية بين آسيا وأوروبا. وموقعه يجعله جذابًا للغاية لخطوط الشحن والأسواق الهندية الكبيرة والأفريقية النامية التي يمكن تلبيتها بسهولة من الدقم.
وتشتمل مباني الميناء على مكاتب إدارية وقاعة للمراقبة البحرية عن طريق برج للمراقبة يمكن من خلاله مراقبة حركة السفن في حوض الميناء ومرافق متكاملة للموردين والمصدرين تشمل المحطة الواحدة التي يتم من خلالها إنجاز وتخليص المعاملات المتعلقة بالمستوردين والمصدرين عبر الميناء ومكاتب تصاريح المرور ومباني التفتيش المخصصة للجمارك ووزارتي الصحة والثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه ومباني الخدمات الكهربائية وخزان مياه ومكافحة الحرائق إضافة إلى أعمال البنية الأساسية الأخرى وطرق داخلية بطول 8 كم مترات ومواقف للسيارات.
ويضم الميناء العديد من محطات الشحن بما في ذلك محطات البضائع السائبة والسائبة الجافة والبضائع ذات الأبعاد الزائدة ومحطات الحاويات. ويتيح رصيف ميناء الدقم للمواد السائلة تصدير السوائب السائبة ويتكامل مع مصفاة الدقم عبر خطوط أنابيب لتصدير المنتجات، مما يجعل الميناء ميناء متعدد الأغراض مع بنية أساسية ذات مستوى عالمي، ومرافق متعددة الوسائط مع طرق داخلية مؤهلة.
ويلعب ميناء الدقم أدوارًا مهمة، ويعد من أكبر الموانئ في الشرق الأوسط ويتيح له موقعه المميز ومساحته الشاسعة استقطاب استثمارات ضخمة ومتعددة في قطاع الصناعات الثقيلة والبتروكيماوية، ويتمتع الميناء ببنية أساسية متطورة، إذ يبلغ إجمالي أطوال كاسري الأمواج حوالي 8.7 كم فيما يصل عمق حوض الميناء إلى 18 مترًا وقناة الدخول إلى 19 مترًا مما يؤهله لاستقبال ومناولة سفن الحاويات العملاقة.
ويتألف الميناء من 3 أرصفة هي: الرصيف التجاري، والرصيف الحكومي، ورصيف المواد السائلة والسائبة (الرصيف النفطي)، ويضم الرصيف التجاري: 4 محطات من بينها محطتان للحاويات بطول نحو 1600 متر لمناولة نحو 3.5 مليون حاوية نمطية سنويًا، ومحطة للمواد الجافة السائبة بسعة نحو 5 ملايين طن متري سنويًا، ومحطة متعددة الاستخدامات بسعة حوالي 800 ألف طن متري سنويًا، ويعد الرصيف الحكومي أول رصيف متكامل يتم تنفيذه في الموانئ العمانية لخدمة الجهات الحكومية بطول 980 مترًا، ويعد من أهم المرافق الأمنية بميناء الدقم ويوفر الجاهزية لإدارة العمليات اللوجستية لهذه الجهات وتوفير الجانب الأمني للميناء والمنطقة بالكامل، ويهيئ الرصيف النفطي الميناء لتصدير المنتجات النفطية المكررة السائلة.
يعد ميناء الدقم الميناء الوحيد في سلطنة عُمان الذي يقع في منطقة حرة ويتكامل مع المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم مما يتيح للمستثمرين جني فوائد الحوافز التشغيلية والمالية التي تقدمها الحكومة حيث من المأمول أن يصبح مركزا جديدا للنمو الاقتصادي في السلطنة.
وتطور شركة ميناء الدقم والشركات التابعة لها وتروج للأراضي القابلة للتأجير لمختلف الأنشطة الصناعية واللوجستية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم وفقا لعقد الامتياز، على مساحة تبلغ 5000 هكتار منها أراضٍ صناعية بمساحة ألفي هكتار، وأراضٍ لوجستية تقدّر بألف هكتار.
وقد صُمّم الميناء ليكون بالقرب من مناطق امتياز مشروعات النفط والغاز والتعدين في سلطنة عُمان ووجوده بمنطقة تمتاز بثروات هائلة من الموارد السمكية ليتكامل مع ميناء الصيد بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم لجذب الصناعات السمكية ومشروعات الاستزراع السمكي.
تتم إدارة وتشغيل الميناء عبر شركة ميناء الدقم، وهي شركة مشتركة مناصفة بين الحكومة العُمانية ممثلة في مجموعة “أسياد” بنسبة 50 بالمائة والتحالف البلجيكي بين ميناء “أنتويرب” الدولي ومجموعة “ديمي” تحت مسمى “كونسورتيوم ميناء أنتويرب” بنسبة 50 بالمائة، ليستفيد الميناء من الخبرات الواسعة لميناء “أنتويرب” الدولي كونه ثاني أكبر ميناء في أوروبا، واهتمامات مجموعة “ديمي” المتنوعة في مجالات الحفر والتعميق البحري والهندسة البحرية وتطوير الموانئ بالإضافة إلى الطاقة المتجددة، ومُنحت شركة ميناء الدقم امتيازًا لمدة 28 عامًا بدءًا من يوليو 2015م للتعاون في استثمار ميناء الدقم وتشغيله وإدارته والترويج له بموجب المرسوم السلطاني رقم (28 / 2015).
كما تم التوقيع على اتفاقية لمشروع هايبورت الدقم الذي يستهدف إنتاج كميات كبيرة من الهيدروجين الأخضر (من الطاقة المتجددة) كوقود للمستقبل ومشتقاته وتصدير هذه المنتجات عبر ميناء الدقم، وهو شراكة بين مجموعة أوكيو ومجموعة ديمي البلجيكية.
وتسعى سلطنة عمان إلى تحقيق العديد من الأهداف التي تهدف إلى وضع الدقم كواجهة آمنة ومستقرة وصديقة للأعمال من أجل الاستثمارات الصناعية والاقتصادية، وتأكيدا لأهميه الموقع الإستراتيجي لميناء الدقم فقد تم تطويره كما هو مخطط له على أن يكون مركزا لوجيستيا متكاملا ومتعدد الوسائط يشتمل على طرق النقل البحري والطرق البرية والجوية والسكك الحديدية، في حين أن شبكة نقل البضائع والركاب المقترحة بالسكك الحديدية ، ستربط في نهاية المطاف هذه المدينة الساحلية الصناعية بنظام السكك الحديدية الوطني، كما تعد المرافق والخدمات أيضًا حديثة ، وتوفر للمستثمرين بيئة لا تضاهى للقيام بأعمال تجارية.
وبدأت شركة “ميرسك لاين”، التي تعد أكبر الخطوط الملاحية على مستوى العالم، في استخدام ميناء الدقم منذ يناير 2021م، حيث شرعت في شحن الدفعة الأولى من الصادرات المبردة، ومشروع هايبورت الدقم الذي يأتي على رأس المبادرات الخضراء ويستهدف إنتاج كميات كبيرة من الهيدروجين الأخضر (من الطاقة المتجددة) كوقود للمستقبل ومشتقاته وتصدير هذه المنتجات عبر ميناء الدقم، ويقع المشروع على مقربة من الميناء (بالقرب من رصيف السوائل لتسهيل تصدير المنتجات السائبة) وسينتج الهيدروجين الأخضر من خلال عملية “التحليل الكهربائي” من الطاقة المولدة من مصادر متجددة (طاقة الرياح)
وبينما كانت البنية الأساسية للميناء قيد الإنجاز، فقد حقق ميناء الدقم بعض الإنجازات التجارية الأولى في مجموعة واسعة من المشاريع، أبرزها التعامل بنجاح مع استيراد بضائع لمشروع إنشاء مصفاة الدقم (خاصة البضائع ذات الأبعاد الكبيرة) وكذلك إنشاء مشروعات بارزة أخرى قادمة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم. كما حقق نجاحًا في مناولة عمليات أنابيب الحفر وملحقاتها واكتسب مكانة بارزة في دعم قطاع الثروة السمكية، ففي أكتوبر 2020م، شحنت أولى صادرات من المنتجات السمكية عبر ميناء الدقم بشحن زيت السمك إيذانًا ببدء ناجح لمشروعات الثروة السمكية في ميناء الدقم. وقبل مرحلة التصدير الأولى وقعت شركة ميناء الدقم في أغسطس 2020م مذكرة تفاهم مع وزارة الثروة الزراعية و السمكية وموارد المياه لضمان توافر مرافق الفحص الصحي ومراقبة الجودة في ميناء الدقم لإصدار شهادات التصدير / الاستيراد اللازمة تتيح الشهادة تصدير البضائع الغذائية المختلفة واستيرادها عبر ميناء الدقم، لا سيما الأسماك المجمدة، ومسحوق السمك الجاف، واللحوم المجمدة ومنتجاتها، والخضروات (المبردة أو الجافة)، والدواجن والماشية، والمواد الغذائية المجمدة أو الجافة. وفي يناير 2021م، حقق الميناء إنجازًا كبيرًا مع بدء أولى الصادرات على الإطلاق من الأسماك المجمدة في حاويات، وقد دشنت شركة الوسطى للصناعات السمكية المملوكة للدولة عمليات الصيد السطحي بثلاث سفن بها مرافق لتجميد الأسماك، وفُرغت الأسماك المصنعة بجانب الرصيف التجاري للتصدير في حاويات مبردة.
ويقدّم الميناء حزمًا متنوعة من الخدمات، كمنشآت منع التلوث (ماربول) وإمداد المياه العذبة وتزويد السفن بالوقود وعمليات النقل من سفينة إلى أخرى في أي من مناطق الرسو التابعة لها، بالإضافة إلى خدمات جمع نفايات السفن ومعالجتها، كما توفر منشآت الميناء بيئة عمل مشجعة تعكس مدى تطور سلطنة عُمان في قطاع الموانئ من حيث تزويد الموظفين بأدوات تواصل حديثة وخصائص المكاتب المشتركة وتحسين التفاعل والتواصل بين فرق العمل والشركاء في المنطقة، الأمر الذي ينتج عنه تحسين مدة الاستجابة للعمليات المرتبطة بأعمال الميناء، واتخاذ القرارات في وقت أسرع، وتحقيق مستوى أعلى من التميز للعملاء.