أخبار

الهيدروجين الأخضر … وأخواته!!

الهيدروجين الأخضر … وأخواته!!
الهيدروجين الأخضر … وأخواته!! الهيدروجين الأخضر … وأخواته!!

د. سعود بن محمد الفارسي- دكتوراه القانون النووي

 

لم تكن الأوامر السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الأخيرة في شأن مواكبة التحولات العالمية في مجال استخدام الهيدروجين الأخضر والعمل على تسريع إجراءات تنظيم هذا القطاع ووضع الأطر القانونية اللازمة لنموه، وتخصيص المواقع المناسبة لإنتاجه والعمل على توطين هذه التقنية وإعداد الدراسات اللازمة لذلك، وتضمين الهيكل التنظيمي لوزارة الطاقة والمعادن مديرية عامة تعنى بالطاقة النظيفة وطاقة الهيدروجين وبتأسيس شركة لتنمية هذا القطاع، لم تكن هذه الأوامر إلا تأكيدًا لأهمية ضمان ديمومة واستدامة الطاقة في البلاد واهتمام جلالته الشخصي البالغ لهذا الموضوع.

الهيدروجين الأخضر … وأخواته!!
الهيدروجين الأخضر … وأخواته!! الهيدروجين الأخضر … وأخواته!!

ويعد موضوع “أمان” الطاقة من الموضوعات ذات الأولوية على المستوى الدولي، وإن من أهم مرتكزات ذلك عدم الاعتماد على مصدر واحد للطاقة في الدولة الواحدة، لذا فإن أغلب دول العالم المتقدم تحرص على امتلاكها لـ ” مزيج ” من مصادر الطاقة، للعديد من الأسباب، سياسية كانت أم اقتصادية أم غيرها، فمثلًا في المملكة المتحدة كان إنتاج الطاقة في العام ٢٠٢٠م مقسمًا كالآتي “الغاز ٣٥.٧٪ ، الفحم الحجري ١.٨٪ ، الطاقة النووية ١٦.١٪ ، الهايدرو ٢.٢٪ ، النفط والوقود الأحفوري ٣.٣٪ ، الطاقة الشمسية وطاقة الريح ٢٨.٤٪ ، ومصادر طاقة مختلفة ١٢.٦٪” ( Service.gov.uk, 2021 ).

وبالتمعن في النسب السابقة يمكن الانتهاء إلى أن نسبة الوقود الأحفوري المستخدمة لتوليد الطاقة في المملكة المتحدة لا تتجاوز ٤١٪ من مجموع ما تعتمد عليه المملكة المتحدة من مصادر الطاقة في حين أن نسبة الاعتماد على الطاقة المتجددة المختلفة تتجاوز ٥٥٪.

ورجوعًا إلى منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن نسبة الاعتماد على الوقود الاحفوري تمثل النسبة الأكبر وبشكل مخيف، بل وأن الوقود الأحفوري في بعض الدول يمثل المصدر الوحيد للطاقة باستثناء بعض المحاولات لإدخال بعض التقنيات الأخرى الحديثة الخاصة بالطاقة المتجددة كحقول الطاقة الشمسية و أبراج الرياح في بعض الدول، وإدخال تقنيات الطاقة النووية في البعض الآخر، وهي – بلا شك – خطوات أولى مهمة للانتقال من مرحلة الاعتماد الكلي على الوقود الأحفوري إلى مرحلة تعتمد على التنوع في مصادر الطاقة خصوصًا تلك المتمثلة في تقنيات الطاقة المتجددة المختلفة، إلا أنه مما يجب أخذه في الحسبان أن عامل الوقت للوصول إلى مرحلة عملية فعلية من التنويع مهم جدًا في ظل التغيرات العالمية المختلفة لا سيما في مجال الطلب على الوقود الأحفوري وتذبذب أسعاره وعدم الاستقرار السياسي، لذا فإن الخطوات يجب أن تكون حثيثة وسريعة.

عليه؛ فإن الانتقال بشكل علمي وعملي سليم من مرحلة الاعتماد الكلي على المصادر الأحفورية كمصادر للطاقة إلى المصادر الأخرى المختلفة له متطلبات رئيسية ومبادئ أساسية “Milestones” لا بد من اتخاذها وبشكل عاجل، يمكن تلخيص أهمها في الآتي:

– إعداد البنية الأساسية التشريعية المتكاملة المتعلقة بالطاقة بشكل كامل، ابتداءً من تنظيم مصادر الطاقة المختلفة وأسس وشروط ترخيصها، وأسس اختيار مواقعها، مرورًا بالنسب المسموح بها لكل منها، ورقابة إنشاء محطاتها والإشراف عليها وتراخيص تشغيلها ورقابتها، وربط الطاقة بالشبكات المحلية وتسعيرها، انتهاءً بتحديد الجهة الرقابية “المستقلة” المختصة بالترخيص والرقابة والإشراف لحين إغلاق تلك المنشآت وأسس وضوابط وحدود المسؤولية المدنية، وغيرها من اختصاصات وضوابط، فليس من المعقول أنه – وحتى اللحظة – ليس هنالك قانون “شامل” معني بتنظيم الطاقة في سلطنة عمان!!
– ضرورة دراسة خيارات مصادر الطاقة المختلفة وتصنيفها في قائمة أولويات، بحيث يتم تبني واعتماد المصادر الأكثر تطورًا وجاهزيةً أولًا، ثم عمل خطة لإدخال المصادر الأخرى الأقل جاهزية بالتدريج، فالعالم لا ينتظر، والتطور والتقدم يفرضان عنصر السرعة.
– ضرورة إنشاء ” جهاز مستقل ” استقلالًا كاملًا -أيًا كان مسماه- ، يختص بشكل رئيسي بعملية تنظيم ورقابة الطاقة ومصادر الطاقة المختلفة بما يضمن “حوكمة” هذا القطاع بشكل فعلي وكامل، وفقًا للمتطلبات الدولية في هذا الشأن وبما يتوافق وأفضل الممارسات العالمية.
– العمل على إدراج موضوعات الطاقة المختلفة في المناهج الدراسية – بشكل أساسي – وكذلك ضرورة تدشين برامج دراسات جامعية وعليا لدراسة تخصصات الطاقة المختلفة، وتخصيص بعثات خارجية لمؤسسات علمية رائدة لتأهيل كوادر وطنية في تخصصات الطاقة المختلفة، ومن المهم تكوين شراكات مع مؤسسات دولية عاملة في مجالات الطاقة المختلفة لتدريب الكوادر الوطنية في هذا الجانب، وهو الأمر الأهم “لتوطين” صناعات الطاقة بما يتوافق والأوامر السامية المطاعة في هذا الشأن.
– العمل على تثقيف الرأي العام بموضوعات الطاقة – بشتى مجالاتها – وهو الأمر الذي يتطلب من وسائل الإعلام المختلفة تكثيف الجهود في هذا الجانب، بحيث تكون رسائلها المتعلقة بهذا الشأن أكثر عمقًا وموضوعيةً بحيث تصل المعلومة إلى الرأي العام كاملة بكامل مصداقيتها.



إن موضوع ” الطاقة ” في سلطنة عُمان لربما كان ” خاملًا ” لفترة طويلة من الزمن، إلا أن الوقت قد حان لمناقشته بشكل علمي حقيقي ضمانًا لمصلحة الدولة أولًا، وضمانًا لديمومة واستدامة الطاقة، وضمانًا لأن تكون أسعارها مناسبة ومعقولة خصوصًا في ظل توجه الدولة لرفع الدعم عن الكهرباء.

Your Page Title